يافا ليست اسما مجرورا ربما منصوبا أو بالأحرى مفعولا به، أو من الممكن أن تكون من أخوات كان, وكي لا يقع أحد منا في الخطأ هذا ليس درساً في اللغة والإعراب، بل وصفا لحال مدينة يافا وأهلها العرب عشية انتخابات ، بلدية كانت أم برلمانية، فرغم حبّي وعشقي لهذه اللغة ومكنوناتها إلا أنّ حبي ليافا أكبر، ولا أستطيع أن أخفي ذلك إن حاولت فيافا هي إحدى نقاط ضعفي الذي أستمدّ منه القوة، لأدافع عنها بكل ما أملك من قوة جسدية وعقلية وروحيّة وحتى الرمق الأخير. ولن أدخل في باب الاعتذار لأخوات يافا من المدن والقرى العربية، فيافا مهما فعل ونصب ونهب وهدم منها، تبقى الرمز والقصّة والعروس التي تأبى أن تبدل فستانها الأبيض المعطر بزهر البرتقال، وأمواج البحر تغسل عنها غبار الأيام ليبقى ناصعا إلى الأبد.
لا بد من شحن للعقول والتأمل على فنجان قهوة بدون سيجارة نحتسيها من فوق تلة العرقتنجي المطلة على بياراتها لنقول للقاصي والداني انّ الدرس قد حفظناه والتجربة كانت قاسية والنتيجة تكاد تكون كارثة على أهلنا في يافا، ولن أوجه اصبع الاتهام إلى أحد، فالكل شارك في الدرس وبدون غياب والكل ذاق مرارة النتيجة ، تشرذم وحقد ومهانة وضحك على اللحى وسمسرة وبيع وشراء وكل ما هو مباح وغير مباح في اللعبة الانتخابية، ويافا هي التي تدفع الثمن والضحية أولاد يافا وبدون استثناء.
أنا لا أشك بذكاء القارئ الذي يفهم ما أريد الوصول إليه من خلال هذه السطور، وأتمنى أن لا يعتبرها دعاية انتخابية لطرف ما ولكن هي كلمة لا بد منها بعد أن خرجنا جميعا من الدرس والامتحان بنتيجة صفر مدوّر، الكل سقط ضحية للتجربة ولا أريد أن أسمع من أحد كلمة "بس" لأنها لن تجدي بعد ما حدث في يافا في السنوات الأخيرة.
هل حاول أحدكم استئجار منزل في يافا في الأشهر الأخيرة ولا أقول لا سمح الله شراء منزل ؟ لن أسأل إن كانت المحاولة ناجحة أم لا، لأنني أسمع وأرى ما يجري من حولي ، كلاب تجوب شوارع حي العجمي غريبة عني لا تعرفني وتكاد تلتهمني، إن كانت من كلاب الحراسة أو تبدأ بالنباح إن كانت من الكلاب التشكيلية لتقول لي بدلاً عن أصحابها نحن هنا " إنا هنا متسكعون".
حي العجمي الحي الذي يشهد على ما يجري على أرض الواقع من اغتصاب للأرض والمسكن ، بالصواريخ أخرج أهلنا من المنشية وتحت النار نزل أولاد البلدة القديمة إلى الميناء وبالمجازر أزيلت العشرات بل المئات من القرى الفلسطينية حول يافا وفي شتى أنحاء فلسطين، ونحن اليوم نحيي ذكرى النكبة الستين والحبل على الجرار.. فما لم يستطع البلدوزر إزالته في السبعينيات والثمانينيات ينقضون عليه بالدولار والنتيجة ستكون أننا لسنا أقلية في يافا وأقلية مهمّشة في يافا تل أبيب ، بل أقلية إن بقينا مجتمعا أو فئةً عديمة التأثير في العجمي، ما هي إلا سنوات قليلة حتى يختفي صوت الأذان الذي يقض مضاجعهم في الفجر وأجراس الكنائس ستصدأ والمبيّض مات وأولادنا سينخرطون في مدارسهم فتندثر لغتنا وماذا بعد ؟ تخرج أم محمد من المطبخ لتقول بلغة عبرية مسترسلة ماذا سنطبخ لكم اليوم يا سيدي؟
نعم إنها المأساة كيف نعرب ما يحدث لنا في يافا ولست ملما في الإعراب، ولكن أعلم علم اليقين أنها الكارثة ، أنها الأنفاس الأخيرة إنها بأيديكم إما أن تحملوا العروس إلى زفافها وإما أن تلقوا بها على ذلك الشاطئ لكي تموت ويبتلعنا الحوت، كما ابتلع يونس ثم يلقي بها لتحيا يافا من جديد كما فعلت بعد كل النكبات والويلات وعثرات الماضي البعيد والقريب
نقولها بصراحة وبدون تردد إلى كل عربي ابن يافا كان مسلما أم مسيحيا أبيض أو أسود غنيا أو فقيرا ، الأمر اليوم بيدكم عليكم أنتم وحدكم أن تختاروا بين الجنة( من أسماء يافا ) والنار ، بين أن تبقوا في الجنة أو يزجّ بكم إلى النار، وكما قالها حبيبنا المرحوم ابن يافا إبراهيم أبو لغد رحمه الله أنّ من يصنع يافا ويجعلها كما هي أهلها، شبابها الجيل الذي يعيش فيها فنراها كما يريد أهلها أن تكون وما أجمل أن ينظر الصانع إلى صنعته فإن كانت جميلة رفعها ليراها الناس، وإن كانت قبيحة واراها وراء ظهره أو طمرها بالتراب كما طمرت، بلدية تل أبيب أجمل شواطئ يافا وبكل وقاحة يسمون ما يقومون به اليوم إعادة البحر إلى يافا.
نعم كلمة حق لا بد منها وهذا هو الصواب في نظري ،على أهلنا في يافا اليوم ملقاة مسؤولية كبيرة عليهم تحملها والوقوف أمامها وقفة رجل واحد ، في صف واحد وراء رجل واحد لنقول كفى للتشرذم كفى لتوزيع أصواتنا مقابل دراهم معدودة أو مصالح خاصة أو لحل إشكالية مع السلطة، علينا جميعا أن نقول لا للأحزاب الصهيونية التي تنهش عظامنا ولا للوعود الكاذبة من هذا الرئيس أو ذاك ولا لبعثرة الأصوات . قوتنا في وحدتنا ليس شعارا بل واقعا ، يد واحدة لا تصفق تجربة خضناها وسمسرة الأصوات تجارة نعرفها.
"أو انك يافاوي أو مش" شعار لا بد من إخراجه من الدرج ووضعه ليس على الطاولة وحسب بل في الشارع والمطعم والمدرسة في المقهى وفي كل مكان، يافا تعطي ككل الأمهات ولا تطلب أجرا لأنها تحبنا فماذا نحن فاعلون من أجلها.
الاختيار هو ليس لذلك الإنسان الذي يدخل المجلس البلدي مع عصاه السحرية فتنتهي مشاكلنا، بل هو لاختيار الدرب الذي نسير عليه من أجل ضمان مستقبل الجيل القادم أن تبقى يافا عربية مع جيل يعرف هويته، أم نبقى فئات متشرذمة تحارب بعضها البعض والفائز هو السلطة التي تنهش في لحمنا وعظامنا ليل نهار وعلى عينك يا تاجر.
(يافا)
عبد القادر سطل *
الجمعة 30/5/2008