رصاص قاتل وجدار فاصل (في اللد)!


كان الشبان الثلاثة في مركز مدينة الرملة عند ساعات المساء المبكرة، عندما صدمتهم سيارة مدنية من الخلف واعترضت سيارة اخرى طريقهم بنفس الوقت، وقد خرج منها عدد من الشرطيين المتخفين بملابس مدنية، وقاموا باطلاق اربع رصاصات باتجاه زجاج السيارة الامامي...

محمود السعدي؛ الرصاصة التي سبقته الى الشمعة، فأطفأتها وأطفأته

تستذكر الجدة ،ام محمد، اخر ليلة قضتها العائلة مع ابنها محمود فتقول "والله اخذ مصروفه مني، قال لأبوه: العشاء عليك وعلي انا كعكة العيد".
 وبحسب الرواية فقد خرج محمود برفقة صديقيه عمار ابو سليمان وحبيب العاوور، مساء الاثنين 8.12 لشراء كعكة بمناسبة عيد ميلاد أخيه الصغير، عيسى، لكنه لم يعد الى البيت الا جثة هامدة..
"من وهو هلقد ربيته" تستأنف الجدة باسطة كف يدها المرتجفة "وكان يكبر يوما بيوم، وانا انتظر على نار حتى يكبر ويصير عريس، ولما صار، لما كبر وكبرنا نحن به، اختطفوه فجأة.. اختطفوه.." تنفجر باكية وتحمل حذاءه "هذا كل ما ظل لنا من ريحته الطيبه..من سنتين لم يشتر "أكبر تجار السموم في المنطقة" حذاء..ما أكذبهم..قتله الجبناء".
وتظل قصة قتل رجال الشرطة لمحمود السعدي غامضة تثير الكثير من الاسئلة والشكوك، فبحسب كل المعلومات المتوفرة حتى الان، كان الشبان الثلاثة في مركز مدينة الرملة عند ساعات المساء المبكرة، عندما صدمتهم سيارة مدنية من الخلف واعترضت سيارة اخرى طريقهم بنفس الوقت، وقد خرج منها عدد من الشرطيين المتخفين بملابس مدنية، وقاموا باطلاق اربع رصاصات باتجاه زجاج السيارة الامامي، فكانت احداها على الاقل قاتلة ،أودت بحياة الشاب محمود محمد السعدي.
الشرطة التي لم تصدر اي تقرير رسمي حول ملابسات الحادثة، بادعاء ان القضية لا زالت قيد البحث بأيدي قسم التحقيق مع رجال الشرطة "ماحش"، أعلنت على لسان أحد قادة محطة الرملة، ان رجالها كانوا بصدد "ملاحقة تجار المخدرات" واطلقوا الرصاص دفاعا عن النفس، الا ان مركز "عدالة" سيشكك بذلك مدعيا ان اطلاق الرصاص كان دون مبرر، وان محمود قتل بدم بارد..أكثر من مرة!!

القتل مرتين: بالدم البارد والتشويه الحاقد

اي غضب يتطاير من عيون امه الهزيلة كلما ذكر احدهم امامها الصحافة العبرية والتي سارعت الى تبرير الجريمة البوليسية بجريمة اعلامية بائسة، اثبتت من جديد مدى "استقلالية" هذا الاعلام و"نزاهته".
فبالرغم من رفض الشرطة الادلاء باي تصريحات رسمية، بررت معظم الصحف تصرف الشرطة بحجة "تنفيذ المهام"، كما تم تشويه اسم محمود وعائلته بالادعاء انه من أكبر تجار المخدرات في المنطقة وانه شكل خطرا على حياة الشرطيين، دون الاعتماد على اي مصدر امني موثوق، او النظر الى الماضي الجنائي، ان وجد،  لمحمود.
الجد، أبو محمد، يصر الا يفند هو تلك الادعاءات الكاذبة حول حفيده: "ليش تا تسمع مني تعال اسمعك الغربا شو رايهم بأكبر تجار السموم" ويصحبك معه الى المركز الجماهيري-الواحة الخضراء ، حيث تجري الاستعدادات في هذه الايام لتنظيم  دوري كرة قدم على اسم المرحوم محمود السعدي.
مدير المركز الجماهيري أمين الجمل يقول: "علمت محمود عندما كان في الصف الخامس وفي المرحلة الاعدادية وفي السنة السابقة ، خلال تعلمه موضوع "كهرباء السيارات" ، وقد كان نشيطا اجتماعيا ومقبولا على طلاب صفه ومعلميه". ويضيف ان مستقبلا رياضيا زاهرا كان ينتظر محمود لو كتب له ان يعيش ويلقى الدعم المعنوي والمادي اللازمين، وحول تنظيم دوري كرة القدم يقول "في الحقيقة لم تأت هذه المبادرة من ادارة المركز وانما من اصدقاء ومعارف محمود.. فقد كان لحادثة قتله أثر كبير على نفوسهم مما جعلنا نستجيب لمبادرتهم الحميمة هذه.."
وان كنت مصمما على ادراك اي قتل مزدوج بشع مر على محمود، تعال هنا الى ساحة المركز وخذ الانطباع الذي تشاء من زملائه وأصدقائه..

غرفة حموده: ألك ان تضبط العدسة؟

كل حياتها اليوم معتمدة على البكاء والقهوة، تستذكر ام محمود ابنها وتقول انه كان خيّالا أحب فرسه ورد كل الحب ، وعلى ما يبدو فهي ايضا احبته فماتت يوم جنازته بالضبط..
تقاطعها الجدة بصوت مبحوح "يعني الدابه مقدرتش ع فراقه، حتى الدابه أرحم من قلوبهم" وتصمت لتواصل الام "كان كهربائي سيارات، يعمل النهار بطوله من أجل خمسين شيكل يوميا وفي ساعات المساء كان يتعلم صنعته في اطار "تطوير الشبيبة"، لأنه أحب مهنته وأراد ان يتقنها، كان يحب ان يتعلم كل شيء.." تقول. " كان هو زلمة الدار، ابوه مريض ولا يقوى على العمل وانا أعمل في تنظيف البيوت، كان دائما يعطيني أجرته لأشتري له ولأخوته ما يلزم.. كان قنوعا ومستعدا ان يجوع من أجل أخوته، وقد صمم دائما ان يعلم أخته زينب مهنة محترمة.. لكنهم قتلوه..سرقه أولاد الحرام مني.." 
وبتأثّر من التنكيل به بعد قتله، تقول بحركة سريعة ساخرة ومؤثرة " لم لا تصور غرفة أكبر تجار المخدرات في اللد وأخطرهم؟ ..صورها، صور الاسرّة الاربعة المتلاصقة. كان ابن السابعة عشر ينام هو واخته الاكبر منه واخواه الصغيران في غرفة واحده، الأسرة متلاصقة.. وبيِّن في الصورة رجل سريره، فقد كسرت واستبدلناها بالحجارة" تدخل الغرفة منفجرة في البكاء والولولة، تقول أشياء أخرى انت لا تفهمها، لكنك تعلم ان واجبك الان سحب الكاميرا والتصوير..
تحاول، تفشل بالتدقيق، يصفعك الصوت الداخلي: " ألك ان تضبط عدسة الكاميرا وعيونك ملأى بالدموع؟!".

عمّار ، ليت الذاكرة تخونه!!

ها هي محاولات مرافقتك، حورية السعدي- عمة المغدور وموظفة في مكتب شتيل- تتكلل وأخيرا بملاقاة عمار أبو سليمان، والذي رافق محمود حتى اخر نفس.
تقابله في بيت أعز صديق اليه، بيت محمود المكون من أربع غرف صغيرة، تأوي تسعة أشخاص .
عمار في الواحدة والعشرين من عمره، يعمل في تجليس السيارات، يعقد حاجبيه عائدا  بذاكرته الى ليله الحادث بصعوبة ، هو بلا شك يتمنى النسيان لكن المحققين والصحافيين لا يسمحون له بذلك على ما يبدو .
"لم انتبه الى اي شيء غير عادي، كنا نسير بشكل طبيعي وفجأة صدمتنا سيارة من الخلف واحتجزت الطريق أمامنا سيارة أخرى.. لا أذكر الا اطلاق الرصاصة الاولى او ربما الثانية باتجاه السيارة ،لا أذكر متى ولا كيف قام احدهم بكسر زجاج السيارة حيث كنت أجلس في المقعد الخلفي خلف مرافق السائق، وتلقيت ضربة بكعب المسدس على رأسي، فأصبت بغيبوبة".
لم يصح من غيبوبته الا في ساعات الصباح الباكر من يوم الثلاثاء،" استفقت فوجدت يدي وأقدامي مكبلة، شعرت بالام حادة في رأسي فطلبت من الشرطي عصبة لايقاف الدم في راسي الا انه قرر ان لا حاجة.. وبذلك أنتهى الامر".
هل علمت وقتها ان محمود قد أصيب؟ 
"في الحقيقة لا، حتى انني لم أسأل عن احد، لم أتذكر احدا.."
في الليلة نفسها اخذوا عمار الى التحقيق، وقد استمر عشرة أيام، خمسة منها في معتقل رحوفوت والخمسة الاخرى في اللد.
عمّا كان التركيز في التحقيق معك؟!
في التحقيق الاول ، اخبروني انهم وجدوا سلاحا في السيارة، فقلت لهم انني لم اعلم عن ذلك الا منهم، ولا علاقة لي بالسلاح، ثم بعد دقائق سألوني من اين اعلم عن وجود السلاح، فقلت انني علمت عن طريقهم فقط.. هذه المحاولة بان يخبروني شيئا ثم يسألوني عن مصدر معرفتي به تكررت مرات عديدة.."
يقول انه تمكن من اثبات براءته امام المحكمة، بفضل ما في حوزته من مستندات ووصولات تثبت انه على مدار سنوات كان مخلصا بعمله ولم يسجل اي مخالفة تذكر..
"وهيك كان محمود، الا قلي مع مين بتمشي تا قلك انت مين.. بعدين يا عمي والله الولد راح عونطة" يقول الجد ويضع النقاط على الحروف "اصلا السلاح موجود مع 95% من أهل اللد وكله بلا رخص.. مين زرعه بينا على امل ان نقتل نحن العرب بعضنا البعض؟ اي والله لو البوليس معني بخمس دقائق بقضي على كل هذه الاسلحه. بس يا عمي بدش.. مش مصلحته هاي.." ويغط في صمت عنيف..
وكيف صحتك اليوم؟
عمار: "أعاني دائما من صداع في الراس والام غريبة، تشتد خاصة عند الليل، فمحمود كان افضل اصدقائي ، كنا "نخّيل" معا ونقضي اجمل الاوقات، ولكنه اول واحد يتركنا مع انه كان اصغرنا عمرا."
لن تسأل عمار أكثر فما عاد يستطيع ان يعقد حاجبيه ليعتصر الذاكرة أكثر. الجدة تقدم الطعام ووالد محود يتذكر ان هذه أول وجبه يأكلها عمار في بيتهم دون محمود.. ويغرق في البكاء
**
"وصدق أبي حين ينظر في صورتي باكيا:
كيف بدلت أدوارنا ،يا بني،
وسرت أمامي؟
أنا أولاُ
وأنا أولاُ!"
محمود درويش
**

عدالة تتابع وتشكك

من اليوم الاول للحادثة ، أخذت عدالة على نفسها مهمة ملاحقة القتلة، تشخيصهم وتقديمهم الى المحاكمة، وفي حديث مع المحامي مروان دلال قال ان التقرير الطبي الذي اصدره مستشفى اساف هروفيه يدلل على ان محمود قتل برصاصتين ، احداهما في يمين الراس والثانية في يسار الصدر، ويؤكد ان مواقع الاصابات دليل هام على نية القتل.
ولكن الشرطة تدعي بوجود اسلحة في سيارة محمود؟
"حبيب ،الذي كان برفقة محمود في السيارة متهم الان بحسب لائحة الاتهام التي قدمتها الشرطة بحيازة قطعة سلاح، كما ذكر بجملة عابرة ان قطعة اخرى كانت بحوزة محمود.. ومن المهم الانتباه الى ان الادعاء بحيازة السلاح لا يعني انهم استخدموه أو حتى رفعوه مما يؤكد بالضرورة ان اطلاق الرصاص كان زائدا، فحياة رجال الشرطة بحسب ادعاءات الشرطة لم تكن مهددة بالخطر."
كما يوضح دلال فان هذه الحقائق ستصعب على الشرطة تبرير تصرفات رجالها ويقول ان التجارب السابقة مع "ماحش" تجعله يشكك بمصداقية التحقيق مع رجال الشرطة وان كان لا يملك ادلة لهذا التشكيك..
ولكن ماذا حول تقرير أبو كبير؟
"تقرير أبو كبير يعد وسيلة اساسية لتشخيص القتلة، اذ انه بحسب التقرير الطبي للمستشفى فان الرصاصتين استقرتا في جثة محمود مما يعني ان بوسع المعهد ان يستخرجهما وبذلك نستدل الى نوع الرصاص والى المسدس الذي اطلقتا منه وبالتالي نشخص القاتل، ونحن اليوم بصدد مطالبة "ماحش" باعطائنا نسخة عن ذالك التقرير الهام جدا.. والذي سيثبت ايضا عن اي بعد تم اطلاق الرصاص".
من حديث دلال ، يمكن الاستنتاج ان تشخيص القتلة امر سهل ان لم تكن هنالك محاولات لاخفاء بعض الحقائق وتلفيق التهم وتفصيل الاكاذيب، وعلى ما يبدو فان الامكانية الاخيرة واردة.. وبقوة!

"عاش محمود" رقصت الجدران هاتفة!!

محمود ليس وحيدا. انه انعكاس عنيف وصادق لأوضاع العرب في مدينة اللد، فالخيارات امامهم محدودة ، بعدما تجرأوا -على ما يبدو- على تهديد الخطر الديمغرافي في تلك المدينة..
فأنت في اللد ان لم تدهس عجلات القطار لحمك ودمك..عش لا بأس، ولكن لا تطمع أكثر من اللزوم. وإنحنِ لتظل في غيتوات حقيرة بائسة، تنقصها الخدمات الاساسية كالمجاري والكهرباء والشوارع.. اقبع في الجيتوات لتنهش لحمك بكل بلادة السموم والاسلحة غير المرخصة، فقد زرعت كل تلك الاغام من أجلك، لتفر من الموت الى موت.. ولكن لا تزعجنا بمشاهد همجية غير حضارية ، عش كما تريد، اما نحن فحضارة لا تحتمل تلك المشاهد،لا بأس اذن من نصب الجدران العنصرية العازلة ، لعزل "هجوييم" بعيدا. ولتكن تلك الجدران تماثيل مخلدة لجدران لن توقفها المحاكم بعدما عششت في رؤوس اصحاب القرار والسيادة.. 
تلك الجدران المعششة غنت راقصة عند مقتل محمود "عاش محمود عربيا جيدا..عاش!"

"اللد أفضل من تل أبيب ورمات جان .."

في الطريق الى حي بيارة الشنير، للوقوف على اخر تطورات بناء الجدار بين الحي وموشاف نير تسفي، وبينما تشق الطرق الوعرة الضيقة، تتوقف انت ومرافقوك في بوابة كراج ضخم. يستقبلكم بكل بشاشة صاحب المكان صبحي شعبان، تثيره فكرة "الصحافة" وتشجعه لكنه يبدو مرتبكا امام المواد الهائلة التي على اي تقرير حول اللد ان يشملها، ففي اللد اليوم ما يفوق الـ 22000 مواطن عربي يشكلون حوالي خمس سكان المدينة ،وذلك بعد ان لم يبق فيها أكثر من ألف فلسطيني جراء النكبة وتهجير حوالي 40000 من أبنائها.
صبحي شعبان يستصعب ايجاد تسمية للمنطقة التي يعيش فيها ويقول انها منطقة غير معترف بها من بلدية اللد، وذلك بحجة البناء غير المرخص، لكنه يفضل تسميتها بحي الشعبان ويقول ان هذا الحي ورغم قيام سكانه بدفع الضرائب لبلدية اللد، لا يحظى بأي خدمة من أي نوع كان:
"الشارع اهل الحي شقوه، والكهربا منمدها من بعض وطبعا لا في شبكة مجاري ولا.. والسكة، لو بتهددش حياة اليهود هون كان خلوها بلا حاجز مثل الوضع في حي المحطة وغيره ".
وبوعي سياسي حقيقي، يتطرق صبحي الى افة المخدرات ويذكر كيف فاجأه مرة باص مصفح، يستقله عدد من أعضاء الكنيست: "اتصلت بواحد من معارفي في البلدية وسألته عن القصة وقال لي انه هاي الجولة بهدف الاطلاع عن قرب على البناء غير المرخص في المدينه .. وقتها نرفزت وقلتله يا رجل مهو في في المنطقه 25 محطة مخدرات، كلها مرخصة وبس كراجي مش مرخص واجو يصوروه.. وجاوبني انه بالنسبة لهذه الناس وجود المحطات باللد أفضل من وجودها في تل ابيب أو بيتح تكفا"..
يقولها دونما انفعال وكأنما اعتاد الوضع.. يدلنا الى الطرق المؤدية الى حي شنير. نتوجه اليه.

الجدار وفضح المعادلة

يقع حي بيارة الشنير في الجانب الغربي من مدينة اللد، ويسكن فيه حوالي 3000 عربي من سكان المدينة، ويعاني هذا الحي من ضائقة سكنية صعبة كما يفتقر الى البنى التحتية البسيطة ، بسبب اهمال بلدية اللد وكافة السلطات المسؤولة لاحتياجات السكان الاساسية.
وبحسب ما قدمه المحامي هشام شبايطة من مستندات ومعلومات باسم ابناء الحي، يتضح ان فكرة اقامة جدار فاصل بين حي بيارة شنير العربي وموشاف نير تسفي قد طرحت منذ تموز 2001 ، ضمن خطة قد وضعتها الحكومة "لمعالجة ضائقة الشرائح الضعيفة ، ومن ضمنها الوسط العربي في اللد"، وبحسب هذه الخطة سيتم بناء جدار يمتد على حوالي كيلو متر ونصف، بارتفاع اربعة امتار ويمنع اي اتصال بين الحي والموشاف..
"طبعا، هم يقولون انهم جاءوا لاصلاح الوضع في اللد، لكن ما تقوم به الحكومة ورئيسها شارون هو افتعال المشاكل وليس حلها، هم يبحثون عن الاساءة الى المواطنين العرب، وبالنسبة لهم هذه أفضل خدمة للد." يقول عضو البلدية وابن الحي، عارف محارب.

هنالك جدار عازل للصوت ولكن.. أين الصوت؟!

بحسب المحامي هشام شبايطة يستدل ان ما يفصل حاليا بين بنايات الحي والموشاف هو أراض مزروعة شاسعة تتبع للموشاف، اضافة الى شارع ضيق يستخدمه سكان حي بيارة شنير كمدخل لحيهم، وبحسب الخطة الحكومية سيتم توسيع هذا الشارع، وقد اشترطت لجنة الموشاف الموافقة على توسيع الشارع وابقاء اجزاء منه على اراضيها ببناء جدار عازل للصوت.
وهنا يرفض عارف محارب هذا الاشتراط ويعتبره فوقيا ونتاجا لانهيار قيمي وأخلاقي ويوضح ان اهالي الحي لم يطالبوا أصلا بشق الشارع على اراضي الموشاف، كما يؤكد ان الحديث عن جدار عازل للصوت بمثل تلك المنطقة القروية الهادئة يعتبر كذبة بشعة، اذ تمر عبر هذا الشارع بالمعدل 4 سيارات فقط في الساعة، ويزيد بسؤال استنكاري "ثم لنفترض ان هنالك حاجة حقا الى جدار عازل للصوت ، من اذن احق به، سكان حي شنير الذين تمتد بناياتهم حتى طرف الشارع تماما على بعد سنتمترات قليلة من السيارات العابرة ، أم مواطنو نير تسفي الذين تبعد بيوتهم عن الشارع بمئات المترات؟"
لكنهم يدعون انهم يعانون من ظاهرة السرقات وانتشار السموم؟
"هم اذن توقفوا عن كذبتهم الاولى وما عادوا يستخدمون مصطلح "الجدار العازلة للصوت"، وبدأوا بالحديث علانية عن فصل عنصري بيننا وبينهم.. يتحدثون اليوم عن جدار عازل للصوص والسرقات لكنني ارفض محاولة الاثبات بانه لا يوجد لدينا لصوص، فهذه مجرد حجة ولن يتصعبوا ايجاد حجج جديدة، بكل تجرد من القيم الانسانية ".
وبخصوص المخدرات يجاهر عارف بان هناك 8 محطات على الاقل تعمل في الحي ليل نهار، وبأنها معروفة لدى الشرطة لكنها لا تحرك ساكنا، كما يدعي ان معظم زبائن هذه المحطات من خارج الحي ومن سكان نير تسفي نفسها .
يشدد: "نحن لسنا مساكين، وعلى الرغم مما نعانيه من تمييز ، فإنني اتحدى ان يتفوق الاخرون علينا باي مجال كان، فنحن نمتلك المناعة الاخلاقية والحضارية، وأنا متأكد من ان هذه السياسة ستنقلب على مروجيها ليدفعوا الثمن غاليا".
من المهم الاشارة الى ان البناء بالجدار قد بوشر ولا أحد يتحدث عن شق الشارع!!

انجازات قضائية هامة

يوضح محارب ان جهود اهالي الحي لمناهضة الجدار منصبة حاليا على الصعيد القضائي.
وبحسب قرار الحكومة فان مسؤولية متابعة تنفيذ البناء ملقاة على مسؤولية وزارتي البناء والسكن والمواصلات، بينما البناء نفسه من مسؤولية المجلس الاقليمي "عيمك لود" ، وقد تم بناء حوالي 100 متر منه.
من ناحيته يقول محارب ان المحكمة المركزية في تل أبيب قد أوقفت العمل في الجدار في تاريخ 9.11 وذلك حتى اصدار رخصة سارية المفعول للبناء، اذ اعتمدت المحكمة في قرارها على ادعاء أبناء الحي، وقد اوضحوا ان لجنة نير تسفي أصدرت ترخيصا للقيام ببناء الجدار من اللجنة المحلية للبناء والتنظيم بدلا من اللجنة اللوائية وذلك خلافا للقانون.
وماذا عن موقف البلدية؟
"بلدية اللد التي من المفروض ان تقف الى جانب مواطنيها تنكرت لنا بشدة ، فقد ووجه اقتراحي في احدى جلسات المجلس البلدي لاتخاذ قرار معارض لاقامة الجدار، بمعارضة تامة ولم يصوت الى جانب الاقتراح أحد غيري".
وما هي الافاق القضائية التي ترونها؟!
"بموازاة الرخصة غير القانونية ، تبادر اللجنة الى اصدار اخرى قانونية عن طريق اللجنة اللوائية.. ولكننا ومن خلال البحث والتدقيق في المستندات والاوراق قد انتبهنا الى حقيقة أساسية وهي ان بلدية اللد هي التي تقدمت بطلب اصدار الرخصة، ونعتقد انه من غير الطبيعي او القانوني " ان تصدر سلطة رخصة للبناء خارج منطقة نفوذها، وعلى هذه القضية سنركز في الجلسات القادمة للمحكمة.."

الجدار من فرعون الى اللد فأفلاطون

من الطرف الاخر من الجدار يتسنى لك مقابلة سيدة عنات ميجد، من سكان نير تسفي، وواحدة من القلائل المعارضين لبناء الجدار، تقول: " انا ايضا كمواطنة في نير تسفي اعاني مرة كل بضعة اشهر من تسلل اللصوص الى بيتي، ويعاني ابنائي من اصوات الرصاص بين الحين والاخر، لكننا لا نجد الحماية الكاملة من الشرطة، ففي كل مرة تدعي الشرطة انها لا تستطيع السيطرة على الاوضاع في الاحياء العربية في اللد".
من برأيك المسؤول عن ذلك؟
"ادعاء الشرطة غير مفهوم، والدولة طبعا هي المسؤولة عن عدم تمكن الشرطة من القيام بواجبها".
تنظر رينات الى بناء الجدار بمنظار أوسع وتعتقد انه من الخطر جدا ان يقوم المواطنون بالتسليم بعجز دولتهم وبأخذ القانون الى ايديهم ومعالجة مشاكلهم المصيرية بانفسهم..
في حديثهم  حمّل بعض الاهالي العرب الحكومة وسياساتها المسؤولية!
من الواضح ان ابناء شنير العرب يعانون من المخدرات واللصوص بنفس درجة معاناتنا، وكنت اتمنى ان نقوم نحن في الموشاف بتقديم العون لهم، كوننا الحلقة الاقوى، لكن خطوة بناء الجدار هي حقا ليست الحل، هي خطوة غير عادلة تقضي بانعزال خطير ومرفوض من الناحية الاجتماعية وكل النواحي الاخرى.."
من حديثها الجريء معك تستوضح حقيقة تعامل الشرطة والمؤسسات المختلفة مع ابناء اللد العرب على انهم مشكلة امنية وديمغرافية معا، تسجل اذن ان الامل كبير بان توقف المحكمة وبشكل نهائي اقامة هذا الجدار، ولكنها حتما لن تتمكن من هدم الجدران العنصرية المعششة في أدمغة سادة العنصرية والاحتلال والتمييز، ولن يسعك التمييز بين من يريد عزل قرية فرعون واخواتها في المناطق الفلسطينية، وبين من يطمح الى احتجاز "حي الشنير" وان كان باهداف "سامية" كالتخلص من عناصر الشر لتحقيق حلم افلاطون ببناء مدينته الفاضلة.. ولكن بمَ سيجيب اولئك ابناءهم حين يسألونهم ذات يوم " بابا بابا ماذا  يوجد خلف الجدار؟!!"
وقتها لن يتمكنوا من اخفاء الحقيقة أكثر بأن "خلف كل مدينة فاضلة جيتو".. 

السطر الاخير..تميزا عن القصص البوليسية!!

اخر نهار مضن في اللد، تحاول ترتيب كل الاوراق التي سجلتها وتلك التي حصلت عليها، الى جانب ما لا نهاية له من التعليقات والافكار..لا تعرف كيف تبدأ. أول الكتابة خربشة. تجد نفسك ثانية مستهترا بكل مصطلحات الحياد والموضوعية. يحتك القلم بالورق. ينطلق توفيق زياد ماردا "ابدا من السطر الاخير واكتب اننا بالصوت المجلجل.. 

"كأننا عشرون مستحيل. في اللد والرملة والجليل".

نقطة."


تقرير:أمجد شبيطة
الجمعة 2/1/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع