كل البلاد جبهة



الغضب الذي واجهت به الصحافة الإسرائيلية مساعي الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، تشبه ردة فعل الجاني عندما يضبط متلبسًا، وعندما يأتي من يقول له، بدون رتوش، إنه شريك في الجرم، وخاصة عندما يكون القائل صديقًا صدوقًا لإسرائيل ويتمتع بمصداقية عالية في أوساط الرأي العام العالمي.
الأجواء الإعلامية المسمومة التي رافقت زيارة كارتر للمنطقة، تؤكد ما ذهب إليه كثيرون بأن الإعلام الإسرائيلي، الذي يعمل من خلال تعددية متقدمة نسبيًا في القضايا الداخلية، موحد تطوعًا وملتزم إلى أبعد الحدود تحت راية الخط الأكثر تشددًا في إسرائيل في قضايا النزاع العربي الإسرائيلي.
الإعلام الإسرائيلي، سوى بعض الأصوات الجريئة التي يقل عددها عن أصابع اليد الواحدة، هو إعلام مجنَّد بأبلغ الصور، والخطورة الكبرى في هذا الإعلام المجند أن تجنده لا ينبع عن إكراه أو قسر من قبل السلطة، بل هو نابع عن حماس منقطع النظير في الدفاع عن أي موبقات تقوم بها المؤسسة العسكرية والسياسية ضد الفلسطينيين.
وفي حينه قلنا إنه إذا كان هناك مجال لمحاسبة السياسة الإسرائيلية، فيتوجب بنفس القوة، وربما أكثر، محاسبة الإعلام الإسرائيلي، الذي شكّل البطانة الدافئة لهذه السياسة وشحَن أجواء الرأي العام ضد العرب.
في أكتوبر 2000، امتلأت الصحف بالمقالات التي تحدثت عن الخطر العربي القادم، وصورة فتى فلسطيني ملثم بكوفية غطت الصفحات الأولى، وكأن العرب قاب قوس أو أدنى من تدمير الدولة اليهودية.
الإعلام الإسرائيلي حرٌّ ما دام يناقش قضاياه الداخلية. الإعلام اليهودي مجند ما دام الحديث حول العرب.
ماذا قال بن غوريون: "كل الشعب جيش.. وكل البلاد جبهة".. في هذه الأمور لا يوجد مكان للـَّـعب، حتى لو تم تكسير مرآة الواقع التي واجههم بها كارتر.

 

*الخوف على مشاعر العرب*

لماذا لم يتم النشر عن ضرب ما تدعي إسرائيل أنه مفاعل نووي في سوريا؟ حسب الرواية الإسرائيلية غير الرسمية، التي وجدت تعزيزًا لها في تصريح بوش الأخير، فالسبب لذلك هو "عدم إحراج سوريا"! 
لنضع الأمور في نصابها، أولاً هنالك شك كبير في أن يكون ما قصفته إسرائيل ودمرته مفاعلا نوويًا، ونقول ذلك اعتمادًا على التاريخ القريب؛ فهذه الحرب المدمرة، التي أحرقت الأخضر واليابس في العراق جرت استنادًا إلى "معلومات" خاطئة ومضللة، سعت الإدارة الأمريكية لنشرها حول الأسلحة النووية والكيماوية في العراق. اليوم، بعد فوات الأوان، يظهر بما لا يقبل الشك بؤس هذه "المعلومات"، وأنها أتت لتنفيذ أجندة سياسية للرئيس بوش.
من جهة أخرى، فمصلحة حكومة أولمرت، بعد حرب لبنان وانهيار ما تسميه الصحافة الإسرائيلية "قوة الردع" الإسرائيلية، تتطلب النشر المكثف حول هذه العملية. وما جرى منذ لحظة القصف الأولى حتى الآن، يؤكد ذلك: من حيث التكتم ونشر القليل، ثم قليل آخر، وبذلك فُتحت الشهية لمعرفة المزيد، تمامًا مثل رقصة "الستربتيز"، حيث الكشف عن الجسد قطعةً.. قطعة. لذلك يتضح لدينا أن هذا التمنُّع كان هدفه إثارة الشهية أكثر منه منع النشر. وبذلك تم تحقيق هدفين: الأول هو النشر الغامض والمثير عن هذه العملية "المهولة". والثاني هو تأكيد المسؤولية التي يتحلى بها أولمرت الذي يفعل، بعكس أولئك الذين يصرخون فقط.
ولكن السؤال الأهم في هذا السياق: منذ متى تحفل الحكومة الإسرائيلية بمشاعر العرب، قيادات وشعوبًا؟ ما يجري في غزة وما جرى قبل ذلك في رام الله وفي لبنان.. والتاريخ طويل، يثبت أن آخر ما تفكر فيه حكومة إسرائيل هو الحفاظ على مشاعر العرب، وبالذات مشاعر القيادة السورية وهيبتها، فقد تم التحرش بسوريا، بأبشع ما يكون، في عدوان العام 82، من أجل جرها إلى الحرب، وبين الفينة والأخرى يشنون غارات في العمق السوري، بهذه الحجة أو تلك، ويجري الاعتداء على قواعد سوريا العسكرية في لبنان. بالمقابل تكتفي القيادة السورية بأنها سترد على هذه الاعتداءات، في الزمان والمكان الملائمين، ولا أحد يعرف أين يقع هذا المكان الملائم ولا أحد يعرف متى سيأتي هذا الزمان الملائم، في حياتنا أم في حياة أحفادنا، وتبقى الحدود مع سوريا هي الحدود الأكثر هدوءًا من بين الحدود مع الدول الأخرى. ولسنا هنا بصدد مناقشة هذا الأمر، لأن مناقشته ستطول، ولكنا نأخذ على القيادة السورية والدائرين في فلكها المزايدة على الآخرين وحثهم على فعل أشياء لا يقومون هم بها، بحجة الزمان والمكان.
يعني، وهو سؤال افتراضي، هل في حال قيام إسرائيل بالكشف عما فعلته ستقوم سوريا بالرد، إنقاذًا لهيبتها؟ وبشكل آخر نقول فما دام الاغتصاب يجري في السر، فالأمور سالكة، أما إذا بلغت أخبار الاغتصاب مسامع الرأي العام فسيضطر الأمر ذوي المغتصب أو المغتصبة النهوض دفاعًا عن الضحية؟
الحقيقة أنه لا يمكن شراء هذه النظرية، لأنها مناقضة للأحداث نفسها وللتاريخ القريب والبعيد.

عودة بشارات
السبت 3/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع