بدعوة مشتركة من جمعية"ابداع"- رابطة الفنانين التشكيليين العرب ووزارة العلوم والثقافة والرياضة ومجلس كفرياسيف المحلي، تمّ افتتاح معرض لوحات الفنان الشاعر د. سليم مخولي ابن كفر ياسيف تحت عنوان "بلدي كفر ياسيف" الذي يجسّد فيه من خلال ريشته معالم قريته العريقة ببيوتها ومواقعها الأثرية وذلك بشكل خلاّب يبعث الحنين في قلوب ابناء وبنات القرية خاصةً وكل محبي وعاشقي التراث العربي القديم عامةً، لا سيما وأن عمل الفنان الدكتور سليم مخولي هذا هو بمثابة توثيق لأصالة العمران العريق لكفرياسيف والقرية العربية في بلادنا بصورة عامة.
ولقد لمست من خلال مشاهدتي ومعاينتي لهذه الرسومات واللوحات الأنيقة العمق الفني الذي يمتاز به الدكتور مخولي، ورهافة الحس التي تطغى على ريشته، كيف لا وهو الشاعر المبدع الذي لا ينفك عن مداعبة الكلمات في شعره كما يداعب الألوان في رسوماته، فالفن لديه اتقان وطريقة صحيحة لصنع الأشياء، فهو ككل فنان أصيل يغمس فرشاته في روحه، ويرسم طبيعته الخاصة في رسومه، فكيف يكون الامر اذا كان هذا الفنان يستقي الأفكار للوحاته من عراقة بلدته ومسقط رأسه حيث عاش طفولته وصباه وشبابه، وعايش ذلك الزمان الجميل البسيط لكفر ياسيف، فكانت كفر ياسيف ملهما له في هذه الرسومات كي يصور ذلك الواقع العمراني والاجتماعي لتاريخ كفر ياسيف بكل جمالياته وذكرياتهِ رغم كل ما طرأ على المجتمع الحديث من تطور وبنيان جديد يكاد يمحو بحداثته تلك الحقبة التاريخية المميزة للقرية العربية التي كانت تعكس الأصالة والعراقة والتقدم العمراني في تلك الأيام الغابرة.
وهكذا، فان هذا العمل الفني للدكتور مخولي يؤكد الفكرة بأن كل شيء ينقضي، ولكن الفن يبقى لنا أبداً. فالفن يرقص في الشعر، ويجن في الالوان ويحلم في الرسوم، وكل رسم رُسم بعاطفةً واحساس هو رسم للفنان لا للنموذج القابع امامه. وبالتالي فان الفن في تعداد نواحي جماله يسحر دائما، فكم بالحري اذا كان يعكس البيئة التي تجلب هذا الفن.
ان تلك اللوحات في معرض الدكتور سليم مخولي عن بلدته كفر ياسيف هي أجمل مرآة، بل هي تحفة فنية يتأمل فيها الفنان عظمة وفرادة فنه لأن الفن ليس اكثر من ظل الانسانية، وغاية الفنان المتناهية هنا ان يثير فينا احساسات غير متناهية.
ان الفن الحي يتجلى في هذه الرسومات عن كفر ياسيف لأن الفن الحي هو الذي لا يكتفي بإعادة الماضي، بل يكلّمه. ومن يتأمل هذه اللوحات يستعيد في مخيلته قدرة انسان الماضي على الابتكار في مجالات الحياة عامةً والعمرانية خاصةً مما يجعلنا نشعر بالروح البناءة الأصيلة للآباء والأجداد الذين حرصوا على توفير مقومات الحياة الكريمة لعائلاتهم ومجتمعهم مع بساطة العيش آنذاك وسؤدد الكرامة في اوساط الخاصة والعامة على حد سواء.
وتبدو في لوحات الدكتور سليم مخولي هذه، روعة الطبيعة الريفية في كفر ياسيف التي تؤطّر وتصور التركيبة الريفية الطبيعية للقرية العربية في البلاد حيث جاءت هذه الرسومات مع واقعيتها كانفعال للفنان الذي يشعر بعمق انتمائه لهذا الوجود الريفي المتميز بالأصالة والتجذر في الأرض، بكل ما تحمله هذه المعاني من ابعاد نفسية تستحوذ على الفنان الرسام الموهوب.
وأخيرا، يمكن القول بأنه من المتعة بمكان ان يقوم كل شخص يشعر بالانتماء الى هذه الارض الطيبة وهذا المجتمع المتجذر فيها، بزيارة هذا المعرض الراقي الثري باللوحات الفنية، والذي يقام في صالة العرض للفنون" جالري ابداع" بجانب المركز الثقافي البلدي في كفر ياسيف كي يسترجع ما هو محفور في عمق ذاكرة الكبار، وكي يذكر الناشئة والشباب بماضي هؤلاء الكبار وبأسلوب عيشهم وحياتهم في تلك الفترة لان هذه الفروع والاغصان نبتت من جذع شجرة لن تموت ابداً في أرضٍ خصبة ترعاها الأجيال القادمة.
فللفنان الشاعر الدكتور سليم مخولي أجمل التهاني بمعرضهِ الفاخر هذا، وأطيب التمنيات له بالصحة والعمر المديد ودوام التوفيق والابداع.
(كفر ياسيف)
د. منير توما *
الخميس 15/5/2008