المدلول السياسي للانفجار المأساوي في لبنان!!



نخط هذه الكلمات مع بزوغ فجر يوم الاحد الحادي عشر من شهر ايار الربيع الذي حاول المجرمون تحويله الى خريف في حياة الشعب اللبناني يتساقط ابناؤه قتلى وجرحى كتساقط اوراق الخريف الصفراء. اخط هذه الكلمات في وقت تعكس مؤشراته حقيقة ان الجولة الجديدة من التآمر المخضب بدماء الضحايا اللبنانيين الذي جرى نسج خيوطه في دهاليز مطبخ التنسيق الاجرامي بين شياطين محور الشر الامريكي - الاسرائيلي وخدام استراتيجيتهم السياسية للهيمنة في لبنان والمنطقة من قوى الرابع عشر من آذار او قوى "الموالاة" السلطوية، وبتواطؤ بعض انظمة الدواجن الامريكية الناطقة بالعربية، حقيقة ان هذه الجولة الجديدة بدأت تلفظ انفاس فشلها الذريع. كما ان مؤشرات ما جرى على ارض الصراع والتطور الدامي، على ارض الواقع اللبناني في الايام الاخيرة لانفجار نزيف الازمة تعكس حقيقة ان محور الشر المذكور والمعادي لمصالح الشعب اللبناني قد فشل فشلا ذريعا في إلباس الصراع الثوب الطائفي المتعفن، "عرقنة" الصراع وجعله على شاكلة تأجيج الفتن الطائفية والاثنية والقومية في العراق وذلك بهدف طمس حقيقة وأبعاد الصراع السياسي وإلباس المحتل الامريكي "قبعة الاخفى" كأنه غير مسؤول عن الجرائم التي ترتكب في مستنقع احتلاله ووجوده. وقد عكس احداث الصراع الدامي خلال الايام الاخيرة في بيروت وامتد لهيبها الى جنوب وشمال لبنان.
ان الصراع الجاري ليس ابدا صراعا طائفيا بين السنّة والشيعة، بين تيار سعد الحريري والمستقبل السنّي وبين الشيخ حسن نصر الله وحزب الله الشيعي، فالواقع ان الصراع الدائر في لبنان ومنذ انتصار المقاومة اللبنانية عسكريا في حرب حزيران الفين وستة على تحالف الشر الاسرائيل – الامريكي هو صراع بين قوى سياسية يتقمص بعضها الثياب الطائفية ويستغل الطائفية لابتزاز واحراز مكاسب سياسية، بين قوى سياسية تقسم لبنان بالطول وبالعرض الى قوتين اساسيتين، قوى "الموالاة" التي لها اكثرية مؤقتة في البرلمان وليس في الشارع الشعبي وتستأثر بالسلطة بصورة غير شرعية بعد خروج ممثلين لشريحتين كبيرتين من الشعب اللبناني - خروج حزب الله وأمل وعون (الاحرار) من الحكومة، وهذه القوة مدعومة من الامبريالية الامريكية وفرنسا ولبعضها علاقات مشبوهة مع اسرائيل العدوان. وتؤيد هذه القوة المشروع الاستراتيجي الامريكي للهيمنة الامريكية – الاسرائيلية في المنطقة ونهب ثروات وخيرات بلدان وشعوب المنطقة. وتتكون هذه القوة من مختلف الوان طيف قوس القزح الطائفي من المسلمين السنّة برئاسة سعد الحريري وفؤاد السنيورة ومن الطائفة المسيحية برئاسة المجرم جزار صبرا وشاتيلا سمير جعجع ومن الطائفة العربية المعروفية الدرزية برئاسة وليد جنبلاط، ولم يمنع الاختلاف الطائفي بلورة هويتهم السياسية المشتركة كخدام وعملاء للمشروع الامريكي.
اما القوة الثانية، قوى المعارضة فهي القوى السياسية الممانعة والمعارضة والمقاومة للمشروع الامريكي الاستعماري لتدجين لبنان وبلدان وشعوب المنطقة في حظيرة خدمة المصالح الامبريالية والاسرائيلية. ويتكون هذا التحالف من عدة احزاب سياسية بعضها يطغى عليها الطابع الطائفي مثل حزب الله وأمل وبعضها الطابع القومجي مثل حزب البعث والحزب الناصري وبعضها الطابع المذهبي مثل حزب آل ارسلان الدمقراطي الدرزي، وكذلك الحزب الشيوعي اللبناني بمواقفه المتميزة ضد المشروع الاستراتيجي الامبريالي الامريكي ومن اجل خدمة مصالح الشعب اللبناني ووحدته الوطنية والاقليمية. هذه القوى تؤلف صخرة صوان المقاومة الوطنية اللبنانية التي تحطمت عليها قوى العدوان الاسرائيلي والامريكي والعملاء اللبنانيين من خونة المصالح الحقيقية للشعب اللبناني الاصيل.

