جفرا والتراث والعودة..



 

 

 

 

 

 

 

جفرا ويا هالربع
  بتصيح وتنادي
غريبة ما لي حدا
  بدي ارجع ع بلادي
يا ربي تشتي الدنيا
  تا يحمل الوادي
واعمل من كتفي جسر
  واقطع البنيا
كلمات كنت ارددها وانا طفل صغير بين الخامسة والسابعة، لم اكن اعي معناها.. كنت ارددها كما رددها الكثير من الفتية والشباب الذين هم اكبر مني سنا، وكأنما يمنع عودة البنية او هذه الجفرا هو ذاك الوادي الذي اذا امتلأ بمياه المطر وفاض فقط، وليس غيره فكنا وبهذا التعبير نتحدى سيله الجارف ونعمل من اكتافنا جسورا كي تعبر حبيباتنا.
يوم السبت 19/4/2008 دعتنا مدرسة القسطل في حي الصفافرة – الناصرة، لحضور يوم الاجداد. يوم يتواصل فيه الماضي بالحاضر، يوم فيه نقارن وسائل التعليم مع ما سبق في ايامنا، حيث ظهر البون شاسعا وواضحا بيننا. فاليوم تطورت وسائل الايضاح بالاجهزة التقنية والعلمية.. والمباني الحديثة المزودة بكل وسائل الراحة للطالب والمعلم على السواء، وعلى الرغم من ذلك، مدارسنا في الماضي بكل بساطتها وامكانياتها المتواضعة كان لها دور كبير في تثقيف الاجيال، حيث تخرج منها الادباء والشعراء، والقادة، واساتذة العلم، ورجال القانون، ومن بين الذين لبوا دعوة المدرسة رجال لهم دور في المجتمع كالقاضي عبد الرحمن الزعبي والاستاذ محمد الصفدي المحاضر في جامعة حيفا والشاعر نقولا مرجية.
ومن فعاليات هذا اليوم: فقد قام طلاب وطالبات المدرسة ببعض الرقصات التراثية والدبكة الشعبية والغناء الشعبي، ومن بينها جفرا ويا هالربع التي اعادتنا معشر الشيوخ الى نحو ستين سنة خلت من عمرنا.
في عام 1948 سنة النكبة والتهجير وكنت يومها في الرابعة والنصف من عمري استقر بنا المقام كما الكثير من ابناء قريتنا صفورية، في قرية الرينة التي لا تبعد عن قريتنا اكثر من اربعة كيلومترات يشدنا الحنين كبارا وصغارا لبيوتنا واراضينا ومرابعنا التي هُجرنا عنها قسرا.
هذه الفعاليات اعادتني روحا وعقلا الى تلك الايام حيث كنت اغني مثل غيري:
جفرا ويا هالربع
  بتصيح وتنادي
غريبة ما لي حدا
  بدي ارجع ع بلادي
يا ربي تشتي الدنيا
  تا يحمل الوادي
واعمل من كتفي جسر
  واقطع البنيا
كنت اقول: "أأطع" استبدل القاف بالهمزة فتناديني جارتنا ام سليم حمدة الليبية وهي مواطنة من قرية الرينة تقول: "يا محمد كتافك صغار ما بغدروش يحملوا البنية وبعدين بنفعش تقول "أأطع" قول "اقطع" والا ناسي انك من صفورية والقاف تبعتكوا هالقدة (وتشير بيديها علامة الضخامة) ولوما بدي اقولك اكبر من قسطل بلدكو.." ومن يومها لم اعد اخطئ في نطق حرف القاف ابدا حتى ان احفادي الصغار جدا يحسنون النطق بالقاف على الرغم من سكن ولديّ في شفاعمرو المعروفة بنطق القاف همزة.
الجارة العمة ام سليم كانت امرأة طيبة ودودة وعلى الرغم من شقاوتي كانت تحبني كثيرا كأني احد ابنائها.. وكانت دائما تقول: "ان شاء الله يا محمد بترجعوا على بلدكوا وباجي ازوركوا وتطعمنا رمان مليسي وملوخية اللي شاربة من مية القسطل". فأقول: "ان شاء الله". وتقول والدتي: "بحسن دعاك".
ومرت سنين وسنين وشببنا على الطوق وكبرنا وتزوجنا وانجبنا اطفالا، وصار لنا احفاد وتوفي الوالد وتوفيت الجارة ام سليم وتوفيت الوالدة، وما زلنا نحلم ونفكر في العودة.. والعودة حق لا عودة عنه.. ولا حق لأحد ايا كان ان يُسقط هذا الحق.

(الناصرة)

محمد احمد بركة *
الأربعاء 21/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع