في خضم التطورات السياسية المتلاحقة في منطقة الشرق الأوسط، تسارع إسرائيل في الشروع بمفاوضات مع سوريا بوساطة ورعاية تركية وموافقة أمريكية ضمنية، مستغلة "الوقت الضائع من الفترة المتبقية للرئيس الأمريكي وحساسية وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي لا يعلم كم من الوقت بقي له في منصبه.
(أيهود اولمرت) الذي ربط قضية تورطه بالفساد بقضية سلفه شارون، عندما مضى، هذا الأخير، في فك الارتباط عن قطاع غزة على الرغم من تورطه بقضية مشابهة، يؤكد على مواصلة المفاوضات على كلا المسارين الفلسطيني-السوري، واصفاً إياها(بالاختراق التاريخي) وانه سيقوم بذلك تنفيذا للعهد الذي قطعه قبل الانتخابات بالخروج من حالة الجمود السياسي، والذي أكد أن إسرائيل مستعدة للمضي بعيداً في التنازلات من أجل التوصل إلي اتفاق سلام مع سوريا.
لكن اللافت للنظر أن تأكيد أولمرت يتزامن مع معارضة ثلثي الإسرائيليين لتقديم تنازلات لسوريا، وفي الوقت الذي تطرح فيه الحكومة الإسرائيلية سلسلة مشاريع استيطانية تقدر بـ600 وحدة في الجولان تعزيزاً للاستيطان اليهودي، ومكانه الهضبة بالنسبة للإسرائيليين. هذا فضلاً عن مخططين آخرين، الأول:يتمثل في إقامة مشروع إسرائيلي- أمريكي مشترك لبناء 150 مروحة هوائية لإنتاج الطاقة الكهربائية شمال شرقي الجولان، أما المخطط الثاني: فيركز على بناء قرية سياحية في مستوطنة بالجولان، ضمن خطة سياسية لجلب أكبر عدد من السياح، وتوطين اكبر عدد من مستوطني قطاع غزة الذين تم إجلاؤهم من القطاع إلى الجولان المحتل.
لكن هناك تشابه خطير بين المسارين الفلسطيني والسوري مع إسرائيل، فرغم المفاوضات المتواصلة مع السلطة الوطنية، تقوم حكومة اولمرت بتعزيز الاستيطان والمشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية، وهو ذات النهج تمارسه في هضبة الجولان المحتلة منذ1967، فضلاً عن تصعيدها وتهديداتها المتواصلة بإعادة "اجتياح" قطاع غزة، بموازاة العمليات العسكرية سواء في قطاع غزة واستغلالها للانشقاق الفلسطيني، وفي سوريا عبر قصفها للمفاعل النووي، واغتيالها للقائد العسكري البارز في حزب الله (عماد مغنية).
وعليه يوجد هناك ترابط في المسار السوري بشكل كبير بالملفين اللبناني والفلسطيني، خاصة بعد ما آلت إليه التطورات على الساحة اللبنانية، والتغيرات الدراماتيكية التي يشهدها الواقع الفلسطيني حالياً، بواقع أن المسار التفاوضي مع سوريا يرتبط بخطوات التهدئة مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة.
فالأهداف الإسرائيلية المعلنة من وراء اتفاق سلام مع سوريا، تتمحور في الآتي:
1. قطع علاقات سوريا مع حزب الله وحماس.
2. الإفراج عن الجنديين الأسيرين الإسرائيليين لدى "حزب الله" ايهود غولدفاسر والداد ريجيف.
3.ضمان الهدوء وتقليل حدة التوتر على الجبهة الشمالية، ودرء أي مخاوف بشأن هجوم إسرائيلي مباغت على سوريا.
4. تجنب أي رد فعل سوري بعد اغتيال القائد العسكري في حزب الله "عماد مغنية"، وقصفها للمفاعل النووي.
5. شرخ وتفكيك التحالف بين سوريا وإيران من جهة وسوريا وفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية معا، وهذا لعله الهدف الأساسي الذي تسعي إليه الولايات المتحدة وإسرائيل.
أما الأهداف الغير معلنة، فتتمثل في:
1. الاستعداد لأي مواجهة محتملة مع "حماس" في الجبهة الجنوبية أو "حزب الله" على الجبهة الشمالية.
2. التفرغ الكامل للصراع الإيراني-الأمريكي-الإسرائيلي ومنع حصول إيران على السلاح النووي.
3. محاولة ملء الفراغ من جمود المسار التفاوضي مع السلطة الفلسطينية المتواصل بدون فائدة.
4. إحراز أي مكاسب سياسية وأمنية تعزز مكانة أولمرت المتدهورة وتجعله يحقق أي انجاز يستطيع أن يجازف به ويواصل تبوء مهام منصبه رغم الشبهات التي تلاحقه منذ تولية منصبه.
في حين لن تجد سوريا فرصة مناسبة كهذه لقبول اتفاق سلام مع إسرائيل، خاصة أن سوريا تدخل هذه المفاوضات عبر الوساطة التركية لا من بوابة الولايات المتحدة، الذي بات حلفاءها أقرب إلى العزوف عنها، بل ومهاجمتها بحكم تأييدها الأعمى لإسرائيل وتخبطها في حربها بالعراق وأفغانستان وسياساتها مع الدول العربية.
اتفاق السلام سيعزز مكانة سوريا مع الولايات المتحدة، وسيقلل من فرص جرها بمعترك المحاكمات الدولية، أضف إلي ذلك تجنب أي هجوم إسرائيلي مباغت وتقليل التوتر على الحدود الشمالية، في ظل الترقب المشوب بالحذر للمناورات الإسرائيلية على تلك الحدود، آخرها المناورة الكبيرة للقيادات العسكرية والتي أطلق عليها اسم "الحجارة النارية"، للاطلاع على كافة السيناريوهات المتعلقة بالتطورات الميدانية في حال نشوب حرب في المستقبل، وتعتبر المناورة الثانية منذ انتهاء حرب يوليو 2006 على لبنان.
وعليه ووفقاً للمعطيات المطروحة قد تفضل سوريا الانتظار إلي ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لحين وصول إدارة جديدة، آنذاك ستقرر دمشق هل يستحق الأمر الشروع بتفاوض حقيقي نحو سلام مع إسرائيل، تتجاوز الاتصالات الغير مباشرة، أم يترك الأمر لمسارات وهمية دون تطور ملموس يترجم فعلياً على أرض الواقع.
Hassan_maw@yahoo.com
حسن مواسي
الخميس 29/5/2008