بعد نكبة شعبنا العربي الفلسطيني وتهجير وتشريد غالبيته الساحقة وتدمير وخراب اكثر من خمسمئة قرية عربية فلسطينية وبقاء عدد قليل في ارضه ووطنه، في ظروف القمع والقهر والعسف والتآمر والذهول من مؤامرة الاقتلاع والترحيل، وفي خضم سياسة التغريب عن الوطن وارهاب الحكم العسكري وعسفه وظلمه وكسب معركة البقاء والصمود والانتماء والانزراع في ثرى الوطن، نشأ هنا شعب له تاريخه وحضارته وتراثه ومقوّماته كشعب، واثبت عبر مسيرته النضالية الشاقة والمُرة، انه ليس من ضيعة قليلة، ولكن هذا لم يكن يحدث لولا الدور التاريخي والريادي الهام الذي ادته وقامت به الصحافة الشيوعية الثورية في التعبئة والتوعية العامة والتثقيف السياسي وصقل الهوية السياسية لهذا الشعب وخلق ونمو الشخصية الوطنية النضالية وصيانة جذورنا التراثية العميقة، وقد جاء ذلك بخلاف ارادة ورغبة المؤسسة الصهيونية الحاكمة التي رغبت وارادت ان يتحول ابناء الجماهير العربية الى "حطابين وسقاة ماء"، فضربت حصارا ثقافيا على شعبنا وشبابه، استهدف حرمان النشء الجديد من تاريخه وتراثه الكنعاني، وهذه المخططات السلطوية الخبيثة اخفقت وفشلت بفضل صحافة الحزب الشيوعي "الاتحاد" و "الجديد" و"الغد" التي كان لها اسهام كبير في الدفاع عن هويتنا العربية الفلسطينية وصيانتها وعن ثقافتنا العربية في مرحلة حاولت فيها السلطة طمس هذه الهوية وهذه الثقافة، باشاعة العدمية القومية وانتهاج سياسة التجهيل.
لقد شكّلت الصحف الشيوعية مدرسة شعبنا وبوصلته، فقاومت الظلم والظلام، وحاربت القهر والاضطهاد واليأس والاستسلام والخنوع ونشرت الامل والتفاؤل الثوري وزرعت في اعماق الاجيال الفلسطينية الناشئة روح العلم والقيم الثورية وارضعتهم حليب الكرامة الوطنية والطبقية والاخلاق الرفيعة. كما رفعت لواء النضال والكفاح ضد التمييز والاستغلال ودعت الى السلام واخوة الشعوب، وقادت نضال المثقفين من اجل الدمقراطية وحرية الكلمة. ومن على منابر الحزب الشيوعي تعرفنا على ثقافات الشعوب وعلى الفكر الانساني التقدمي العالمي، ولم يجد المبدعون والكتاب والمثقفون العرب مكانا تحت الشمس سوى صفحات "الاتحاد" و "الجديد" و"الغد" منابر العطاء والثقافة التقدمية المضيئة والادب المقاوم والمقاتل، الذي ينحاز وينتصر للحرية والانسان، وان الجيل الذي نما وصمد وتربى واكتسب ثقافته من الصحافة الحزبية هو الجيل الصدامي الاول لسياسة حكام اسرائيل ومخططاتهم العنصرية.
كذلك، من خلال صحف الحزب الشيوعي وادبياته تعرّفنا على افكار وآراء ومواقف مناضلينا الاوائل ومثقفينا الطلائعيين، في مجالات الفكر والسياسة والثقافة والادب، اميل توما واميل حبيبي وحنا نقارة وتوفيق طوبي وبولس فرح وصليبا خميس وحنا ابو حنا وسالم جبران وتوفيق زياد ومنعم جرجورة وغسان حبيب وعصام العباسي وزاهي كركبي وعلي عاشور ومحمد خاص ورمزي خوري وجمال موسى وشفيق طوبي وجورج طوبي وعثمان ابو راس ومحمد الشريدي ومحمود الحصري ومحمد علي محاميد ومحمد نفاع ومحمد علي طه وسميح القاسم ومحمود درويش وسلمان ناطور، والقائمة طويلة جدا جدا.
وغني عن البيان ان الصحافة الشيوعية لعبت دورا تأصيليا هاما في تطوير وتنشيط الحركة الادبية والثقافية في هذه البلاد، ونمو كوكبة وجيل من الشعراء والكتاب الوطنيين والثوريين الملتزمين الذين عبروا في نثرهم وشعرهم عن قضايا وآلام شعبنا وهموم طبقتنا العاملة الكادحة وطموحاتها في وطن حر وغد جميل وسعيد، وكل من ينكر هذا الدور الوطني الرائد فانه ينكر عمليا التاريخ ويزور الحقائق والمعطيات.
(مصمص)
شاكر فريد حسن *
الأثنين 12/5/2008