14 أيار: الحكومة تلغي قراريها ... والمعارضة تنهي العصيان «المدني»
حملة مشبوهة على المؤسسة العسكرية وقائدها ... والوفد العربي يدشّن عودة الحياة إلى المطار
السفير - ارتسم على الورق ومن خلال سلسلة واسعة من المشاورات الداخلية والعربية والدولية، مشروع تسوية على مرحلتين، أولى تتعلق بتراجع الحكومة، في جلسة استثنائية تعقدها، قبل ظهر اليوم، عن قراريها المتعلقين بالشبكة الهاتفية للمقاومة وقضية العميد وفيق شقير، على أن يعقبها فورا اعلان المعارضة عن اعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل السابع من أيار، أي اليوم الذي اعقب جلسة مجلس الوزراء التي اتخذت القرارين المذكورين.
وعلمت «السفير» أن قيادة المعارضة تلقت ضمانات كبيرة من جهات اقليمية مفادها أن الحكومة ستتبنى رفض قيادة الجيش للقرارين، وفي ضوء ذلك، أعطت المعارضة، فجر اليوم، تعليمات واضحة ببدء إزالة معظم العوائق التي أقفلت طريق المطار، في الاتجاه الغربي، حيث سيسلك الوفد العربي الطريق من المطار الى الفينيسيا، على أن يصار الى إزالة العوائق عن الجانب الشرقي وعن كل الطرق ووقف العصيان المدني في اللحظة التي تعلن فيها الحكومة عن قرارها.
أما المرحلة الثانية، فتتعلق بانطلاق المسعى العربي لاعادة جمع أركان الحوار اللبناني، من أجل الذهاب الى تسوية متكاملة حول انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية واعتماد صيغة القضاء في التقسيمات الانتخابية على أن يتوج اعلان النوايا بين الجانبين، بإقدام المعارضة على رفع الاعتصام من وسط بيروت.
وبين هذه وتلك، ليس بمقدور أحد أن يجزم في أمر «المعطيات المفاجئة» أو اذا صح التعبير «الأفخاخ» التي يمكن أن تؤدي الى تعديل مسار هذه المرحلة أو تلك، وصولا الى تعقيد الأمور واعادة تأزيم الموقف داخليا، والسبب بسيط ويتعلق بتسرب مناخات أميركية، ليل أمس، لم تكن مطمئنة، لجهة تحريض مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش فريق الموالاة على «الصمود» و«التصلب» ورفع سقفه السياسي قدر الامكان من أجل تحسين شروط التسوية الداخلية.
أما العنصر الثاني، غير المطمئن، فتمثل بإعلان مصادر أميركية في واشنطن، أن الادارة الأميركية غاضبة جدا من قيادة الجيش اللبناني التي تلقت دعما عسكريا أميركيا استثنائيا خلال العام الماضي ولكنها لم تتمكن من فتح مطار بيروت الدولي أو الطرق المؤدية إليه، وقالت المصادر نفسها لشخصيات لبنانية التقتها، ان الادارة الأميركية محبطة جدا من سلوك فريق الموالاة وعدم قدرته على التماسك في مواجهة الضربة الأولى التي تلقاها من «حزب الله»، على الرغم من الحديث المتكرر عن معطيات مغايرة على الأرض.
ولعل العنصر الثالث، وهو أميركي أيضا، يتمثل في تنفيذ الادارة الأميركية قرار الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي يصل اليوم، الى اسرائيل، والقاضي بإرسال فريق من الضباط الى لبنان عن طريق قبرص حيث أقلتهم الى مقر السفارة الأميركية في عوكر مروحية أميركية ستقل اليوم أيضا عددا آخر من الضباط الذين سيكونون مكلفين بمهام متعددة، بعضها يتعلق بتقييم ما حصل على الأرض مع قيادة الجيش، والحصول على لائحة جديدة بالحاجات التي تريدها قيادة الجيش في ضوء التقييم المشترك. كما سيطلب الوفد شرحا وتفسيرا لموضوع انتشار «حزب الله» السريع في العاصمة، بالاضافة الى مواكبة بعض أعضاء الوفد للأبعاد الأمنية المتعلقة برحلة بوش في المنطقة.
وعدا عن هذه الاشارات الأميركية غير المطمئنة، فان بعض المعطيات الداخلية، تركت مخاوف في أكثر من اتجاه، وخاصة، عندما أقدم وزير الاتصالات مروان حمادة على الاعلان عن أن الحكومة متجهة لالغاء القرارين اليوم، وهو أمر ترك صدى سلبيا في السراي الكبير كما في قريطم وكليمنصو، وخاصة في ضوء معلومات سربها أحد الوزراء عن مفاجآت قد تؤدي الى عرقلة «التراجع» اليوم!
