اختلال توازن المناخ ليس قدرا طبيعيا أيّها العرب!



تشكّلت العديد من المؤسسات والهيئات والجمعيّات، وعقدت المؤتمرات والقمم الدولية التي تعنى بالتغيرات المناخية، والتي تبدي نشاطا واهتماما واسعا بحماية البيئة والحفاظ عليها من الضرر البشري. كما بدأ الإعلام العالمي بالاهتمام بالبيئة وبنشر التقارير والأبحاث، والإخبار عن المشاكل البيئية المهددة للحياة (البشرية والحيوانية والنباتية).
إنّ التغيّر الأهم الذي طرأ، في معركة الإنسانية من أجل الحفاظ على البيئة، هو خوض بعض السياسيين الذين يمثلون العولمة الرأسمالية  لهذا المضمار، ومن أبرز هذه الشخصيّات البرت ارنولد جور(آل جور)، نائب رئيس الولايات المتحدة السابق، في السنوات 1993-2001، الحائز على ثلاث جوائز هامة: 1- نوبل للسلام و2- الأوسكار (عن الفيلم الوثائقي: حقيقة مزعجة) و3-دان دافيد، والأخيرة جائزة عالمية تمنح منذ سنة 2002 لشخصيّات ومنظمات أسهمت، أو من التوقع أن تسهم، في تحقيق نجاحات ملموسة في الحفاظ على البيئة في الفترات الزمنية الثلاث، الماضي والحاضر والمستقبل، تبلغ قيمة الجائزة ثلاثة ملايين دولار، وهي ثمرة مبادرة لصندوق دان دافيد وجامعة تل-أبيب ووزارة الثقافة الفرنسية، تمنح الجائزة بشرط أن يقدم الحائز عليها 10% منها إلى طلاب يدرسون للقب الدكتوراه أو ما بعد الدكتوراه. أما آل جور فأعلن أنّه سيهب كل حصته من الجائزة، البالغة مليون دولار، ليؤثّر أكثر في رفع مستوى الوعي للمخاطر البيئية والعمل على درئها،  تألّق نجم آل جور بعد تقديمه الفيلم الوثائقي "حقيقة مزعجة" حيث عرض أبحاث عائلة تومفسون العلمية حول المخاطر البيئيّة المهددة للكائنات الحيّة، وبشكل خاص الإحترار العالمي أو الاحتباس الحراري.
وظّف آل جور كرئيس "التحالف من أجل المناخ" الإعلام على أنواعه ومبلغ 300 مليون دولار لحملة "نحن" ليحشد الأمريكيين في المعركة ضد التغييرات المناخية. مما لا شك فيه أنّ حملة آل جور هي متشعّبة ونشطة ومؤثرة سياسيا، لكن بشكل محدود لبعدها عن التحريض السياسي الجماهيري، رغم النيّات الحسنة الكامنة فيها والتنقل من مدينة لمدينة،إلا أنّ حملته لم تواجه ولم تفضح الأنظمة والإدارات السياسية المسببة الرئيسية لهذه الكوارث البيئية.
نحن لا نقلّل من أهمية التصريحات الجيّدة لآل جور مثل: "علينا من حل أزمة المناخ لكنّ الأمر يتطلب تحولا في الرأي العام والمشاركة" أو "التكنولوجية موجودة لكنّ قادتنا المنتخبين ليس لديهم بعد الإرادة السياسية لاتخاذ الإجراءات الجريئة المطلوبة" و"القرار السياسي لا يتناسب مع الانهيار البيئي" هل يمكن لأرباب الرأسمال أن يتنازلوا طواعية عن جشعهم وعن استغلال طاقة الغاز الطبيعي والنفط والفحم (الوقود التقليدي أو الإحفوري) المسبب الأكبر لظاهرة الاحتباس الحراري؟!
كما أننا لا نستهين بنتائج زيارة آل جور إلى إسرئيل وما تمخّض عنها من توثيق للتعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل في البحث والدراسة والتطبيق لإنتاج الطاقة البديلة وبشكل خاص الطاقة الشمسية على أمل أن تقود إسرائيل المنطقة (انتبهوا يا عرب النفط!) كذلك العمل على دفن غاز ثاني الكربون بدل إطلاقه للجو، وعلى إنتاج الوقود الحيوي.
  خصصت جامعة تل-أبيب 20 مليون شيكل كي تندمج في مشروع عالمي يعنى في تطوير الطاقة البديلة. فهل تعتبر جامعات الدول العربية؟!
لا أعرف ما هو نصيب العرب من هذه الاتفاقات والأبحاث والتطورات ؟!و ما هو موقفهم من مشاريع آل جور؟ ألا تشعر الدول العربية الغنية بالطاقة الشمسية المهدورة بالإحراج أمام هذه التطورات؟! أم أنّ الدول العربية لم تصل إلى مفترق الطرق الذي تقف عنده البشرية؟ لن تحيد المخاطر البيئية عن ظهر أحد! فلا تقولوا لنا بسيطة! من خلال شاشات التلفزيون! أو....
خصوصا ونحن نقترب من أزمة خطيرة بانتقال البشرية إلى نقطة اللاعودة؟ حيث  من المتوقع أنّ يرتفع مستوى سطح مياه البحار حتى نهاية القرن ما بين 0.8 إلى 1.5 متر وما يترتب عن ذلك هو غمر مناطق كبيرة ومنخفضة نسبيا في العالم (على سبيل المثال بنغلادش)، وعندها لا تنفع اللامبالاة والجهل! وأنّ كمية ثاني أكسيد الكربون (السبب الرئيسي للاحتباس الحراري) المنبعثة من الوقود الإحفوري ( بلبي 80% من الحاجة إلى الطاقة في العالم) تصل إلى 7 مليار طن سنويا  ومن المقدّر أن تصل إلى 40 مليار طن حتى نهاية السنة وفي أحسن الحالات إلى 29 مليار طن، وتبلغ حصّة الولايات المتحدة منها الربع(كذلك الصين المطيعة والحاضنة لسياسة العولمة الرأسمالية) بينما عدد سكانها لا يتجاوز أل 4% من مجمل سكان العالم. تراجعت الولايات المتحدة عن التزامها بمقررات القمم الأرضية، أقرّ مؤتمر ريو  دي جانيرو في البرازيل المنعقد عام 1992 : إنّ النشاط البشري هو المسبب للمناخ السلبي ، لم توقّع الولايات المتحدة على اتفاق إطار حول تغيّرات المناخ، وفي مؤتمر كيوتو باليابان عام 1997 تراجعت الولايات المتحدة عن التزام الدول الجماعي بخفض الغازات بمعدل 5% في السنة كي تكون التغيّرات المناخية محمولة ومقبولة وممكن التكيّف معها ( بينما طالب العلماء أن يكون الخفض 60% خلال ال50 سنة القادمة)،وتستهتر الولايات المتحدة بمقررات مؤتمر بالي في اندونيسيا في نهاية العام الماضي إرضاء للطغمة الرأسمالية من أرباب الصناعة.
من الواضح أن الولايات المتحدة لن تنصاع إلى قرارات أو تشريعات تستهدف خفض التلوّث ولن تستثمر بالعامل التكنولوجي للغرض نفسه. مثل هذه المواقف والسياسات الأمريكية تتطلب مواقف حازمة وأكثر شعبية وكونية من آل جور والجمعيات التي يقودها أو يشارك فيها.
الدول الفقيرة هي أكثر الدول إصابة وتضررا ومعاناة من جرّاء هذا الوضع المأساوي ومن اقتراب البشرية من نقطة اللا عودة، ومن ازدياد أزمة الغذاء حدّة، وانخفاض المنتوج الزراعي ب 40% لانخفاض استغلال الأرض بنفس النسبة في أل 20 سنة القادمة، وهي المهددة بالانغمار جرّاء ذوبان 30% من الجليد والثلوج التي تغطّي القطبين وقمم الجبال في السنوات المقبلة، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع سطح البحار والى اندثار الغابات، لاضطرار الأشجار أن تطلق كميّات كبيرة من الغاز المخزون فيها، كما سيكون من نصيب الدول الفقيرة حصة الأسد من الجفاف( 10%  الأنهر تفقد مصبّها في كل سنة) ومن الظواهر الطبيعية الكارثية التي ستسود( البراكين والهزات والحرائق والفيضانات والأعاصير،والموجات الحرارية)   وهي بالتالي المسبب الرئيسي لارتفاع عدد سكان العالم من 6.6 مليار نسمة إلى 9 مليار حتى سنة 2050 !
كذلك ستؤدي المشاكل البيئية إلى احتداد المشاكل الاقتصادية والتنموية والغذائية وستضرب الصناعة السياحيّة في كافة البلدان وبشكل خاص الفقيرة، لذلك ستتفاقم ظاهرة النزوح والهجرة والمشاكل الصحية، وتتأزم القضايا الاجتماعية.
 لذلك لا بدّ للفئات الأكثر تضررا، الفقراء في الدول الغنيّة وفي الدول الفقيرة من أخذ دورهم العالمي لوقف هذا التدهور البيئي الجارف كنتيجة لاستغلال الشركات الاحتكارية، في عهد العولمة الرأسمالية، البشع للثروات الطبيعية التي تؤدي إلى اختلال توازن المناخ، وإلى الاقتراب من نقطة اللا عودة التي يحلو لآل جور تكرارها!

راضي كريني *
الأربعاء 28/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع