يؤلمني جدا ان يكون بيننا هذا الفرق الجذري والشاسع جدا في المواقف من اكثر القضايا جوهرية، لم يكن الامر كذلك بالضبط قبل عقود من السنين، بالرغم من ان الخلافات في وجهات النظر كانت قائمة دائما، لكن ليس بهذا التقاطب. وانا اعتز ان موقفي انا لم يتغير، بل زادته الايام صلابة ومبدئية. العدو الاساسي للبنان بكل طيفه السياسي والاجتماعي محصور في الامبريالية وخاصة الامريكية منها، وفي صنيعة هذه الامبريالية، الصهيونية الممثلة بحكام اسرائيل، هل هذا الامر بحاجة الى اثباتات وبراهين!! مما قبل نيوجرسي بكثير وحتى اليوم، واليوم بشكل خاص، ناهيك عن الاجتياحات الاسرائيلية الاجرامية المتعاقبة للبنان، من البر والبحر والجو. والشعب اللبناني اظهر بطولات خارقة في التصدي لهذا العدوان، هذا الشعب وبالرغم من امكاناته المحدودة، وبالرغم من كل المنغصات والإرث الاستعماري والاحتلالي البغيض، الا ان هذا الشعب الصغير العظيم كالأمل به تماما، اثبت قدرة خارقة في لملمة الجراح وبناء المستقبل على اساس الوحدة والاستقلال والكرامة الوطنية. ويبدو لي اكثر من أي وقت مضى ان الكرامة الوطنية والانسانية هي من امضى الاسلحة في مواجهة العدوان، واذا كانت هي نقطة الانطلاق وخاصة في لبنان وظروفه وتجربته واستهدافه والتآمر عليه، فسيكون المسار صحيحا. وليس هنالك اية حاجة لاستعمال المثل القائل: اهل مكة ادرى بشعابها، فهنا لا توجد متاهات ولا شعاب، الامور واضحة جدا، والمواقف واضحة جدا. لشعوبنا وأمتنا العربية تجربة غنية متراكمة ان القوى الثلاث التي احدثت النكبة ولا تزال، هي هي اليوم، وهي الامبريالية والصهيونية ورجعية المنطقة، واليوم يظهر ذلك بوقاحة واضحة، ومقياس الوطنية الحقة هو في مدى معاداة هذا المحور الاجرامي الشرير حتى وإن تفاوتت الادوار. ويعز علي وعلى الكثيرين غيري من كل القوى التقدمية في وطني وفي الشرق الاوسط والعالم، ان نسمع ابواق الامبريالية الامريكية والصهيونية ان احد عناوينهم في لبنان هو السيد وليد جنبلاط، وكلنا امل ان يكون ذلك كذبا منهم، ولك الدور الوحيد في الرد على هذا القول، بالقول والممارسة، معتمدين ايضا على المواقف الشامخة للمعلم كمال جنبلاط في لبنان والمنطقة والعالم. كان انسانا كبيرا، كبيرا بلبنانيته، كبيرا بعروبته، كبيرا بإنسانيته، فانظر أي حيز هائل من الاحترام تكن له الانسانية. وأريد ان اذكركم ان عملاء السلطة عندنا من الدروز هجموا على المشاركين في احياء ذكرى المعلم كمال جنبلاط في الكرمل، حيث تخطط نفس السلطة الغاشمة لسلبهم البقية الباقية من ارضهم. وأذكرك ان الخط الذي انتمي اليه باعتزاز، خط الحزب الشيوعي الاممي، والجبهة الدمقراطية وأحد مركباتها لجنة المبادرة العربية الدرزية هو الصوت الاول والوحيد يومها الذي ناضل ولا يزال ضد التجنيد العسكري الاجباري على الشبان العرب الدروز، وضد مصادرة الارض وتزييف تراثنا الاصيل، والتلاعب بمقدساتنا وبانتمائنا الى شعبنا العربي الفلسطيني البطل. لست من اتباع النظام الايراني، ولكني متضامن الى اقصى حد مع ايران ضد المخطط العدواني الامريكي الاسرائيلي ضدها. ولم اكن من اتباع نظام صدام حسين في العراق، لكن كل التقدير للمقاومة الشعبية العراقية ضد المحتل الامريكي المجرم، ولست عضوا في المقاومة اللبنانية، ولكن كل التقدير لهذه المقاومة دفاعا عن لبنان وحريته واستقلاله وكرامته. لا افهم التلويح بالخطر الايراني السوري القادم كما يقول البعض، ولكن ماذا مع الخطر القائم؟ الامريكي والاسرائيلي، هذا هو المحك، هذا هو الخطر الحقيقي الموجود امام نظر كل العالم، وباعتراف امريكي وقح الى اقصى حد. كل التقدير لسوريا التي تتصدى للمخطط الامريكي، فهي من الدول العربية القليلة الباقية، وكل الحق مع سوريا في نضالها من اجل استرجاع الجولان السوري المحتل. انا لست عضوا في حزب البعث العربي الاشتراكي كما تعلم، ولكن المقارنة بين سوريا وايران من جهة، والامبريالية الامريكية وحكام اسرائيل من جهة اخرى امر لا يقبله العقل السليم ويناقض الحقيقة تماما. رأينا في اغتيال السيد رفيق الحريري جريمة نكراء، ولنا مصداقية في ذلك، هل توجد لأمريكا مصداقية في التنديد بذلك وركوب هذه الموجة؟؟ فهي اليوم اكبر مجرم في الكرة الارضية، ترى اصابعها الدموية في فلسطين ولبنان والعراق وافغانستان والسودان والصومال وامريكا اللاتينية وغيرها الكثير. سابقا كان بيننا اتصال هاتفي واحد، واليوم يصعب ذلك، فارتأيت كتابة هذه الكلمات ولبنان يتعرض الى خطر جدي ليس على اساس طائفي ولا مذهبي، بل هنالك صراع بين خط موال لأمريكا وسياستها المجرمة وخط مناهض لها. هذه هي الحقيقة التي لا لبس فيها، ولا يمكن الجرّ فيها الى متاهات، وكلنا امل وثقة ان الشعب اللبناني بكافة انتماءاته يضع كل ثقله الكبير في مواجهة عدو لبنان، امريكا واسرائيل وبقية المجرورات، وهذا هو المطلوب من كل انسان لديه غيرة على وطنه وشعبه وعشيرته وعائلته وكرامته.