أسقف سابق حافي القدمين ينضم الى قافلة "الكوابيس" في امريكا اللاتينية ليدق المسامير الاخيرة في نعش العولمة الرأسمالية الامريكية والعالمية
وأخيرًا وليس آخرا وبعد ستين سنة من الحكم المطلق والدكتاتورية العسكرية قال شعب باراغواي لا لحكم المحافظين النهابين والف نعم للفقير اليساري بقيادة اسقف حافي القدمين خلع ثياب الكهنوت لينضم الى الحفاة في وطنه تاركا حياة الرفاهية والجاه والزعامة الدينية والطمأنينة الاقتصادية وراحة البال لينضم الى ابناء الطبقات الفقيرة المعدومة والى الكادحين الذين يبنون القصور للاغنياء والكنائس والاديرة للمطارنة والبطاركة في ساعات النهار وفي الليل يلتحفون الارض وينامون في العراء والمقابر والمغارات.
ان ضمير ذلك الاسقف الذي ولد وترعرع في عائلة فقيرة مثل معظم العائلات في باراغواي لم يمت ولم يستطع الصمود امام تأنيب ضميره الحي تجاه شعبه الفقير حتى بعد انضمامه للكهنوت ظنا منه بانه يستطيع ان يخدم شعبه بهذه الطريقة الكهنوتية وسرعان ما اتضح له بانه لن يغير شيئا من الواقع عن طريق الوعظ الديني والصلوات والتضرع "لرب العالمين" وترديد مواعظ اكل الدهر عليها وشرب.
ان نتائج تلك الانتخابات التي فاز بها "مطران الفقراء" كما يسمونه في باراغواي (لأنه يتجول حافيا اسوة بفقراء وطنه) وانتصاره على منافسيه الذين حكموا مدة تزيد على اكثر من ستة عقود، لهو اكبر برهان لضعفاء النفوس في شرقنا العربي الذين "ينظّرون" ويحاولون اقناع الجماهير ان لا فائدة من النضال وان التغيير بعيد المنال فما علينا الا الخنوع والركوع وانتظار الفرج من السماء.
ان الانتصار الذي حققه مطران الفقراء الذي طردته الكنيسة من صفوفها لتدخله في السياسة لمصلحة الفقراء حاولت منعه من تعاطيها تأييدا لهم وللناقمين على حكومة باراغواي بزعامة الدكتاتور الفردو شترانس الذي سمح للعديد من النازيين باللجوء الى باراغواي ايام حكمه ضاربا عرض الحائط بجرائمهم ضد الانسانية جمعاء، وما انتصار اسقف الفقراء الحافي القدمين، خاصة بعد "لعنة" كبار رجال الكنيسة وانتصاره على سلاطين المال والجنرالات وكبار الاغنياء الا اكبر برهان على ان الذي يخدم الجماهير باخلاص وبأمانة ويشاركها في افراحها واحزانها ويُشعرها بانه جزء منها بدون استعلاء او تكبّر مثلما يتصرف البعض من "دكاترتنا" وأنصاف المثقفين من بيننا ويعتقدون بأنهم اعلى مستوى من الجماهير التي يطالبونها بتأييدهم وانتخابهم لكونهم "النخبة" بدون منازع كما يظنون انفسهم، وبعكس "مطران الفقراء" الذي نزع لباسه الديني وحذاءه ايضا تضامنا وتأييدا مع فقراء شعبه وشعوره معهم في فقرهم وجوعهم وعذابهم على الارض وليس في الآخرة كما يدعي تجار الدين والسياسة وكلاهما يساعدان بعضهما بعضا في خداع الجماهير للبقاء في الحكم للحفاظ على ثرواتهم التي "لا تأكلها النيران" كما يقول مثلنا الشعبي.
ان الذين طبّلوا وزمروا ورقصوا بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي سابقا واعتقدوا انه لن تقوم لليسار قائمة جديدة بعد ذلك الانهيار اثبت الواقع العمى السياسي لاولئك الناس الذين اعينهم منفتحة ولكنهم عميان البصيرة اذا كانوا يعتقدون ان النضال الطبقي انتهى بسقوط الانظمة الاشتراكية فالعكس تماما هو الصحيح لأن النضال الطبقي اليوم ازداد بسبب الهجوم على منجزات الطبقة العاملة وعلى عامة الفقراء الذي اصبح اشرس مما مضى لأن وضع الطبقة العاملة وفقراء العالم الثالث يشعرون بالجوع والعوَز اكثر بكثير من السابق ويحذر خبراء الاقتصاد في العالم اليوم من ثورة الجياع كما حصل في مصر قبل اسبوعين من مظاهرات واحتجاجات على الوضع البائس للعاملين واستعمال القوة الشديدة وبدون رحمة ضد الجياع مما ادى الى جرح واعتقال المئات منهم.
اهم الاسباب التي ادت الى زيادة الجياع والفقراء في عالم اليوم هو الارتفاع الجنوني لاسعار القمح والارز نتيجة لسياسة الدول الصناعية لاستخدام الوقود الحيوي المستخرج من النباتات المختلفة من المحاصيل الغذائية وتحكم الشركات الكبيرة بالاراضي الزراعية ومكننة الزراعة والتحكم باسعار الغذاء عامة هو احد الاسباب التي ادت الى ذلك الارتفاع الهائل لاسعار الغذاء ناهيك عن الخصخصة وتحكم فئة قليلة جدا من كبار الرأسماليين بالاكثرية الساحقة من سكان الكرة الارضية الذين زاد عددهم في القرن الماضي ، والنظام الرأسمالي الاحتكاري والعولمة الرأسمالية الجديدة ايضا من الاسباب الرئيسية التي ادت لارتفاع اسعار الغذاء وزيادة الفقراء والتعاسة للجنس البشري عامة، وحسب الاحصائيات الاخيرة لعلماء الاقتصاد ان خمسة مليارات من البشر يعيشون على اقل من دولارين لليوم الواحد: فأين هو العدل والمساواة ايها المنظّرون الرأسماليون واصحاب نظرية الخصخصة ونظام العولمة الرأسمالية الجديد؟؟
نظام القطب الواحد الذي تقوده وتشجعه امريكا اليوم تحت شعار القضاء على "الشر" ونشر الدمقراطية والمساواة في العالم، هو الذي ادى الى هذا الوضع المزري الذي وصلنا اليه، والوضع المأساوي الذي يتعرض له شعب العراق اكبر شاهد على فشل فكرة تصدير الدمقراطية بواسطة الدبابات وفوهات المدافع وتشجيع الانقسامات الطائفة والمذهبية والقتل العشوائي وافتقاد الامن واغتيال الاطباء والمثقفين وسرقة التحف الاثرية التي لا تقدر بثمن لكونها من اقدم الحضارات في العالم وكل هذه الموبقات ادت الى هجرة الملايين، وما قد يؤدي الى كارثة اجتماعية واخلاقية وهناك انباء موثوقة ان عددا من الآباء والازواج يجبرون بناتهم وزوجاتهم على تعاطي الجنس قسرا لانقاذ عائلاتهم من الجوع تحت سمع وبصر تجار الدين والسياسة مما اضطر وزير خارجية سوريا الطلب من "الحكومة العراقية" مساعدة اولئك المهجرين لارجاعهم الى وطنهم الام متهما الاحتلال الامريكي للعراق بالمسؤولية على كل ما يتحمله شعب العراق الجريح من ويلات ومآس.
ليس غريبا ابدا ان يدعو رئيس بوليفيا الذي استشهد فيها الثائر الاسطوري "تشي جيفارا" من على منبر "الامم المتحدة" بان الحل لمشاكل الجنس البشري المتزايد هو القضاء على النظام الرأسمالي العالمي والعولمة الرأسمالية الجديدة وتبني قوانين اجتماعية جديدة وتقوية القطاع العام بإعادة تنظيم احزاب اليسار محليا وعالميا، خاصة الاحزاب الشيوعية التي لها القدرة والخبرة على توحيد وتنظيم فقراء العالم الحفاة والعراة والجائعين اسوة "بمطران الفقراء" فرناندو لوغو وتحت شعار الاممية والعلمانية واللون الاحمر لون دم الشعوب من كل الاجناس والديانات وليس تحت شعار القوى الظلامية المتاجرة بالديانات والاوطان وتفرق بين البشر وتشجع الحروب الطائفية والمذهبية خدمة لاسيادهم ولأنفسهم على حد سواء.
ان التغيير غير المفاجئ الذي يقوده يساريون في امريكا اللاتينية والذي وضع حجره الاساس الثائر "تشي جيفارا" قد اعطى ثمارا طيبة وبسرعة هائلة، فواجبنا نحن فقراء العرب والعالم اجمع الاقتداء بذلك الثائر الاممي والسير على طريق نضاله الثوري الاممي، والتخلي عن التعصب القومي والطائفي والمذهبي الذي يخدم الاجنبي والحكام المتعاونين معهم بينما نحن فقراء الشعوب العربية والعالمية نتطلع الى التحرر والانعتاق قوميا واجتماعيا.
موسى ناصيف *
الأثنين 12/5/2008