في ذكرى الانتفاضة الحمراء 1958الناصـرة تـطـلـق الصـرخـة الـحـمـراء وتـفـحــم الأصــوات الســوداء
* تعدّد وتلوّن المتطاولون، لكن أول أيار 58، وأول أيار 2008، بمدّه البشري الهائل قالا بوضوح: إلى هنا... * يوم الأربعاء كنت في مسيرة أيار الحمراء في عرابة، ويوم الخميس كنت في المسيرة الجبارة في ابو سنان وكفر ياسيف، ويوم الجمعة كنت شاهدا على شوارع تل أبيب التي صبغها الشيوعيون وأصدقاؤهم بالأحمر، وكنت في اليوم ذاته في أم الفحم مع كوكبة أبطال أول أيار 1958.
وكنت يوم السبت في الناصرة. في عرابة الحمراء قلت لنفسي العلم الأحمر أصبح أمرا عاديا في الاول من ايار.. في أبو سنان وكفر ياسيف قلت لعلها مفارقة: هذا المد الهائل من رفاقنا وأصدقائنا في منطقة عكا بمشاركة كوكبة الماضلين من ايار 58. أما في تل أبيب فقد بدأت اشعر أن الأمر ليس مجرد روتين، وهو بالضرورة ليس مفارقة... فالرفاق الشباب والأقل شبوبية وهتافهم بالعبرية بلكنة عربية، وهتافهم بالعربية بلكنة عبرية، كان يدوي في شوارع المدينة الإسرائيلية الوحيدة، متحدثا عن السلام والأمل والثورة. أما في أم الفحم فقد تملكني شعور غامر بالعزة في حضرة أبطال أول أيار 1958، وأننا ننتمي إلى هذا الجيل صاحب الأكف التي لم تلاطم مخرزاً.. إنما نكبة بنت كلب، وبنت عشر سنوات، وتلاطم الحكم العسكري بكل عسفه، وتلاطم آثار العدوان الثلاثي على مصر عبد الناصر، وتلاطم مجزرة كفر قاسم، بعد سنة ونصف السنة على وقوعها... أما الناصرة ومظاهرة الناصرة... ناصرة الانتفاضة الحمراء... ناصرة توفيق زياد ورفاقه، فقد أشهرت جوابها القاطع. تعدّد وتلوّن المتطاولون، لكن أول أيار 58، وأول أيار 2008، بمدّه البشري الهائل قالا بوضوح: إلى هنا... قلوبنا مفتوحة وصدورنا مفتوحة للعمل المشترك، بين الجماهير العربية وبين الجماهير اليهودية، لكن العاجزين عن أي فعل سياسي ذي قيمة لا يستطيعون التطاول على حزبنا وجبهتنا. أعرف أن البعض قد أغاظه ما قلناه في كفر ياسيف، بأن اليد التي ستُرفع على الحزب سنعرف كيف نكسرها، وهذا البعض ملوّن بألوان النفاق والرياء، يتساءل دون براءة: أليس هذا عنفا؟! ونحن نقول: من يرفع يده، كائنا من كان على هذا الحزب، وعلى هذه الجبهة، وعلى هذه الشبيبة، إنما يرفع يده على الطريق الذي يشكل شاطئ الأمان، وميناء الانطلاق إلى المستقبل الأفضل. مظاهرة أول أيار 2008 في الناصرة بألوفها المؤلفة... هي المشهد الكفاحي العظيم الذي لا يستطيع إخراجه إلى حيز الوجود سوى هذا الخط العظيم. البحر الأحمر في الناصرة كان مكتظا باللؤلؤ والمرجان الكفاحي. أول أيار ليس نذيرا وليس إنذارا ، إنما هي صرخة الشعب الحمراء الكفاحية من أجل السلام العادل، من أجل حق الشعب الفلسطيني المعذب، من أجل حقوق الطبقة العاملة وحقوق الفقراء وكل المعذبين في الأرض من اجل التقدم والديموقراطية، ولكنها في الوقت نفسه إشارة لكل المتطاولين على الحزب وعلى الجبهة: حتى هنا. إن كل إنجاز حققته جماهيرنا العربية الفلسطينية في وطننا الذي لا وطن لنا سواه، منذ النكبة وحتى اليوم، كان إما بفضل الحزب وحلفائه، أو بفضل الالتزام بسياسة الحزب وحلفائه، وكل نكسة ونكوص حلّ بنا كان إما "بفضل" الابتعاد عن سياسة ورؤية الحزب أو "بفضل" المتطاولين على ألوانهم وتلاوينهم وتلوناتهم. في الأول من أيار 2008 نعود لنؤكد أنه لا يمكن أن تكون وطنياً مخلصا لقضايا شعبك دون أن تكون إنسانيا إلى أقصى الحدود، وأمميا يحطم القمقم المرسوم للتحليق في فضاء ارحب للكفاح، وفي الوقت ذاته لا يمكن ان تكون أمميا وإنسانيا، وان تكون في الوقت نفسه مجرداً من العزة الوطنية والقومية الحقيقية. هذه عبرة أيار 58، عندما التحم الطبقي الأممي (عيد العمال) بالوطني (رفض المذلة بالاحتفال باستقلال إسرائيل في ذكرى نكبة شعبنا). إن التعبير الأقسى للاضطهاد القومي ضد جماهيرنا العربية هو سلب الأرض ومحاولات فرض العدمية القومية ولكنه في الوقت ذاته الاضطهاد الطبقي والإفقار والتمييز العنصري. لا يمكن أن تكون مخلصا للقضية الوطنية دون أن تحمل فكراً يسارياً طبقياً يرفض الاضطهاد القومي ويناضل ضد الاضطهاد الطبقي. تحية للسواعد التي حملت الشعارات، وتحية للسواعد التي قرعت الطبول، وتحية للحناجر التي هتفت للسلام والعدالة والحرية. تحية إلى أبطال أيار 58، الذين شرّفوا المظاهرة بالسير في طليعتها. تحية لكل الأصدقاء ولكل الرفاق، للحزب وللجبهة والشبيبة. في الذكرى الخمسين للانتفاضة الحمراء 58، انطلقت الصرخة الحمراء 2008، في ناصرة الكفاح لتفحم الأصوات السوداء ولتفعم قلوب الناس الطيبين. يا شعبي يا عود الند يا أغلى من روحي عندي إنا باقون على العهد.الصورة للنائب محمد بركة في مظاهرة أيار للعام 2005 في الناصرةمحمد بركة الأحد 4/5/2008 |