بدأ الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش برفقة زوجته وطاقم امني سياسي كبير زيارته الى اسرائيل يوم امس الاول، الرابع عشر من ايار الحالي، كمحطة اولى في جولة منطقية، يزور من خلالها ويلتقي مع الرئيس حسني مبارك في مصر وبحضور الملك الاردني عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وينهي جولته في السعودية بلقاء مع رموز نظامها، ولا نعلم بعد اذا كانت السحّيجة من انظمة الخليج ستشارك بوش في السعودية "برقصة" السيوف وهز البطون احتفاء "بحامي حمى العروبة والاسلام من اخوان الشياطين"!!
برأينا ان جولة جورج دبليو بوش الحالية تندرج في اطار محاولة "رد الروح" الى استراتيجية البلطجة العدوانية الامريكية للهيمنة في المنطقة التي تتقطع انفاسها وباتجاه لفظ انفاس فشلها في العراق والمناطق الفلسطينية المحتلة ولبنان وسوريا وايران. ولم يكن من وليد الصدفة ان تكون اسرائيل المحطة الاولى في اطار جولة بوش الى المنطقة، والمحطة الاخيرة قبل نزوله عن عرش الرئاسة الامريكية في "البيت الابيض" في كانون الثاني من مطلع السنة القادمة. لقد علق رفيق لي خفيف الظل على لقاء بوش – اولمرت بقوله سيلتقي "المتعوس مع خايب الرجا" فكل منهما سيحاول استثمار هذه الزيارة واللقاء لرفع اسهمه المنهارة! فحقيقة هي ان اسرائيل الرسمية الحليف الاستراتيجي الاساسي للامبريالية الامريكية ومخفرها الامامي وذراعها الضاربة في اطار سياسة الهيمنة العدوانية التي ينتهجها محور الشر الامريكي – الاسرائيلي في المنطقة. والهدف المعلن امريكيا من وراء زيارة بوش الى اسرائيل هو المشاركة في احتفال اسرائيل بمرور ستين سنة على قيامها واستقلالها على اطلال مآسي النكبة الفلسطينية الكارثية وتحويل الشعب العربي الفلسطيني من خلال اكبر جريمة تطهير عرقي تمت في القرن العشرين الى شعب من اللاجئين في المنافي القسرية خارج حدود وطنه وحرمانه من حقه الوطني الشرعي والمسنود بقرارات الشرعية الدولية بالتحرر والاستقلال الوطني في اطار دولة سيادية. والحقيقة التي لا ينكرها كبار المسؤولين من الاوساط السلطوية الصهيونية الحاكمة ومن خارجها ان الرئيس جورج دبليو بوش، نظام المحافظين الجدد في "البيت الابيض"، قدم اكثر من غيره من الرؤساء والانظمة الحاكمة في الولايات المتحدة الامريكية، اكبر مساعدة استراتيجية سياسية ودبلوماسية وعسكرية واقتصادية الى العدوانية الاسرائيلية، مساعدة وصلت الى درجة التنسيق الاستراتيجي في اطار محور الشر الامريكي – الاسرائيلي وفي ممارسة عولمة ارهاب الدولة الامريكية والاسرائيلية المنظم ضد شعوب المنطقة، وخاصة ضد الشعوب العربية الفلسطينية والعراقية واللبنانية وغيرها. وبوش يحاول ان "يقبض الثمن" او بعض الثمن من حلفائه المجرمين في اسرائيل، وهو يحاول اولا تجنيد تأييد اسرائيلي صهيوني وعلى مختلف المستويات للتأثير على الصوت الانتخابي اليهودي في الولايات المتحدة وتجنيد الاصوات اليهودية لدعم حزب بوش الجمهوري المنهارة اسهمه في انتخابات الرئاسة وفي مجلسي النواب والشيوخ (الكونغرس) الامريكي. بوش سيحاول من خلال محادثاته مع المسؤولين الاسرائيليين استثمار حقيقة ان ادارة بوش ساهمت بدور كبير في خلط اوراق جوهر الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني وتسويقه عالميا بشكل تضليلي وكأنه صراع بين "الارهاب الفلسطيني" وبين الامن الاسرائيلي، بين التطرف الارهابي الاصولي الاسلامي الفلسطيني والايراني واللبناني وبين "الاعتدال" في الصف العربي والاسرائيلي الرسمي، استثمار حقيقة الاسهام الامريكي الى جانب اسرائيل في زرع بذور الفرقة والفتنة والصراع في الصف الوطني الفلسطيني والعربي، استثمار كل ذلك لاحداث زحزحة هامشية في الموقف الرفضي الاسرائيلي، زحزحة توحي ولو للدعاية الكاذبة عن امل موعود في آخر النفق المظلم. وبوش يدرك جيدا ان أي تقدم على ساحة التفاوض الاسرائيلي – الفلسطيني يساعد على دفع عجلة المشروع الاستراتيجي الامريكي للهيمنة في المنطقة والذي يواجه العديد من النكسات والضربات. فاستقبالا لجولة بوش الحالية للمنطقة وعشية قدومه تلقت ارانبه المدجنة امريكيا من قوى الموالاة السلطوية او مجموعة 14 آذار ضربة موجعة من قوى المقاومة اللبنانية اخمدت انفاس ودفنت المؤامرة التي حيكت في دهاليز التنسيق الامريكي – الرجعي اللبناني وبتواطؤ بعض الانظمة العربية الساجدة في المحراب الامريكي ولا تغيب اسرائيل العدوان عن هذه الصورة. مؤامرة استهدفت تجريد المقاومة اللبنانية، تحالف قوى المعارضة، وخاصة حزب الله من اسلحتها النضالية، من شبكة اتصالاتها وقواتها المسلحة لترجيح كفة الصراع للقوى العميلة لمشروع الهيمنة الامريكية في لبنان والمنطقة. بوش حضر الى المنطقة في وقت تواصل فيه المقاومة العراقية تصعيد كفاحها المسلح والسلمي لحفر قبر الغزاة المحتلين الامريكيين وحلفائهم الذين يرتكبون اكبر جريمة بحق الانسانية في القرن الواحد والعشرين على ارض ما بين النهرين العراقية، فقد تعدى عدد القتلى، خاصة من المدنيين العراقيين، اكثر من مليون ونصف مليون قتيل وحوالي مليون مشوه من ذوي العاهات الدائمة، وحوالي خمسة ملايين لاجئ عراقي قسري خارج وداخل العراق. والتجاذبات في الموقف من العراق بين المحتل الامريكي والنظام الايراني، ومحاولة المصالحة بين قوات دمى المحتل الامريكي في حكومة المالكي وانصار النظام الايراني في العراق امثال مليشيا قوات مقتدى الصدر لن تغير من واقع مواصلة تصاعد المقاومة العراقية حتى التخلص من دنس المحتل وضمان استقلال العراق بوحدته الوطنية ووحدة اراضيه الاقليمية. بوش يزور اسرائيل في وقت لا يزال الدم ينزف من شرايين النكبة الفلسطينية بعد ستين سنة من فتح هذا الجرح الاليم، يزور بوش اسرائيل بعد حوالي ستة اشهر من انتهاء مؤتمر انابوليس الذي دعا اليه والذي انتهى الى الاعلان عن تفاهمات وبدء مفاوضات اسرائيلية – فلسطينية ترعاها امريكا بهدف التوصل الى حل نهائي دائم حتى نهاية العام الفين وثمانية وحسب رؤية بوش باقامة دولتين متجاورتين فلسطين بجانب اسرائيل! ومضت ستة اشهر ولم يجر أي تقدم في أي قضية من قضايا الحقوق الوطنية الفلسطينية على طاولة المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية. بل العكس فقد لجأ المحتل الاسرائيلي بشكل بلطجي عدواني عربيد بدفن أي امل او اية مبادرة للتسوية العادلة وذلك من خلال فرض سياسة الامر الواقع الكولونيالية التي تصادر عمليا المكونات الاساسية، المركبات الاساسية لثوابت الهوية الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف. فبشكل استفزازي جنوني صعدت من النشاط الاستيطاني خاصة في القدس الشرقية وضواحيها بهدف اكمال المشروع الصهيوني لتهويدها وضمها في اية تسوية سياسية لاسرائيل. كما واصلت بناء جدار الضم والعزل العنصري لجعل الحدود السياسية النهائية لاسرائيل الذي يشمل داخله الكتل الاستيطانية الكبيرة وغور الاردن اضافة الى القدس الشرقية. واذا اخذنا بالاعتبار الرفض الاسرائيلي المطلق لحق اللاجئين بالعودة فماذا يبقى او يتبقى من رؤية بوش لدولة فلسطينية، قابلة للحياة. واذا اضفنا الى كل ذلك جرائم ومجازر العقوبات الجماعية التي يمارسها المحتل في المناطق المحتلة، فرض الحصار الاقتصادي والتجويعي على مليون ونصف مليون فلسطيني في قطاع غزة وارتكاب المجازر و"المحرقة" والملاحقات والاعتقالات في الضفة والقطاع، فعن أي سلام يتحدث اعداء السلام العادل.
ورغم ان بوش في طريقه الى اسرائيل صرح بانه لا يحمل اية مبادرة سلمية جديدة وانه لن يضغط على حكومة اولمرت، ولكنه يتمسك برؤيته حول الدولتين، رغم ادعاءات بوش هذه فاننا لم نتوهم ابدا ان بوش واداراته يحمل في جعبته حلا عادلا ينصف الحق الفلسطيني الوطني المشروع، ولكننا نعتقد ان بوش وبالتنسيق مع حكومة اولمرت – براك – ليفني سيضغط باتجاه تحقيق انجاز حتى لو كان جزئيا ويتعلق باحدى الثوابت الشرعية الفلسطينية، مثل الاتفاق على الحدود في اطار "عملية تبادلية" للاراضي، والاتفاق على "اطار مبادئ تفاوضية" فيما بعد لا تلزم الطرف الاسرائيلي بشيء، وان يحمل بوش "رأس كليب" هذا الانجاز لنقله الى الرئيس المصري حسني مبارك ومن سيكون معه في شرم الشيخ المصرية من الملك الاردني والرئيس الفلسطيني ولا اعلم ان كان الرئيس القطري او رئيس حكومة لبنان سيشارك في "المنسف الرئاسي". فهذا الانجاز المخصي والعاقر على الساحة الاسرائيلية – الفلسطينية سيستغله بوش لتوثيق عرى تحالف الانظمة العربية "المعتدلة" والمدجنة امريكيا في الصراع الوهمي مع ايران وسوريا وحركات المقاومة تحت يافطة محاربة الارهاب واهمية التطبيع مع اسرائيل. كما سيستثمر بوش هذه الورقة "الفلسطينية" في محادثاته مع النظام السعودي باعتباره امريكيا احد ركائز الصراع "السنّي" ضد ايران وضد حزب الله في لبنان وضد النظام السوري حليف ايران ومن اجل مواصلة نهب النفط السعودي والضغط لتخفيض سعره وزيادة انتاجه.
اذا كانت هذه هي حالة المتعوس الامريكي المتمثل ببوش ونظامه الاجرامي فان حالة "خائب الرجا" الاسرائيلي اتعس واكثر مأساوية. فمن جهة فشلت السلطة الاسرائيلية، الرئاسة والحكومة، في جعل الاحتفال بستين سنة على قيام اسرائيل يوم تضامن عالمي واحتفالا عالميا امميا ترافقه "اوركسترا" المنظمة الصهيونية العالمية ومشاركة الرئيس بوش شخصيا. "فمؤتمر الرؤساء" الذي دعا اليه الرئيس شمعون بيرس لم يجذب للمشاركة سوى رؤساء ومسؤولين من دول انظمتها مدجنة امريكيا واسرائيليا – صهيونيا، ودول لا "تستهدي" على موقعها في الخارطة حتى بالمجهر مثل "بوركينا فاسو" و"بلاو" ورواندا وبولونيا وسلوفانيا واوغندا، ولم تشارك أي من الدول الكبرى الاوروبية. كما لم يذكر اسم أي دولة عربية مشاركة. وقد ارادت السلطة الاسرائيلية بهذا المؤتمر اثبات انها ليست في عزلة دولية، ولكن الواقع كان عكس ذلك، فحقيقة هي انه رغم مرور ستين سنة على قيام اسرائيل الا انه لم يخمد خلال الستين سنة الصراع الاسرائيلي – العربي. فلا استقلال حقيقي لاسرائيل ما دام الشعب العربي الفلسطيني محروم من حقه الوطني في الاستقلال والدولة. فمقابل احتفال اسرائيل التعيس باستقلالها احيا الفلسطينيون في اسرائيل وفي اوروبا والبلدان العربية وفي مختلف مواطن اللجوء القسري الذكرى السنوية الـ 60 للنكبة واداء القسم بمواصلة المشوار حتى انجاز حق العودة.
اما بالنسبة لرئيس الحكومة ايهود اولمرت فانه "خائب الرجا" بامتياز، مصيره كرئيس حكومة يتأرجح على كف عفريت. فتهم الفساد وتلقي الرشى تلاحقه، والتهمة الاخيرة بتلقي الاموال، الرشوة من مليونير امريكي لم ينكرها، واذا ثبتت التهمة فالمرجح ان يستقيل او يقال باتفاق من رئاسة الحكومة، وترجح بعض الاوساط ان تخلف تسيبي ليفني اولمرت في رئاسة الحكومة او الذهاب الى انتخابات مبكرة. وفي استطلاع للرأي العام نشرته صحيفة "يديعوت احرونوت" فان تسعة وخمسين في المئة ممن شملهم الاستطلاع يطالبون اولمرت بالاستقالة. ويحاول اولمرت "النفاد بريشه" ومواجهة قضايا فساده باستغلال الورقة الفلسطينية والادلاء بتصريحات توحي انه احدث تطورا جديا على طاولة المفاوضات مع الطرف الفلسطيني، وانه حدث تقدم في التفاوض حول قضية الحدود وان الامل معقود على عقد اتفاق اطار مبادئ مع السلطة الفلسطينية!! ولكن الواقع على الارض وما يرتكبه الاحتلال من جرائم وحصار في غزة والضفة ينسف ادعاءات اولمرت السلمية. ولعل الشروط التعجيزية التي تضعها حكومة اولمرت – براك في قضية الهدنة التي اتفقت عليها الفصائل الفلسطينية تعكس الموقف الاسرائيلي المعادي للتهدئة وللتسوية. فاشتراط اطلاق سراح الاسير الاسرائيلي شاليط وان يحفظ الامن المصري عدم نقل وتسريب السلاح من مصر الى قطاع غزة لا يعني سوى عرقلة أي اتفاق للهدنة.
وفي نهاية المطاف فإننا غير متفائلين ولا ننتظر خيرا من لقاء المتعوس بوش مع خائبي الرجا في اسرائيل.
د. احمد سعد
الجمعة 16/5/2008