غير أن المناخات الايجابية التي تجمعت في نهاية ليل أمس، ظلت بعض القوى متحفظة عليها، في الاتجاهين، لأن مناخات النهار، كانت تشي بالعكس، خاصة بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في الرياض وفتحه النار على المعارضة متهما اياها بتنفيذ ما اعتبره «انقلابا» مضيفا أن العلاقات العربية ـ الإيرانية والعلاقات الاسلامية ـ الايرانية ستتأثر سلبا إذا دعمت طهران «هذا الانقلاب». وقال ان استمرار الوضع الحالي «من شأنه أن يدفع إلى منزلق خطير لا تحمد عقباه».
وسارع الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد، للرد على الفيصل بقوله انه يفضل «عدم الرد» على تحذيره من أن العلاقات العربية الإيرانية ستتأثر سلبا إذا كانت طهران تدعم «انقلاب» حزب الله. وانتقد خلال مؤتمر صحافي في طهران، تصريحات الفيصل، وقال «آمل أن تكون خاطئة. يبدو أن تصريحات الفيصل ناجمة عن الغضب، ولكننا سنصبر حتى يهدئ غضبه، ولن نرد عليه احتراما للملك عبد الله»، موضحا «لقد أدلى بوجهة نظره، ولا ادري إلى أي حد تتطابق مع وجهة نظر الملك».
وفي بيروت، أعلن النائب سعد الحريري أن الموالاة ستتراجع عن القرارين «من أجل حماية لبنان»، وقال في مؤتمر صحافي هو الأول منذ كلمته الأخيرة يوم الخميس الماضي، ان الحوار لحل الازمة القائمة يبدأ بطرح مسألة السلاح على الطاولة، «ليس سلاح «حزب الله» فقط ولكن كل السلاح الموجود لكل التنظيمات الموالية للمخابرات السورية»، وينطلق الى كل أمر آخر.
ورحب الحريري بمجيء اللجنة الوزارية العربية وقال: البعض يدعونا الى طاولة الحوار والمسدسات في رؤوسنا. هذا أمر لن يحصل حتى ولو أطلقوا الرصاص على الرؤوس. لنعمل معاً على تجديد الحوار من دون تهديد. الحوار لا يقوم بقوة السلاح ولا تجربوننا.
وردا على سؤال قال الحريري ان العماد ميشال سليمان «ما زال المرشح التوافقي مهما حاولوا إحراقه».
وبينما قال الحريري أكثر من مرة أن الفتنة قد وقعت، عاد واستدرك «يجب ان لا ندع الفتنة السنية الشيعية تنفجر لانها ليست في مصلحة أي لبناني ولا يجب على احد ان يظن انها لم تبدأ»... وتابع «لكن ما حصل ايضا ان هذه الفتنة التي لطالما كنا نخاف ان تقع قد حصلت ويجب ان نخمدها وهذا يقتضي ان يتنازل كل واحد منا قليلا في مكان ما، ان نتنازل عن بعض الانتصارات». وسأل «اذا حصلت حرب اسرائيلية جديدة الى أين سيلجأ أهل الجنوب»؟
وردا على سؤال لأحد الصحافيين قال الحريري «ما حلكم تفهموا ان تيار المستقبل مش تنظيم مسلح»!.
الى ذلك، من المقرر أن تصل اللجنة الوزارية العربية بأعضائها الثمانية عند الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم الى مطار رفيق الحريري الدولي، ومن هناك تنتقل مباشرة للقاء الرئيس نبيه بري، ثم الرئيس فؤاد السنيورة (بعد صدور قرار التراجع عن القرارين) ثم تلتقي على التوالي: قائد الجيش العماد ميشال سليمان، العماد ميشال عون، النائب وليد جنبلاط وأخيرا النائب سعد الحريري.
وقال الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى للصحافيين لدى وصوله الى الدوحة ليل أمس، «اشعر بالانشغال (...) فالازمة ازدادت تعقيدا بما حدث في الايام الاخيرة». وتابع موسى «يجب ان نعمل معا لصالح العالم العربي».
ووصل الى العاصمة القطرية بالتزامن مع موسى كل من وزيري خارجية المغرب والجزائر. وكان قد سبق هؤلاء وزراء خارجية اليمن والاردن والامارات وسلطنة عمان والبحرين كما افاد مراسل «فرانس برس».
ومن المقرر ان يتوجه الوفد الذي يرأسه رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني الى بيروت صباح اليوم.
تابع المصدر نفسه ان الوفد العربي سيسعى الى عقد اجتماع مع طرفي النزاع وسيعرض ايضا نقل عملية التفاوض بين المعارضة والاكثرية الى قطر اذا وافق الطرفان على ذلك.
وقالت شخصيات دبلوماسية عربية استبقت وصول اللجنة الى بيروت مع مفرزة أمنية قطرية أقامت في فندق «الفينيسيا» ان اللجنة آتية «على خلفية الاقتناع بحل ضمن السلة الواحدة». ولم تستبعد أن يقترح القطريون ذهاب المتحاورين الـ14 الى الدوحة اذا وافق الطرفان على ذلك.
وقالت مصادر في المعارضة أنها أبلغت موافقتها على الاقتراح القطري، فيما برز موقف متريث من الموالاة، حيث نقل زوار النائب وليد جنبلاط عنه قوله ان امكان التئام طاولة الحوار في الدوحة ممكن ولكن بعد الانتهاء من انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وجدد القول أنه يرحب بجمع طاولة الحوار في بيروت برئاسة رئيس مجلس النواب.
ونقل زوار بري عنه قوله أن لا مانع لديه على الاطلاق من التئام طاولة الحوار في الدوحة، ولكن اذا عقدت في بيروت فستكون على غرار ما حصل في ربيع وخريف العام .2006
واوضح بري امام زواره «أننا كنا ننتظر ان تعقد جلسة الحكومة امس لالغاء القرارين... ولكن على ما يبدو انهم يريدون ان يبيعوها الى اللجنة العربية واذا كان الامر كذلك، فلا مـشكلة، واذا كانوا يحاولون ان يكسبوا الوقت في انتظار دعم ما، فالوقت بات ثمينا جدا، وكل يوم يمر من دون حل، يصعب الامور اكثر. وأؤكد ان العودة عن القرارين هي بمثابة «افتح يا سمسم».
وردا على سؤال حول حديث النائب الحريري عن رفضه الذهاب الى الحوار تحت ضغط المسدس، قال بري «وهل كان المسدس مصوبا الى الرؤوس عندما وجهت الدعوة الى الحوار»؟
وردا على ضم موضوع سلاح المقاومة الى بنود طاولة الحوار قال بري ان المبادرة الحوارية تتضمن بندين وحيدين هما النسب في الحكومة المقبلة وماهية الدائرة الانتخابية.
وحول كلام الحريري عن الامن في بيروت قال بري ان سلاح المقاومة «باق حتى ولو بقيت ذرة واحدة من تراب لبنان محتلة».
وفي وقت لاحق، أوضحت أوساط مقربة من النائب وليد جنبلاط لـ«السفير» أن ما قصده النائب الحريري هو أن أمن بيروت «سيكون بندا أساسيا في الحوار مع اللجنة الوزارية، اذ أنه لن يكون مقبولا أبدا وتحت أية ذريعة أن يكون هناك أي وجود مسلح في العاصمة بيروت، خاصة من قبل بعض المجموعات الحزبية المحسوبة مباشرة على المخابرات السورية». أضافت «أننا سنذهب للحوار من دون شروط وموضوع سلاح المقاومة يمكن بحثه بهدوء وبأفق بعيد المدى لكن في اطار توجه واضح نحو ايجاد صيغة تتلاءم ومصلحة الدولة والدفاع عن لبنان».
الى ذلك، لم يسجل اي تطور ميداني لافت للانتباه، امس، باستثناء اشكال محدود في طرابلس بين التبانة ومنطقة بعل محسن، فيما ساد الهدوء بيروت والجبل والبقاع، مع استمرار اقفال بعض الطرق الرئيسية في العاصمة وطريق المطار.
وأعلنت قيادة الجيش في بيان رسمي أن التجاوب كان كاملا أمس مع الاجراءات الأمنية التي اتخذتها في العاصمة والمناطق لمنع الظهور المسلح ومداهمة الأماكن المشبوهة وتثبيت الأمن في المناطق التي سادها التوتر في الآونة الأخيرة وأكدت أنها ستواصل تنفيذ هذه التدابير حتى تحقيق الأهداف المحددة لها.
ونشرت «المركزية»، أمس، رسالة وجهها العماد ميشال سليمان الى جميع ضباط الجيش بلا استثناء وصلت الى كل منهم بالاسم، وهي المرة الاولى في تاريخ المؤسسة التي يتم فيها مثل هذا التواصل المكتوب بين القائد والضباط بشكل مباشر، وصفت بأنها «من القلب والعقل الى القلب والعقل». وقال سليمان في رسالته «لا يجب ان ندع الحـرب الاهلية تقع واذا وقعت فالحل بالسياسة»، وشدد على أهمية الحفاظ على حيادية الجيش وهو السلوك الذي حكم كل خطوات الجيش منذ الرابع عشر من آذار حتى الآن والا فانه سيصاب بأذى كبير كما اصابه في حقبات سابقة.
الجدير ذكره، أن بعض الجهات الداخلية حاولت التشويش على الجيش عبر توزيع بيان مشبوه على وسائل الاعلام تم تذييله بتوقيع «الضباط الأحرار» وتبين أن لا اساس له من الصحة، وأن جهة سياسية محددة هي التي تولت عملية التعميم بـ«الفاكس».
الأربعاء 14/5/2008