تحل هذه الايام الذكرى الستون لنكبة شعبنا والمجازر والمحارق التي ارتكبت بحقه، والتي صادفت ايام نيسان مثل مجزرة دير ياسين، ومجزرة اللجون ومجزرة قالونيا قرب القدس ومجزرة قرية ناصر الدين قرب طبريا ومجزرة حيفا وفيها قُتل الكثير من ابناء شعبنا، عدا المئات من الجرحى، وهناك الكثيرون من معاصري النكبة التي ما زالت اذهانهم حافلة بالذكريات الاليمة والمشاعر الجياشة الحزينة والقاسية. هذه المجازر التي اقترفها الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني كردة فعل للمحرقة التي وقعت لليهود في الحرب العالمية الثانية خلال فترة حكم هتلر لألمانيا قبل خمس وستين سنة فدفع فاتورتها الشعب الفلسطيني دون ذنب او اثم اقترفه. هذه المجازر التي اقترفها الصهاينة بدم بارد بحق الرجال والنساء والاطفال ففاضت المقابر الجماعية التي دُفن فيها الموتى، وشرد الآلاف من بلادهم وقراهم ومدنهم. ولا تزال الرواية الاسرائيلية الكاذبة والتي حظيتْ بغطاء دولي واسع تنفي تلك المذابح والمجازر التي ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني لتغطي على جرائمها وتدعي بان الفلسطينيين هاجروا من بلادهم بمحض ارادتهم، بناء على اتفاق مسبق مع الحكومات والقيادات العربية التي طلبت من المواطنين اخلاء بلدانهم ليفتحوا المجال لجيوشهم كي تقضي على الاسرائيليين. وطبعا هدف اسرائيل تشتيت الذاكرة الجماعية لشعبنا وتزييف التاريخ والوعي حسبما تتطلب مصالحها ومآربها. بينما هناك مفكرون وباحثون اسرائيليون جدد يصدرون كتبهم ويؤكدون ان برنامج ومخطط التهجير والترانسفير كان معدا سلفا ومخططا له مع سبق الاصرار. مثل آفي شليم، توم سيغف، ايلان بابي وغيرهم. وهذا صحيح ويرتكز على الحقائق والوقائع التاريخية المثبتة لاغتصاب فلسطين حسب وعد بلفور سنة 1917 اولا وضمانات بوش سنة 2004 ورسائله التي تضمن لاسرائيل كل فلسطين ضاربا عرض الحائط بحق العودة والقرارات الشرعية الدولية في قرار الامم المتحدة رقم 194 والذي فيه وعد بلفور المشؤوم ووعد بوش المأفون بحرمان اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في المنافي ويفوق عددهم الستة ملايين من حق العودة لديارهم الذين تركوها قسرا وظلما. وفي الوقت الذي ما زال جرح النكبة نازفا يستعد الشعب اليهودي هذه الايام للاحتفال بالذكرى الستين لتأسيس واستقلال دولته على تراب وارض فلسطين وتخليد ذكرى المحرقة التي وقعت لهم ابان الحكم النازي. ويأتي هذا الاحتلال في ظلال النكبة وعلى حسابها. ما اصعبها من معادلة احتفال ونكبة هذا الاحتلال في ميازين العدل. فها هي اسرائيل تعد العدة للاحتفال بالذكرى الستين لاقامة الدولة واقامة الكرنفالات والاستعراضات العسكرية ولسان حالها يقول بأننا سوف لا نتعرض لمحارق وكوارث اخرى بل نحن الذين نعمل المحارق والمذابح ويتجلى ذلك بالتهديد والوعيد الذي يصدر من افواه قادتها ووزرائها مثل متان فلنائي الذي هدد بمحرقة للشعب الفلسطيني هذا ما صرح به نائب وزير الدفاع وكذلك بطولات تسيبي ليفني وبنيامين بن اليعزر اللذين يهددان بازالة بلدان عن الخارطة ونفيها عن الوجود. هذا الاستقواء والعنجهية والتهديد والوعيد يشير بشكل جلي لا يقبل التأويل الى الرؤيا المستقبلية وطبيعة المرحلة القادمة وما تحمله جعبة الايام في المستقبل، ويبدو جليا بان محرقة اليهود ما خلقت سوى الرغبة في الهيمنة والاستقواء والاستعمار لدى اسرائيل التي تعطيها شعورا بالانتقام لاشباع رغبات كامنة في ان تجعل فلسطين وشعبها الشماعة التي تعلق عليها مصائبها بالرغم من ان الفلسطينيين ليسوا السبب في محرقتهم.
أولم يقم الاحتلال بمحرقة في غزة وناهيك عن سفك الدماء والقتل والاغتيالات للابرياء الذين ذنبهم الوحيد انهم يدافعون عن انفسهم من براثن الاحتلال وجرائمه دون ان نسمع أي ادانة لهذا النهج والممارسات القمعية التي اصبحت هواية بالنسبة لهم بل يحظون بالدعم والامداد والمباركة العمياء والغطاء الدولي لجرائم الاحتلال، ضاربين عرض الحائط بالقرارات الشرعية الدولية للشعب الفلسطيني بان يكون له كيان مستقل ويعيش عيشة كريمة اسوة بباقي شعوب العالم. وحق العودة هو اهم الثوابت الشرعية والمبادئ الاساسية للدولة الفلسطينية العتيدة ومن غير حق العودة يبقى السلام كالزئبق بعيد المنال وحلما طالما اسرائيل لا تقبل بتسوية قضية اللاجئين.
قد يكون من السهل نقل وتهجير الانسان من وطنه ولكن ليس سهلا نقل وطنه منه. فاذا ترك الانسان وطنه قسرا وظلما فان قلبه ينوب عنه فيها فلا يغادر سوى الجسد اما الروح فتبقى قابعة في كل زاوية فيه. لذلك فإصرارنا لا يقبل المساومة على حق عودة اللاجئين مع اصرارنا على ان يعترف الجلاد بالنكبة والمجازر التي اقترفها بدم بارد. لأننا قادرون على الصمود، والارادة والعزيمة بلم الشمل في دولة فلسطينية وعاصمتها القدس العربية ان شاء الله. لأنه من غير المعقول ان تكتمل عملية السلام دون تطبيق القرارات الشرعية يا سادة وللتذكير فقط بان وعد بلفون كان في ظل غير شرعي ووعد بوش ايضا غير شرعي وانما من منطلق حب عذري للحسناء اسرائيل وغير ذلك لا يجوز فالله شاهد والتاريخ رابض ولا تعرفون ماذا يخبئ في جوفه فلا تدعوا التاريخ يثور غاضبا للحق، عندها لا يستطيع احد ايقافه مهما كان فلا ينفع جبروت ولا قوة ولا امريكا ولا بوش ولا رايس ولا هيلاري التي صباح ومساء كل يوم تذكرنا عبر الشاشات الملونة مقدار حبها لاسرائيل والويل لمن يمس شعرة من رأسها، فهي تمحوه عن الخارطة ويدفع الثمن غاليا. نيّاله اللي إلو بخْت يا عمي!!
ولكن لا بأس فهذا ما كتب الله علينا فاحتفلوا باستقلالكم ولكن لا تغتاظوا بان نستذكر نكبتنا، ونرويها لأولادنا واحفادنا فلكم استقلالكم ولنا نكبتنا فافرحوا ولكن لا تنسوا بان الزمن دوار ولا احد يعرف ماذا تخبئ الاقدار!! ولمن الدور القادم بالاحتفال والاستقلال والترانسفير والنكبات فدوام الحال من المحال. وكل نكبة وانتم...
(كفر كنا)
فتحية مقاري – خطيب *
الخميس 15/5/2008