* بري يرحب بكل مؤازرة مستندة للتوافق اللبناني ... والسنيورة يتحدث عن «إحباط مؤامرة كبرى» * توجّه لتسريع آلية التأليف والبيان الوزاري وجلسة الثقة ... واستمرار الترشيحات للحريري *
... وأخيرا سيكون للبنان رئيسه اعتباراً من مساء يوم الأحد في الخامس والعشرين من أيار ,2008 وبولاية كاملة غير منقوصة، تستمر حتى الرابع والعشرين من أيار ,2014 ليكون العماد ميشال سليمان، ثالث الرؤساء الآتين من المؤسسة العسكرية الى رئاسة الجمهورية مباشرة، بعد اميل لحود وفؤاد شهاب، في ظل إجماع عربي ودولي، ومثله شبه إجماع محلي سيكسره البعض من نواب «الورقة البيضاء» أو الذين قرروا مسبقا التحفظ سياسيا على مجمل «اتفاق الدوحة».
وبمعزل عن الإشكالية التي أثارها ويثيرها من تحفظوا على الانتخاب من دون تعديل المادة 49 من الدستور، فإن ما هو مرتقب من حصول العماد سليمان على ما يزيد عن مئة وعشرين صوتا من أصل ,127 سيكرس سياسيا ودستوريا هذه الخطوة التي ستبرّد أزمة سياسية تفاقمت بعد الفراغ الرئاسي ولو أنها كانت سابقة له، وربما تتبدى فصول جديدة منها مع عملية الـتشكيل الحكومي وعملية تقطيع الوقت من الآن وحتى موعد الانتخابات النيابية في ربيع العام .2009
وإذا كانت القمة العربية الأخيرة وكل التحديات الكبرى التي تواجه المنطقة العربية، قد ظلت قاصرة عن جمع العرب، فإن جلستي انتخاب الرئيس وأداء القسم، ستعوضان شيئا منه، وذلك عبر الاجتماع الدولي العربي الذي سيضم «أشقاء لبنان» أولا وبينهم وزيرا خارجية سوريا وليد المعلم والمملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل، بعدما تبلغ الأخير بالدعوة الرسمية، في وقت متأخر من ليل أمس، وكان جواب الدوائر الرسمية السعودية أن الفيصل قرر سريعا تلبية الدعوة، لتكريس الإجماع العربي حول اتفاق الدوحة.
وقد تحولت دوائر مجلس النواب والقصر الجمهوري الى خلية نحل، في إطار الاستعداد لعملية الانتخاب، فيما قررت قيادة الجيش وبالتنسيق مع قيادة قوى الأمن الداخلي، تشديد الإجراءات الأمنية في مختلف المناطق، وخاصة في العاصمة والضواحي، مخافة أي محاولة لتعكير صفو العملية الانتخابية، خاصة في ظل وجود حشد دولي وعربي من «أصدقاء لبنان» وبينهم أمير قطر ووزراء خارجية معظم الدول العربية (على الأرجح سيكون بينهم وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط) بالإضافة إلى وزير الخارجية التركية علي باباجان ووزير خارجية إيران منوشهر متكي، علما أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يدرس إمكان القيام بزيارة تهنئة رسمية في الأسبوع المقبل.
وتبلغ الرئيس بري أمس من القائمة بالأعمال الأميركية في بيروت ميشال سيسون أن وفدا من الكونغرس الأميركي يود المشاركة في جلستي الانتخاب والقسم. كما تبلغ منها عدم تبني الإدارة للموقف الأخير لمساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش.
وكما كان متوقعا، فإن الرئيس بري حصر «الجلستين» ولم يدع لجلسة ثالثة، لقانون الانتخاب، بناء على نصائح من جهات قانونية وتشريعية، أبرزها النائب بهيج طبارة، حيث أعطى التعليمات الى دوائر المجلس بالتحضير لإنجاز القانون الانتخابي بدءا من الأسبوع المقبل.
وقالت مصادر لبنانية واسعة الاطلاع لـ«السفير» إن عملية تأليف الحكومة لن تأخذ وقتا طويلا كما يشيع البعض، لأنه بمجرد التكليف سيصار الى تحديد التوزيع الطائفي للمعادلة الثلاثية، وبعد ذلك توزيع الحقائب السيادية، حيث صار محسوما أن تكون حقيبة الداخلية من نصيب رئيس الجمهورية، على أن تتوزع حقائب المالية والخارجية والدفاع على الموالاة والمعارضة.
وقالت المصادر نفسها إن الجانب القطري تعهد بمتابعة عملية التأليف بالزخم نفسه الذي تابع فيه عملية التوافق في الدوحة، وهذا الأمر يسري أيضا على البيان الوزاري، وعلى الأرجح، فإن كل الأمور ستكون سالكة من عند الجميع اذا توافرت النيات التي أدت الى تكريس توافق الدوحة، وكل المؤشرات تشي باستمرارها حتى الآن.
ونفت المصادر أن يكون قد تم التطرق الى مسألة توزيع الحقائب، وقالت إن البحث سينطلق فور البت بمسألة رئاسة الحكومة، وعلى الأرجح، فإن قوى الرابع عشر من آذار، ستعقد اجتماعا موسعا على مستوى الأقطاب في قريطم في غضون الثماني والأربعين ساعة المقبلة، من أجل البت باسم رئيس الحكومة الجديد، حيث تنحصر المنافسة بين الرئيس فؤاد السنيورة والنائب سعد الحريري، مع وجود أرجحية للثاني، ضمن فريق الرابع عشر من آذار، وقابلية لتزكية الترشيح من جانب المعارضة، فيما تبدو الأمور مختلفة بالنسبة للرئيس السنيورة.
وتوقعت المصادر أن تعقد جلسة نيل الثقة للحكومة الجديدة وفق البيان الوزاري الجديد «في غضون أسبوعين على أبعد تقدير».
في غضون ذلك، تلقى الرئيس بري، أمس، رسالة خطية من أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الموجود في لندن، أكد فيها استمرار بلاده بمواكبة الحل في لبنان مبديا استعداده للمواكبة المباشرة لكل عملية وضع اتفاق الدوحة موضع التنفيذ.
وقال بري لـ«السفير» إن هذا الاتفاق نقل لبنان الى مرحلة سياسية جديدة من شأنها أن توصله الى بر الأمان، وتابع «أصبحنا جميعا أمام لحظة الحقيقة وعلينا أن ننخرط في ورشة إنقاذ بلدنا على قاعدة التوافق بين الجميع».
وأضاف «أنا أسمع همسا غير بريء بأن ما توصلنا إليه ليس أكثر من هدنة وهذا الهمس ليس بريئا بل عبارة عن تشويش واضح، خاصة أن رئيس الجمهورية يشكل واسطة العقد والمدماك الحقيقي والراسخ للانطلاق ببلدنا نحو المصالحة الوطنية، وهذه عملية مستمرة وتحتاج الى تلاقي جميع الإرادات الوطنية الصادقة، ولذلك أردنا أن يكون انتخاب الرئيس الأحد بمثابة عرس متكامل لبنانيا وعربيا ودوليا حتى نقول إنه من الآن فصاعدا، أي أمر داخلي قد يكون محل خلاف بين اللبنانيين، وهو أمر طبيعي في كل الديموقراطيات، يمكننا حله من خلال الآليات الدستورية والسياسية الداخلية وليس بتجاوز الحد أو الحدود أو منطق الشراكة والوفاق».
وأكد بري أن أي مؤازرة مطلوبة منا جميعا ولكن شرط التقيد بأصول التوافق الداخلي، وهو ما لمسناه ونلمسه منذ انعقاد مؤتمر الدوحة حتى الآن.
في هذه الأثناء، لم تتبلغ الحكومة رسميا بقرار دعوتها لحضور الجلستين، لكن الرئيس بري دعا الرئيس فؤاد السنيورة، للمشاركة بصفة ضيف مثل رؤساء الحكومات السابقين، وكذلك الأمر بالنسبة للوزراء المستمرين أو المستقيلين.
وترأس الرئيس السنيورة، مساء أمس، اجتماعا وزاريا وداعيا في السرايا الكبيرة، ألقى خلاله كلمة وداعية عرض فيها للانجازات الحكومية وقال: «إذا كان البعض قد توقف أمام هذا الموضوع أو ذاك، أو إذا كان لدى بعض المواطنين أسئلة عن أسباب بعض المواقف أو التراجعات عن المواقف التي أقدمنا عليها في المدة الأخيرة، فإن جوابنا، هو أننا نظرنا إلى الأمام، إلى مصلحة شعبنا في العيش بسلام وأمان وازدهار، وكان خيارنا أن نفسح المجال أمام التغيير والتجربة بالوسائل السلمية والديموقراطية».
وأضاف السنيورة «نحن في اتفاقنا في الدوحة أحبطنا المؤامرة الكبرى التي استهدفت بقاء لبنان ومصير لبنان. الرابح من اتفاقنا في الدوحة هو لبنان.. الربح الكبير في اتفاق الدوحة هو أننا جميعا تنازلنا من اجل لبنان وليس من اجل أي طرف آخر ونحن ملتزمون بهذا الاتفاق لأنه اتفاق بين اللبنانيين ومن اجلهم ومن اجل مستقبلهم».
بدوره، تلقى المرشح التوافقي لرئاسة الجمهورية العماد سليمان امس، اتصالا من الرئيس المصري حسني مبارك هنأه فيه «بالإجماع المحلي والعربي الدولي عليه كمرشح توافقي للرئاسة».
ونقلت «المركزية» عن سليمان قوله أمام وفود أمت مكتبه مهنئة أن المرحلة المقبلة تفترض التعاون بين الجميع من اجل مصلحة الوطن واللبنانيين، خصوصا ان هناك دعماً عربياً ودولياً لهذه المرحلة، وأكد ان التهدئة مطلوبة على كل المستويات وخصوصا على مستوى التخاطب السياسي والاعلامي بما يزيل الكثير من العقبات من امام انطلاق حكومة الوحدة الوطنية وانطلاق عملها بسرعة من اجل ترسيخ مناخ الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في البلد، وخصوصا ان المؤشرات الاقتصادية في اليومين المنصرمين كشفت بشكل واضح الثقة المستمرة بلبنان واستعداد المستثمرين للعودة فور تركيز هذا المناخ من الاستقرار على المستويات كافة.
الى ذلك، استمر توالي المواقف الداعية الى ترشيح النائب سعد الحريري لرئاسة الحكومة المقبلة، وكان أبرزها أمس، للرئيس نجيب ميقاتي الذي قال إن الرئيس السنيورة «قام بجهود كبيرة ومشكورة في مرحلة كانت الأصعب في تاريخ لبنان»، وأضاف إن «من يستطيع أن يداوي الجراح في هذه المرحلة ويؤكد الوفاق ويسير في مسيرة السلم الأهلي والنمو الاقتصادي هو رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري».
يذكر أن معظم قوى المعارضة اتفقت ضمنا على إمكان تسمية الحريري لإضفاء ما يشبه التزكية على ترشيحه، كما توافقت ضمنا على عدم تسمية السنيورة اذا كان توجه فريق الموالاة يقضي باستمراره في رئاسة الحكومة.
تجدر الإشارة إلى أن النائب الحريري قد عاد فجر اليوم الى بيروت بعد زيارة قام بها الى المملكة العربية السعودية استمرت يومين.
السبت 24/5/2008