كالحيّة الرقطاء أطلت برأسها من جديد رسولة محور الشر الامريكي – الاسرائيلي، وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس في جولة الى المنطقة تعتبر حسابيا الرابعة من حيث العدد خلال شهر وعدة ايام. وتكثيف زيارات رايس الى منطقة الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني – العربي مبعثه ودافعه عشقا باجواء المنطقة بيئيا والحرص على تنقيتها من التلوث القاتل، وليس مبعثه ودافعه ايضا الحرقة الامريكية على توفير وضمان المصالح الحقيقية لشعوب المنطقة وخاصة المصالح الحقيقية للشعبين، الشعب العربي الفلسطيني والشعب في اسرائيل، المخضبة بدماء العدوان الاحتلالي الاستيطاني الاجرامي. فدوافع واهداف الجولة الحالية لا تختلف ابدا من حيث مدلولها السياسي عن دوافع واهداف الجولات السابقة، بل جاءت مكملة لها ومتواصلة معها وتندرج في اطار خدمة المصالح الاستراتيجية – السياسية لمحور الشر الامريكي – الاسرائيلي. ولن يستطيع مكياج التضليل والتسويف الامريكي والاسرائيلي اخفاء هذه الحقيقة. فمن وراء تكثيف الزيارات والجولات الى المنطقة في فترة زمنية قصيرة جدا، تحاول الادارة الامريكية بشكل تضليلي الايحاء وخلق الانطباع خاصة لدى الشعب العربي الفلسطيني، ضحية التحالف العدواني الاسرائيلي – الامريكي، ولدى الرأي العام بين شعوب المنطقة العربية، "مدى حرص واصرار" ادارة بوش على انجاز تسوية حل دائم باقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل حتى نهاية العام الحالي الفين وثمانية!! وما يلفت النظر ويثير العديد من التساؤلات حول النوايا الحقيقية ان كوندوليزا رايس صرحت في طريقها الى المنطقة ان الهدف من زيارتها وجولتها الحالية اعطاء دفعة للمفاوضات السلمية السياسية الاسرائيلية – الفلسطينية!! ولم تكتف بذلك بل اضافت انها لا تحمل في جعبتها اية مبادرة او خطة امريكية جديدة!! فهذا التناقض يعني من حيث المدلول السياسي ان "هيّاك هياك يا حمار الحيّاك"، ان لا تغير في الموقف الامريكي الذي نقلته رايس وضغطت من اجله في جولاتها السابقة. فكثرة عدد جولات رايس في منطقة الصراع في فترة زمنية قصيرة لا يعني شيئا اذا لم ترافقه نتائج عينية ملموسة على الارض تخدم فعلا وتدفع عمليا الى امام عجلة التفاوض الاسرائيلي – الفلسطيني، اما اذا كان طابع هذه الجولة وهدفها المركزي، كما في جولات رايس السابقة، الانحياز الى جانب الموقف الاسرائيلي الرافض لمتطلبات التسوية السياسية العادلة والمتنكر لثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية والممارس لاعمال اجرامية تدفن الامل بانجاز السلام العادل، وعدم الضغط عليه امريكيا لتغيير منهجه ونهجه العدواني والاكتفاء بتفعيل مكابس ضغط رايس وادارتها الامريكية على القيادة الفلسطينية، على الرئيس الفلسطيني محمود عباس والسلطة الفلسطينية، اذا كان الامر كذلك، وهذا ما نتوقعه، فان مصير جولة رايس لن يكون بأفضل من مصير جولاتها السابقة – المراوحة في دائرة دم الصراع.
في جولتها السابقة حاولت رايس الادعاء بعد جولات المحادثات مع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي انها نجحت في الحصول على "رأس كليب"، بدفع عجلة المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية على ارضية معادلة ان تنشط السلطة الفلسطينية في المجال الامني، تواجه الانفلات الامني و"مواجهة الارهاب الفلسطيني" حسب وجهة النظر الامريكية والاسرائيلية، مقابل تخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني في مدن وقرى الضفة الغربية المحتلة، ازالة الحواجز والسماح لعدد من العمال الفلسطينيين بالعمل في اسرائيل، وتخفيف وطأة الحصار عن قطاع غزة!! ولكن ماذا كانت ممارسات المحتل الاسرائيلي بعد عودة رايس الى وكرها في "البيت الابيض" الامريكي؟ ان حكومة الاحتلال الاسرائيلي – حكومة اولمرت – براك – ليفني، واصلت تصعيد ممارسات فرض سياسة الامر الواقع على الفلسطينيين بمدلولها الاستعماري الكولونيالي. واصلت بشكل منهجي حسب خطة مدروسة ومنسقة مع ادارة بوش في المجال الاستيطاني. فقد تركزت هجمة الاحتلال الاستيطانية الجديدة في مدينة القدس الشرقية وضواحيها، كما تواصل العمل في اكمال بناء جدار الضم والفصل العنصري في هذه المنطقة. فاكمال مخطط تهويد القدس الشرقية واتمام عملية بناء جدار الفصل العنصري ينسجم مع حدود التسوية النهائية المتفق عليها جهارا بين طرفي محور الشر الاسرائيلي والامريكي وليس في دهاليز التآمر المعتمة والسرية. اتفاق استراتيجي ممهور بتوقيع الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش الى رئيس حكومة اسرائيل اريئيل شارون في العشرين من شهر نيسان الفين واربعة، فبموجب هذا التعهد الامريكي يضمن لاسرائيل ضم القدس الشرقية وكتل الاستيطان ومنطقة غور الاردن الى اسرائيل بحيث يكون جدار الضم والفصل العنصري الحدود السياسية وليس الامنية لاسرائيل مع الكيان الفلسطيني الذي يتفق على قيامه، والموافقة على الموقف الاسرائيلي الرافض بشكل مطلق حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذي تقره الشرعية الدولية. حتى ازالة الحواجز التي تعهدت بها حكومة الاحتلال لرايس لم تنفذها.
عشية زيارة رايس في جولتها الحالية، كما هو الحال عشية كل زيارة، تكثر تصريحات المسؤولين الامريكيين، من الرئيس جورج دبليو بوش ونازل، حول تمسك وتفاؤل ادارة بوش بانجاز تسوية دولتين، فلسطين بجوار اسرائيل، وفقا لرؤيا بوش، واحتمال تجسيد هذه الرؤيا قبل انتهاء مدة حكم بوش في نهاية العام الجاري!! وان زيارة رايس في جولتها الحالية تندرج في اطار العمل على دفع عجلة تجسيد هذه الرؤيا!! ان معطيات حقيقة الموقف الامريكي وادارة بوش – تشيني – رايس من الحقوق الوطنية الفلسطينية تؤكد ان الادارة الامريكية بسياستها المنتهجة هي اعدى اعداء الحقوق الشرعية الفلسطينية والحليف الاستراتيجي الداعم والمساند للعدوانية الاسرائيلية المغتصب لثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية. كفى يا رايس ومحور الشر استهتارا بعقول وبحقوق الشعب العربي الفلسطيني، فعن أي دولة فلسطينية طبيعية هذه يا بوش ويا رايس ويا كل الدجاج العربي المدجن في القن الامريكي – الاسرائيلي تتحدثون عندما تخططون في برنامجكم لحرمان هذه الدولة من اهم ثابتتين من الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف، من القدس الشرقية عاصمة الدولة العتيدة ومن حق العودة الشرعي والانساني والاخلاقي لأكثر من اربعة ملايين لاجئ فلسطيني يعانون مآسي الشتات والمعيشة في ديار الغربة ومخيمات المعاناة في مختلف بقاع الدنيا. اية دولة هذه ممزقة الاوصال الى كانتونات يفصل بعضها عن بعض جدار العزل العنصري وطرق الالتفاف الاحتلالية ولا تواصل بينها الا من خلال انفاق وجسور وشوارع تحت وفوق الارض.
برأينا ان الاهداف الحقيقية التي تتوخّى وزيرة الخارجية الامريكية انجازها من خلالها جولتها الحالية تتمحور حول تهيئة المناخ والظروف الملائمين لانجاح زيارة الرئيس جورج دبليو بوش المرتقبة في منتصف شهر ايار الحالي، والتي كما اعلن سيزور كلا من اسرائيل والسعودية ومصر. فزيارة بوش الى اسرائيل الهدف من ورائها تأكيد التحالف الاستراتيجي القائم بين الامبريالية الامريكية والقيادة الصهيونية الحاكمة منذ قيام اسرائيل على اطلال نكبة الشعب العربي الفلسطيني وجرحه النازف منذ ستين سنة وحتى يومنا هذا.
وان هذا التحالف الاستراتيجي اليوم اقوى مما كان عليه في يوم من الايام، فدعم العدوانية الاسرائيلية من القضية الفلسطينية في رأس سلم الدعم الامبريالي الامريكي لاسرائيل المخفر الاستراتيجي الامامي لاستراتيجية العدوان الامريكي بهدف الهيمنة في المنطقة ونهب ثرواتها وخيراتها. وستسعى رايس في جولتها الحالية العمل على مواصلة مفاوضات "طحن الماء" الاسرائيلية – الفلسطينية، ستعمل على تشغيل مكبس الضغط على السلطة الفلسطينية لافشال امكانيات ان يؤدي اتفاق جميع الفصائل الفلسطينية على "التهدئة" في القاهرة الى اعادة لحمة الوحدة الوطنية الكفاحية بحل الإشكال القائم بتراجع حماس عن انقلابها على الشرعية الفلسطينية والاتفاق مع "فتح" وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية على قيام حكومة وحدة وطنية فلسطينية متمسكة بثوابت الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف، الحق في الحرية والدولة والقدس والعودة. فرايس ستحاول ان تركز السلطة الفلسطينية على حالة "الامن"، وليس من وليد الصدفة ان يتزامن موعد وصول رايس الى المنطقة مع توقيت عرض استعراض ستمئة من قوات الامن الفلسطينية تم تدريبهم في الاردن واشرف جنرال امريكي على تدريبهم، وتكون مهمتهم حفظ الامن في منطقة مدينة جنين المحتلة. فتسلّم السلطة الفلسطينية لمفاتيح الاشراف على الامن في محافظة جنين لا يعني التخلص من بلطجة العدوان الاسرائيلي في هذه المنطقة. فالتجربة في نابلس وطولكرم اثبتت انه بعد تسلم السلطة الفلسطينية للصلاحية الامنية لم يتورع المحتل من الاختراق وارتكاب المجازر وملاحقة واعتقال ناشطين! وستحاول رايس اقناع حكومة الاحتلال بتقديم جزرة للطرف الفلسطيني، الاعلان عن تسهيلات معيشية، رفع حواجز، اطلاق سراح بعض المعتقلين من سجناء الحرية الفلسطينيين والاعلان عن موافقة اسرائيلية على "حزمة مبادئ" للتفاوض حولها فيما بعد مع السلطة الفلسطينية. فقضية الشعب الفلسطيني اولا وقبل كل شيء قضية سياسية تتعلق بحق شعب في الحرية والاستقلال الوطني، بحق شعب يناضل للتخلص من نير الاحتلال الوحشي ومن ظروف الشتات القسري المأساوية، قضيته ليست ابدا في جوهرها ومدلولها قضية اقتصادية وانسانية ومعيشية، فالتحرر السياسي العامل والدفيئة لخلق الظروف المساعدة على تحسين اوضاع الشعب العربي الفلسطيني الاقتصادية والمعيشية في ظل دولته المستقلة.
ولهذا فاننا نؤكد ان جولة رايس الحالية هي جولة شؤم مهمتها تحضير الاجواء لجولة شؤم سافرة سيقوم بها رئيس ادارة عولمة ارهاب الدولة الامريكية المنظم جورج دبليو بوش لرش الملح على جرح النكبة الفلسطينية النازف دما ولمواصلة حرمانه من انجاز ثوابت حقوقه الوطنية ولمواصلة مساندة ودعم مخفره الاستراتيجي العدواني – اسرائيل. زيارة تستهدف تصليب موقف النظام السعودي لمواصلة حراسته للمصالح النفطية الاحتكارية الامريكية والاجنبية. زيارة شؤم تستهدف تعزيز مكانة النظام المصري كأحد المخافر الاساسية لانجاز مشروع "الشرق الاوسط الجديد" تحت المظلة الامريكية، لارساء قواعد تطبيع العلاقات العربية – الاسرائيلية في تحالف استراتيجي تمسك ادارة الامبريالية الامريكية برسنه. ولهذا، فملعونة هي زيارة رايس الى المنطقة، وملعونة هي جولة بوش المرتقبة التي تستحق مقابلتها بتصعيد النضال ضد استراتيجية الجرائم ضد الانسانية والشعوب التي يرتكبها محور الشر الامريكي – الاسرائيلي وبتواطؤ رجعي عربي.
د. احمد سعد *
الثلاثاء 6/5/2008