آداب العالم: الكفن الرواندي



تقع روايات سكولاستيك موكاسونغا ضمن التيار الأدبيّ المسمى بكتابة ما بعد رواندا. وهي تنتمي الى إثنية التوتسي وتقيم في النورماندي الفرنسية. إنّها الناجية الوحيدة من 37 عضوا من أعضاء عائلتها المباشرة؛ وقد شهدت على يوميّات المجازر في رواندا حتى العام 1994 في مؤلّفٍ أوّل صدر لدى دار غاليمار عام 2006، تحت عنوان إنيانزي أو الصراصير. وإذا كانت هذه السيرة الذاتية قد هدفت الى تثبيت وقائع مراحل التطهير الاثني التي أفضت الى الإبادة الجماعية، فإن كتابها الثاني، "المرأة الحافية القدمين"، يشدّد على دور نساء التوتسي في المحافظة على النسيج الاجتماعي.

 

ستيفانيا، والدة المؤلفة والتي قتلت خلال عمليات الإبادة، هي الشخصية المركزيّة في الرواية. حولها انتظمت من جديد الحياة الاجتماعية للمهجّرين في قرية نياماتا في مقاطعة بوغيسيرا على تخوم رواندا وهي منطقة كانت ظروف الحياة فيها صعبة للغاية. حياة مطارَدة تتهاوى فيها ضحكات الأشقّاء تحت صوت أسطح الصفيح التي يحطّمها الجنود. هنا، كلام الرعب يجاور كلام طفولة يهدّئها وجود تلك التي تصرّ جاهدةً على المحافظة على تماسك المجموعة مهما كان الثمن. ثم هناك بورتريهات لنساءٍ أخريات مؤثّرات أو مضحكات تزيّن اللوحة: سوزان، حامية بكارة الفتيات المقبِلات على الزواج، وكلوديا، البنت بلا زوج، وكيليمادام التي تأتي بالخبز الى نياماتا. تمثّلن برلمان النساء وبداية النسيج الجماعي.

 

تعيد موكاسونغا بناء إفريقيا ورواندا التين تخصّانها. حياة القرية اليومية والهوس الدائم: وهو إنقاذ الأطفال. تتذكّر والدتها وهي تتنبّه للأصوات والإشارات، تكتشف المخابئ، تحفر تحت سريرها نفقا بسيطا لحماية احتمال الهرب. لكن مع تقدّم الرواية، تستعيد الحياة مسيرتها. كيف تبني ستيفانيا الـ"إنزو"، البيت الأصليّ حيث تنهل القوة والشجاعة. حارسة النار والتقاليد. وها هي تزرع السورغو "ملك الحقول" وتحتفل بعيد الحصاد بحسب طقوس الأجداد. وبينما تطلق تعزيماتها، يطلب الأب البركة؛ و تتجاور نباتات الطب التقليدي مع أغصان أحد الشعانين التي يباركها "الآباء الطيّبين". ندخل عالم البيض مع العماد؛ لكن الأمهات يقاومنَ وروايات الكتاب المقدّس تتوقّف حيث تبدأ الحكايات، هذه نقطة الانغراس. فهناك مصالحة مطلوبة بين مريم وريانغومبه، معلّم الأرواح: "يجب العناية بالسورغو(...) لا نعرف من سيثمر أولا". رعب الاضطهاد لا يطفئ الرغبة، وبقع الماء تتحول مرآة للجميلات. ستيفانيا معروفة بتدبير الزيجات، تقيّم الجمال بمعايير البقرة الملكية التي تستخدم الزبدة دواء لكل شيء. في هذه الرواية المركّبة، تقوم المؤلفة بوظيفة عالمة الإثنيات الدقيقة وكذلك بدور الحكواتية، التي تنطلق في حقل الخيال بفضل دمغة الشاعرية التي تنهلها من قواعد المشافهة. فرادة النصّ تأتي من لهجته المزدوجة هذه. فمن خلال الدقّة المعانِدة للناجي الذي لا يغفل أدنى تفصيل، وبالتالي أيّ طقس، ها هي تغطّي جسد أمّها الممدّد بكفنٍ من الكلمات، لتسدّد دينا عليها، فكما تقول "قيل لنا، أنّه لا يجب أن يرى أحد جثّة أمّه".


* المرأة الحافية القدمين، لسكولاستيك موكاسونغا، دار غاليمار، باريس، 2008، 144 صفحة، 13,90 يورو. LA FEMME AUX PIEDS NUS de Scholastique Mukasonga (Gallimard, coll. «Continents noirs », Paris, 2008, 144 pages, 13.90 euros)

ماري جويل روب
السبت 24/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع