توافـق عـربي «طـارئ» يسـحب الـ 14 إلـى الدوحـة
* بري والحريري يرحبان ... والسنيورة يعتبرها خطوة جيدة ... و«القوات» تتحفظ * أول اتصال سياسي بين جنبلاط و«حزب الله» ... وسليمان لعون: «يدي بيدك لنبني الدولة» *السفير - ... وفي الذكرى الستين لنكبة فلسطين، والتي كان شعبها، في النتف من أرضها الممزقة، كما في ديار الشتات، يتوحد برفع الراية والصرخة، كان لبنان، يتجه نحو استعادة وحدته في وجه من يريدون له أن يتحول بلدا للتقاتل وصولا الى النكبة... واذا بالعرب الذين «اكتشفوا» متأخرين، فداحة ما أودى اليه انسحابهم من «القضية الأم»، يسعون مبكرين، ومشكورين، الى المبادرة، فيتلقفها اللبنانيون، بكل اتجاهاتهم، حماية للبلد الذي كان وما يزال يشكل علامة فارقة، في محيطه، بتنوعه وتعدديته ومقاومته وليبراليته التي جعلته يتسع لجميع أبنائه، مهما اختلفوا وتصارعوا وتباعدوا، لأنهم كانوا وسيظلون محكومين بخيار التعايش معا. واذا كان «أول الغيث قطر... ثم ينهمر»... فان الذاهبين من أركان الحوار، الى الدوحة اليوم، يحملون في ايديهم مسؤولية وطنية كبرى، ومن حولهم مناخات دولية واقليمية تشي ببداية الانفراج الداخلي وربما العربي العربي، وبالتحديد المثلث السوري السعودي المصري، من دون التوغل في ترسيم الأبعاد الدولية لما حصل في لبنان والذي لخّصه رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، بعبارة «ربّ ضارة نافعة». وعلى مسافة 19 ساعة من قرار الحكومة القاضي بالتراجع عن القرارين اللذين فجرا الأزمة الأخيرة في الشارع، قررت المعارضة اللبنانية انهاء كل مظاهر الاحتجاج، تحت عنوان اعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل أحداث الخامس من أيار، وخاصة فتح مطار بيروت ومرفئها والطرق الحيوية في العاصمة. وجاء قرار المعارضة في أعقاب اعلان رئيس الوزراء القطري من فندق «الفينيسيا» عن الاتفاق الذي توصلت اليه اللجنة الوزارية العربية بعد سلسلة لقاءات عقدتها مع جميع القيادات السياسية اللبنانية، وكانت قد أفضت فجر أمس، الى مسودة مكتوبة من صفحتين وسبعة بنود، تبين لاحقا أن هناك تحفظات على بعض الصياغات فيها وكذلك على ترتيب فقراتها ما استوجب عملية تفاوض وأخذ ورد بين المعارضة والموالاة من خلال اللجنة العربية، دامت حوالى الست ساعات، وأبلغ في نهايتها المسؤول القطري قرارا حاسما من اللجنة باعتماد صياغة نهائية، اما أن يقبل بها جميع الأطراف أو أن يرفضها من يريد رفضها، ما أدى الى وضع الجميع أمام مسؤولياتهم، وبالتالي الموافقة عليها. وعدا عن الاعتراضين اللذين أدلى بهما العماد ميشال عون، وخاصة لجهة عدم تسمية قائد الجيش العماد ميشال سليمان مرشحا توافقيا لرئاسة الجمهورية في نص الاتفاق واقتراحه تشكيل حكومة طوارئ انتقالية الخ..، فان ملاحظات الآخرين تمحورت حول ترتيب البنود ولا سيما ما يتعلق بالبند الخامس(كان الثالث) الذي تم تأخيره بعد أن كان يحتل المرتبة الثالثة، فضلا عن تعديلات شملت صياغات محددة ومنها عدم تسمية «حزب الله» بالاسم كما طالب بذلك بعض فريق الموالاة، بالاضافة الى رسم حدود للحوار وموضوعاته وبالتالي متى يتم استكماله برئاسة رئيس الجمهورية (العماد سليمان) فور انتخابه، وحيث سيرفع الاعتصام من وسط العاصمة مع التوصل الى اتفاق حول موضوعي النسب في حكومة الوحدة الوطنية والتقسيمات للقانون الانتخابي. وقضى الاتفاق بالانهاء الفوري للمظاهر المسلحة وصولا الى عودة الحياة الطبيعية وتولي الجيش مسؤولية الحفاظ على الأمن والسلم الأهلي. ونص الاتفاق على «الموافقة على استئناف الحوار الوطني على مستوى القيادات، والعمل على بناء الثقة بين الفرقاء، وذلك وفق جدول الاعمال الآتي: حكومة الوحدة الوطنية، قانون الانتخابات الجديد، على ان يتوج الاتفاق بانهاء الاعتصام في وسط بيروت، عشية انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية. وبموجب الاتفاق «تتعهد الاطراف بالامتناع عن او العودة الى استخدام السلاح او العنف بهدف تحقيق مكاسب سياسية» ويتم «اطلاق الحوار حول تعزيز سلطات الدولة اللبنانية على جميع اراضيها وعلاقاتها مع مختلف التنظيمات على الساحة اللبنانية، بما يضمن امن الدولة والمواطنين. ويطلق هذا الحوار في الدوحة ويستكمل برئاسة رئيس الجمهورية فور انتخابه، بمشاركة الجامعة العربية. وتوقع رئيس الوزراء القطري انتخاب رئيس الجمهورية خلال ايام وقال ان السعودية تؤيد الاتفاق ولن تفشله. وقال ان هناك تعهدا بعدم العودة الى لغة السلاح، فيما قال عمرو موسى لـ»السفير» انه لم يعد من السهل تراجع اي طرف لبناني عن الاتفاق الذي يشكل فرصة حقيقية لمنع انزلاق لبنان نحو المجهول. وفور اعلان الاتفاق، تم انهاء كل مظاهر «العصيان المدني» للمعارضة، وخاصة فتح الطرق والمطار والمرفأ، فيما كانت أطراف الحوار تعد العدة للتوجه اليوم، الى الدوحة، حيث ستنطلق أعمال مؤتمر الحوار برئاسة أمير قطر وحضور أعضاء اللجنة الوزارية العربية. وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم لـ»السفير» ان سوريا تدعم الاتفاق وكل الجهد العربي الذي بذل، وقد تكون هذه الخطوة فرصة حقيقية لانقاذ لبنان من المخاطر الذي تتهدده. واشار الى أنه أجرى اتصــالين بكل من رئيس الوزراء القطري والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وهنأهما على الانجاز العربي. وردا على سؤال حول تشكيك البعض بموقف سوريا، قال المعلم «قطعا نحن مع المبادرة ونراها فرصة حقيقية وقد نصحنا اللجنة الوزارية العربية بأن لا تترك اللبنانيين الا عندما تراهم متفقين، كما نصحنا باقفال الطريق على المداخلات الدولية التي يمكن أن تؤثر سلبا». وامل المعلم ان يتكلل حوار الدوحة بالتوصل إلى نتائج تعيد الأمور الى نصابها وكل ما من شأنه أن يحقق استقرار لبنان وأمنه ويحفظ وحدته. وقال السفير السعودي عبد العزيز خوجة لـ«السفير» إن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل كان على اتصال مستمر بالشيخ حمد وبعمرو موسى وبعدد من القيادات اللبنانية، وقال إن اللجنة الوزارية تشكلت في اجتماع القاهرة الذي عقد بدعوة من الرياض والقاهرة وقد شجعنا منذ البداية جميع الأطراف على التجاوب مع الاقتراحات من أجل التوافق وهمنا هو انقاذ لبنان لأن اللبنانيين قد تعبوا كثيرا ومن حقهم أن يرتاحوا وأن يعيشوا بأمـان. وفي القاهرة، رحب وزير الخارجية المصري أحمد ابو الغيط بما تم التوصل اليه، وقال مصدر دبلوماسي مصري لـ«السفير» إن الرئيس المصري حسني مبارك والوزير أبو الغيط «ظلا على تواصل دائم مع اللجنة الوزارية العربية ومع عدد كبير من القيادات اللبنانية وقد لعب السفير المصري في بيروت دورا مهما في تقريب وجهات النظر وتبادل الأفكار والاقتراحات وكنا دائما على مسافة واحدة من الجميع ونعمل بهاجس تشجيع الجميع على تقديم تنازلات لمصلحة بلدهم وعلى قاعدة لا غالب ولا مغلوب، مع قناعتنا الراسخة بأن الانفراج في الوضع اللبناني سينعكس إيجابا على صعيد العلاقــات العــربية ـ الـعربية». ردود الفعل المحلية محليا، رحب الرئيس بري بالاتفاق وقال لـ«السفير» إنه يشكل خطوة جيدة ولكن تبقى الأمور بخواتيمها... وعندما سئل اذا كان متفائلا أجاب «ان شاء الله فالأجواء جيدة وسنسعى جهدنا للوصول الى حل لمصحة كل اللبنانيين. وعندما سئل عما اذا كانت جلسات الحوار ستكون مفتوحة أجاب إن ذلك رهن بما سيحصل في الدوحة، آملا بالتوصل الى حل سريع وبعد ذلك ننزل الى بيروت وننتخب رئيس الجمهورية الذي سيتولى هو شخصيا ترؤس جلسات الحوار الوطني. ورحب «حزب الله» بالاتفاق بلسان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد وقال لـ«السفير» إننا لا نذهب الى الدوحة لكي نعود مختلفين بل بنوايا صادقة وجدية للتوصل الى حل. وفيما لم يصدر أي موقف رسمي مرحب عن العماد ميشال عون، قال عضو كتلته النائب ابراهيم كنعان، إننا نأمل التوصل الى نتيجة ايجابية. وعلم أن عون تشاور هاتفيا حول مضمون الاتفاق مع الرئيس بري وقيادة «حزب الله»، فيما تلقى اتصالا من قائد الجيش العماد ميشال سليمان الذي شكره على موقفه لجهة تراجعه عن مطالب بينها موضوع حكومة الطوارىء الانتقالية وعدم ذكر اسم المرشح التوافقي لرئاسة الجمهورية. وختم سليمان اتصاله بالقول لعون «يدي بيدك من أجل أن نبني الدولة». على صعيد قوى الموالاة، قالت أوساط رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لـ«السفير» ان ما جرى خطوة جيدة وقد فتح باب الجلوس مجددا الى طاولة الحوار وربما أدى استشعار الكل بالخطر، الى هذه الصيغة التي تعكس النجاح الأفضل للكل. ووصفت أوساط رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري الاتفاق بأنه جيد جدا، وقالت لـ«السفير» إننا بما أنجز قد حققنا أمرين ايجابيين أولهما الحصول على ضمانة عربية خطية بأن ما حصل في العاصمة لن يتكرر (استخدام السلاح والعنف) وثانيهما الاصرار على خوض حوار وطني مسؤول حول أمن الدولة والمواطن. أضافت أوساط الحريري «لا تستهونوا ما حصل في الساعات الأخيرة ونحن نذهب بكل انفتاح نحو التسوية وإيجاد المخارج السياسية». ورحب رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بما تم التوصل اليه، وقال لـ«السفير» إن المطلوب من الجميع أن يسعوا بكل إمكاناتهم من أجل إنجاح الاتفاق. وقالت أوساط جنبلاط لـ«السفير» إنه حصل اتصال بينه وبين مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» الحاج وفيق صفا، ليل أمس الأول، وهو الاتصال الأول من نوعه بينه وبين قيادي في الحزب منذ فترة طويلة وبجهد لافت للانتباه بذله طرف ثالث، وأضافت أن جنبلاط شدد على استمرار التواصل وفتح قنوات الحوار، وأشارت الى أن جنبلاط خاطب صفا قائلا «في كل عمري كنت أقاتل بشرف وأسالم بشرف». وتم التشديد من قبل جنبلاط خلال الاتصال بينه وبين صفا على استعداده وجديته في العمل على رجوع الحكومة عن قراريها الأخيرين «هذه الليلة (ليل أمس الأول) لأن من شان ذلك ان يريح الأجـواء ويهــدئ النفـوس». ومن المقرر أن يجول النائب جنبلاط اليوم في منطقة عاليه وفي الشويفات حيث سيقدم التعازي لعائلات الضحايا الحزبيين والمدنيين ويتحدث للأهالي داعيا الى نبذ الأحقاد والتعالي عن الجراح واعتماد لغة التهدئة والعمل من أجل انجاز المصالحة في المنطقة التي شهدت الأحداث الأخيرة. ورحب الرئيس أمين الجميل بالاتفاق، فيما حذر مصدر في «القوات اللبنانية» من «اتفاق قاهرة جديد» وقال لـ«السفير» إننا أصبحــنا الآن أمام مفاعيل معركة ســياسية لا نعرف كيف تنتـهي مشــيرا الــى أن إدراج بند الســلاح هـو مكــسب للأكثرية. باريس وبرلين ترحبان... أما واشنطن فلا موقف دوليا، رحبت كل من فرنسا والمانيا بالاتــفاق، فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية شون ماكورماك، ردا على سؤال حول الاتفــاق، «إن كلمة الاتفاق تعــني أن كل الأطراف وافقت علــيه، ونحــن لن نتساءل حول أي أمر قامت به حكومة لبنان في هذه القضية مع حزب الله». وعما إذا كانت الولايات المتحدة تعتبر أن تحرك السنيورة غير مرض، قال ماكورماك «لان الجلوس هنا في واشنطن مع نوع من الارتياح لديموقراطيتنا، والاطمئنان على حقوقنا وحرياتنا، لا اعتقد انه من المناسب التساؤل بشأن أولئك الذين يتخذون القرارات التي ستحدد فعليا مستقبل الديموقراطية في لبنان وما اذا كانت (الديموقراطية) ستبقى لتـناضل يوما اخر واسبوعا اخر وشهرا اخر وعاما اخر، ام لا». واضاف «لبنان لن يحل مشكلاته الضخمة، خاصة تلك المتعلقة بالنظام السياسي، في غضون اسبوع او جلسة مناقشات واحدة»، مشيرا الى ان من واجب الولايات المتحدة الوقوف الى جانب الحكومة الديموقراطية. وبرغم انه اعتبر ان لبنان حالة خاصة، اشار ماكورماك الى مقاربة الرئيس جورج بوش حول نحن وهم. وقال «من المفيد التحدث حول هذا الامر بوضوح، كيف ان هناك خطوطا مشرقة والتركيز على تلك الخطوط المشرقة بين طرف وآخر، في الخط الفاصل في الشرق الاوسط». الجمعة 16/5/2008 |