الذي يشرع في قراءة قصة "الفراء" للأديب السويدي يلمر سودربرغ سيكشف حقيقة أن ليس الأدب الروسي الحديث فقط قد خرج من تحت معطف غوغول. بل إن هذا المعطف وجد هذه المرة على أكتاف سويدية، الأمر الذي يثير تعليقات بعض السويدين الذين حذروا من التسرع وإلقاء الحكم جزافا.
القصة تتحدث بسوداوية عن الفقر، القواسم المشتركة بين معطف غوغول وفراء سودربرغ هو البرد الشديد والفقر المدقع وطيبة البطل والمعطف نفسه. لكن ثمة إختلافا نجده لدى سودربرغ وهي الخيانة. ربما سيكون الحكم للقاريء، وربما أكون تسرعت أيضا. لكن ثمة رأيا آخر هو أن القصة حين تنتهي تقول كل ما لديها ولا تحتاج إلى تفصيل ولا تتحمل أية زيادة بعد لقاء غوستاف زوجته وهو في معطف صديقه ريتشارد. هنا كان يجب أن يتوقف كل شيء، إستفزازا للقاريء وحرمانا من أية تفاصيل جديدة، والتلاعب بفضوله واحترام عقله.
عن القاص السويدي نفسه. يعتبر النقاد والمهتمون بفترة سودربرغ أن أحد أهم النتاجات الأدبية السويدية التي تقع في رأس قائمة القصص القصيرة في عدد قرائها قصة "الفراء" للأديب يالمر سودربرغ. هناك من الناس من لا يستطيع قراءة الفراء من دون أن تصيبه المرارة وتزعجه المأساة وتستفزه في تسلسلها منذ حدثها الأول حتى نقطة النهاية.
يالمر سودبرغ "1869- 1941" نشر عدة مجموعات للقصة القصيرة. اللغة في تلك القصص بسيطة وجميلة. جزء من قصصه مليء باللعب والمداعبة، لكن أكثرها يتحدث عن الحزن والوحدة والحب الفاشل. سودربرغ كان متشائما وسوداويا. كان يريد أن يقول في أعماله إن الناس بشكل عام لا يملكون ميلا للسعادة ولا يملكون الموهبة إليها. إنهم يحاولون فقط التشبث بتعاستهم. ويقول في واحد من كتبه : "جميل أن تكون عجوزا، أما أن تكون شابا فتلك لعنة".
في كتاب آخر نقرأ له هذا السطر الإطرائي " أنا أعتقد برغبة اللحم والعزلة العضال للنفس". الفقرة الأخيرة المقتبسة صارت شعارا ثابتا في رواياته الثلاث الكبار "شباب مارتين بيركس 1901، دكتور كلاس 1905، واللعبة الخطيرة 1912". في كل تلك الكتب لا يحظى الحب الطبيعي الناجح إلا بومضات قصيرة كيوم واحد قصير وسط الوحدات والخيبات والأيام الرمادية العادية. بين الكثير من السويديين ويالمر يقف في مقدمتهم واحدا من واصفي ستوكهولم. لقد وصف هذه المدينة خلال قرن كامل، مدينة منسجمة نقية عير متصنّعة قبل أن تمتليء بالسيارات والشاحنات والحافلات، وقبل زمن المحركات. وقتها كانت الخيول والعربات ماتزال تسير في الطرق والشوارع. والساحات مليئة بالبضائع والخلق الذين يتجولون بهدوء ومن دون عجلة كما يجري في أيامنا هذه. كانت نواقيس الكنائس يُسمع رنينها في كل مكان، وكان الناس يرون من بعيد مشاعل الجادات توقد أثناء الغروب، والمقاهي والمطاعم تمتليء بالرواد.
ومِن تَتَبُع لغة سودربرغ الناصعة مثل كريستال تتوصل مشاعرنا إلى صورة قريبة من سقوط النديف الثلجي بنعومة على الساحات والحدائق.
من المؤكد أن أبطال سودربرغ هم في الأغلب جوالون يعانون الوحدة في حياتهم. لكنه حين يصف المدينة يتيح للقاريء برهة من الدفء والعلاقات الإنسانية.
جاسم الولائي
السبت 24/5/2008