في السابع عشر من شهر آذار الفائت مضى 125 عاما على وفاة كارل ماركس، وفي الخامس من شهر أيار الجاري مضى أيضا 190 عاما على ولادته، فماركس من مواليد سنة 1883. ماركس غني جدا عن التعريف فهو المفكر العبقري والقائد الفذ للكادحين خلال عشرات السنين، وهو المناضل الصلب من أجل كل المستضعفين في الأرض، وإن عبقريته وقضيته الخالدة تتأكد أكثر فأكثر خلال هذا التاريخ الطويل حتى باعتراف أعدائه من المفكرين، بالرغم من كل التطورات والتغييرات التي حدثت وتحدث في العالم، فماركس وصديقه أنجلس، قد نبها إلى أن: «قوة مذهبهما تكمن في أنه ليس عقيدة جامدة، بل هو مرشد للعمل».
ماركس هو صاحب - نظرية القيمة الزائدة – التي تعتبر كما وصفها لينين حجر الزاوية في نظرية ماركس الاقتصادية، وهو الذي أكد أن (الرأسمالي لا يدفع للعامل قيمة عمله بل يدفع له فقط قيمة قوة عمله). وقال أيضا: (الصراع الطبقي يزداد بتراكم الرأسمال, ولذلك ينمو وعي العمال). كما أوضح: بأن (النظرية لا يمكن أن تستحوذ على الجماهير إلا إذا عكست حاجاتها الملحة ومصالحها الجذرية). كما أن ماركس أسهم في تأسيس الكثير من الأحزاب الشيوعية وفي وضع برامجها وتكتيكاتها، وأكد على أهمية وحدة الشيوعيين والاستقلالية أثناء التحالفات فقال: (ينبغي على حزب الطبقة العاملة أن يكون أكثر وحدة قدر الإمكان، وأكثر استقلالية قدر الإمكان). وكانت كلماته وأحاديثه وجيزةً محكمةً ومنطقيةً بصورة لا تلين، ولم يكن ينطق بأية كلمات زائدة أبدا، فكل جملة لديه فكرة، وكل جملة، حلقة لا غنى عنها في سلسلة الحجج.
وناضل بحزم من أجل نقاوة النظرية وتطويرها، ومن أجل وحدة النظرية والتطبيق، وكافح ضد التيارات الفوضوية المتطرفة .
أعار ماركس اهتماما كبيرا للشعوب المضطهدة كالهند، والجزائر، ومصر، وسوريا، وفلسطين، والجزيرة العربية، وغيرها، حتى أنه اهتم بالإضراب الطلابي الذي تم في مدينة حلب في منتصف القرن التاسع عشر. وهو الذي قال: (إن أمة تستعبد أمة أخرى لا يمكن أن تكون حرة). وأكد: (لست آسفا على أنني ضحيت بكل ما أملك من أجل النضال الثوري، بل العكس لو قدر لي إن أبدأ حياتي من جديد لقمت بالشيء نفسه).
كان ماركس معروفا بذكائه الخارق، وبصفاته الأخلاقية العالية، ويكره الغرور وحب التعالي والركض وراء المناصب العالية، ويعيش حياة عادية جدا ومتواضعة وغاية في البساطة، وكان يرى أن مهمته تكمن في خدمة الإنسانية بتفان، وقال: (إذا اخترنا المهنة، التي يمكننا أن نعمل في إطارها لمصلحة الإنسانية على أفضل وجه، فإننا لن نتعب تحت وطئها لأن ذلك سيكون بمثابة تضحية في سبيل الجميع، ولن تراودنا عندئذ مشاعر السعادة التافهة والضيقة والأنانية، بل إن سعادتنا ستكون للملايين). كما إن الهزائم التي كانت تصيب بعض الثورات أو الحركات في أيامه ككومونة باريس أو غيرها، لم تزعزع قناعته بصواب وعظمة تلك القضية التي كرس حياته لها.
وقال لينين: (إن عبقرية ماركس كلها تتجلى بالضبط في كونه أجاب عن الأسئلة التي طرحها الفكر الإنساني التقدمي في حينه، وكان مذهبه التتمة المباشرة والطبيعية لمذاهب ممثلي الفلسفة، والاقتصاد السياسي والاشتراكية).
وقال أنجلس في تأبينه لماركس:
سيعيش اسمه وتخلد قضيته على مر العصور.
عبد العزيز حسين
السبت 24/5/2008