 

* من اشعل فتيل الفتنة السياسية:

من المعروف ان لبنان يعيش منذ انتهاء حرب تموز الفين وستة ازمة سياسية ومنذ تشرين الثاني الفين وسبعة ازمة فراغ رئاسي، أي بدون انتخاب رئيس جمهورية جديد لدولة لبنان. ازمة بين الموالاة والمعارضة احتدت وتعمقت منذ اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري. لحل هذه الازمة وتخطيها اصرت قوى المعارضة وتمسكت بثلاثة شروط اساسية، رغم تقديم الكثير من المقترحات للتسوية، الشرط الاول، اقامة حكومة وحدة وطنية من الموالاة والمعارضة، حتى لو احتفظت الموالاة أي قوى الرابع عشر من آذار بالاكثرية في مجلس الوزراء، فهذا لا يخولها صلاحية هضم حق الاقلية، وان تسير الاعمال وفقا لمبدأ التوافق واخذ القرارات بالاجماع والاقناع المنطقي. أي ان يكون للمعارضة وزنها السياسي وان لا تهمش. وان تكون هذه الحكومة حكومة انتقالية تعد لانتخابات مبكرة يتفق عليها، والشرط الثاني تغيير قانون الانتخابات البرلمانية القائم على المحاصصة الطائفية وعلى الطريقة المنطقية للدوائر المتعددة، فما تقترحه قوى المعارضة ويناضل من اجله الحزب الشيوعي اللبناني منذ سنوات طويلة هو قانون انتخابي دمقراطي جديد على اساس النسبية والدائرة الانتخابية الواحدة خارج القيد الطائفي المقيت. والشرط الثالث انتخاب رئيس للجمهورية بالتوافق ومن خلال ربط هذا الشرط في اطار حزمة واحدة مع الشرطين الاولين.
وبتحريض من قوى الشر التي لا تريد الخير والامن والاستقرار للشعب اللبناني، بتحريض من قوى الطغيان  الامريكي والفرنسي وبعض الانظمة العربية الساجدة في المحراب الامريكي، بتحريض من هؤلاء ترفض الموالاة وتفشل مقترحات المعارضة لحل الازمة السياسية وتحاول الاستئثار بالسلطة رغم عدم شرعيتها. والحقيقة الساطعة كشمس الظهيرة في شهر آب ان الدواجن الامريكية التي تقاقي في قن السلطة اللبنانية لم تكتف برفض مقترحات المعارضة ورفض المبادرة العربية التي قدمها الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى، بل حاولت ايضا املاء مواقفها باللجوء الى مختلف الوسائل الثعلبية الديماغوغية مستعينة بالدعم الامريكي وبالتواطؤ العربي المدجن امريكيا – اسرائيليا. وليس ادل على ذلك من اشعال فتيل الفتنة السياسية التي حاول محور الشر الباسها الثوب الطائفي والتي كادت تؤدي الى حرب اهلية تدميرية يكون لبنان والشعب اللبناني برمته الخاسر الاساسي من جريمة لا رابح ولا منتصر فيها. وتتحمل حكومة السنيورة – الحريري – جنبلاط، حكومة الموالاة والرابع عشر من آذار والقوى الاجنبية وخاصة الامريكية التي دفعتها الى ارتكاب هذه المغامرة، الجريمة، المسؤولية الكاملة عن كل ما حدث وعن كل نقطة دم سقطت من جثامين اربعمئة ضحية وعن مئات الجرحى اللبنانيين، ففي يوم الثلاثاء من الاسبوع الماضي، في السادس من شهر ايار الجاري، لجأت حكومة الموالاة، وفي ظل الازمة السياسية المستعرة، وبدون سابق انذار، وبصورة غير شرعية لحكومة غير شرعية، باقرار واتخاذ قرارين ظالمين واستفزازيين، القرار الاول يطالب بازالة شبكة اتصالات حزب الله، والثاني اقالة المسؤول الامني عن المطار العماد وفيق شقير! ورافق هذين القرارين حملة تشكيك من قبل قادة الموالاة تتهم حزب الله ومن خلال شبكة اتصالاته انه يتجسس على المطار ويهدد الامن اللبناني. ورأى حزب الله وقوى المعارضة والحزب الشيوعي اللبناني في هذين القرارين ومن يقف وراءهما من قوى الطغيان الاجنبي وسيلة من وسائل اضعاف المقاومة اللبنانية ومقدمة لتسهيل مؤامرة مصادرة سلاح المقاومة اللبنانية وخاصة من مقاتلي حزب الله وذلك لتغيير موازنة القوى الداخلية لصالح قوى الموالاة من خدام المشروع الامريكي – الاسرائيلي للهيمنة في لبنان والمنطقة. ولمواجهة المؤامرة الجديدة كان لا بد من مواجهتها وافشالها بقوة الحق المسنودة بقوة المقاومة في دحر المتطاولين على مصلحة لبنان الوطنية.
ورد قوى المقاومة العسكري الحاسم بسد جميع المنافذ ومفارق الطرق في وجه قنافذ اوكار التآمر من قوى الموالاة وجعل بيروت الغربية بأيدي اهلها من قوى المقاومة الامينة. فالحسم في قضايا تتعلق بمصير الوطن سيد الموقف. ورغم الاسف على كل نقطة دم اريقت وتتحمل حكومة السنيورة مسؤوليتها، فان قوة الحق قد انتصرت واضطرت قوى التآمر ان تتراجع وتتقمص ثوب البراءة من دم ابن يعقوب. فرئيس حكومة الموالاة غير الشرعية، فؤاد السنيورة، اضطر في خطاب له امس الاول ان يتراجع بصورة ثعلبية تضليلية من خلال ما طرحه واطلق عليه "صيغة مرحلية للحل"،  ففي مركز هذا التراجع والصيغة المرحلية للحل يدعي السنيورة في البند الاول ان "القرارين لم يصدرا بعد عن الحكومة وسيصار الى وضعهما في عهدة قيادة الجيش"!! وهذا محض تضليل وتسويف، فإذا لم يصدرا بعد عن الحكومة فكيف وصلت نسخة طبق الاصل عن القرارين الحكومين الى الامين العام للامم المتحدة والاعضاء الدائمين في مجلس الامن والى الانظمة العربية الراقصة في الحلبة الامريكية.
انطلاقا من مسؤوليتها الوطنية الصادقة لبت قوى المعارضة، حزب الله وأمل وغيرهما، نداء الجيش بعد تراجع السنيورة بسحب قواها المسلحة من مفارق الطرق وابقاء مظاهر الاعتصام المدني حتى اتمام تنفيذ مختلف المقترحات والشروط التي تطرحها المعارضة مثل حكومة الوحدة والرئيس التوافقي وغيرهما. والجيش الذي يعتبر رمزا للوحدة الوطنية اتخذ موقفا حكيما بعد خطاب السنيورة مدلوله السياسي الاستجابة عمليا لالغاء القرارين الجائرين اللذين تطالب بهما المعارضة، حيث اعلن الجيش اعادة وبقاء المسؤول الامني العميد وفيق شقير في المطار ودرس مسألة شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله "بما لا يضر بالمصلحة العامة وامن الدولة"! كما اخمد الجيش عمليا بموقفه هذا تدهور الاوضاع الى حرب اهلية وفتح المجال لاحتمالات افضل للمصالحة الوطنية وتخطي ازمة السياسية بما فيها الازمة الفراغ الرئاسي. ومن كان من قادة الموالاة يشتم قادة المقاومة ويشكك في نواياهم ويحرض ضدهم امثال وليد جنبلاط وسعد الحريري وفؤاد السنيورة، فإنهم بعد درس بيروت بدأوا بتغيير اللهجة واللجوء الى تعابير وكلمات دبلوماسية تفسر على عدة اوجه.

 

لم نفاجأ من عواء ذئاب العدوان منذ اليوم الاول لانفجار الازمة في لبنان، فمن بوش ورايس ونازل بدأوا التلويح بقبضات التهديد والوعيد بمحاسبة حزب الله وايران وسوريا، وفرنسا الرسمية تهدد بان "فرنسا لن تقعد مكتوفة الايدي ازاء ما يجري في لبنان" واسرائيل الرسمية توجه اصبع الاتهام بتحميل ما يجري في لبنان الى حزب الله مدعوما من سوريا وايران. وبعض انظمة العرب تعود الى اتخاذ الموقف المخزي الذي اتخذته ابان الحرب العدوانية الاسرا-امريكية على لبنان بادانة المقاومة، ادانة الضحية وليس الجلاد. الاصطفاف من الازمة الحالية يشمل نفس الاصطفاف ابان حرب حزيران الفين وستة. ولا نتفاءل خيرا من اجتماع وزراء خارجية الجامعة العربية امس في القاهرة، خاصة على ضوء مواقف حكوماتهم المتواطئ مع موقف الموالاة المدعوم امريكيا.
كل ما نأمله ان تتغلب المصلحة الوطنية العليا للشعب اللبناني على أي خيار فئوي آخر، ولا نجد افضل من المخرج الواقعي والحكيم الذي يطرحه الحزب الشيوعي اللبناني الذي يؤكد في بيان له صدر امس الاول ما يلي:
"ان على كل القوى الحريصة على مصلحة هذا البلد وبعد كل ما جرى، الابتعاد عن الحلول الترقيعية والجزئية التي من شأنها ان تعود بالبلاد الى ما عانته ولو بعد حين"، وبذلك يرى الحزب الشيوعي ان المخرج من المأزق الحالي والذي تسبب به فريق التحالف السياسي الحاكم يكمن في عقد مؤتمر موسع للحوار الوطني ينبثق عنه تفاهم على حل شامل ومتكامل للمأزق الوطني قوامه انتخاب رئيس جديد للبلاد مترافق مع تشكيل حكومة وطنية انتقالية تقر قانونا انتخابيا دمقراطيا جديدا قائما على اساس النسبية والدائرة الواحدة وخارج الطوق الطائفي، وتقريب موعد الانتخابات النيابية ليعاد لاحقا الى اعادة تفعيل دور كامل المؤسسات الدستورية في البلاد.

د. احمد سعد *
الثلاثاء 13/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع