مبادئ مقدسة



صدر في الاسابيع الماضية الجزء الثاني من كتاب "قلب في الجهة اليسرى" لرفيقنا داني بتر. وتم توزيع الكتاب في احتفال خاص بمناسبة بلوغه الثمانين من العمر. 
علاقتي مع داني بدأت قبل أكثر من خمسين سنة. كنا معًا أعضاء اللجنة المركزية لاتحاد الشبيبة الشيوعية الاسرائيلي. وقد قدّم داني الكثير للجنة المركزية، ففيه دمج نادر من القوة المعرفية والنشاط والاستعداد لتحمل كل مسؤولية وتنفيذ كل مهمة. بعد يوم عمل شاق كمدرّس في المدرسة، خرج تقريبًا يوميًّا للنشاط في لواء الساحل، الذي عمل على تأسيسه وكان سكرتيره. في اللواء، الذي كان بعيدًَا عن مكان سكناه وعمله في التعليم، كانت فروع فعالة مع عدد كبير من الناشطين مثل الخضيرة، بيتح تكفا، هود هشارون، يهود، نتانيا، كفار سابا، هرتسليا، وما إلى ذلك. ولوحظ تأثير داني على النشاط الكبير لفروع اتحاد الشبيبة الشيوعية الاسرائيلي في لواء الساحل.
على مر السنوات، خصّص داني نشاطه ووقته لتمثيل الحزب في نقابة المعلمين (هستدروت المعلمين) من خلال "كتلة المعلمين الدمقراطيين"، وهي كتلة كانت الأخوة اليهودية العربية خلاصة روحها. يجب التأكيد أنّ جزءًا كبيرًا من هذا الأمر جاءء بفضل داني، الذي وقف على رأس القائمة، وكان المندوب المنتخب في مؤسسات هستدروت المعلمين.
لا يمكن تلخيص نشاط داني هنا، وليس من أجل ذلك أكتب. أنا أشعر بحاجة داخلية لذكر العطاء المميّز الذي قام به داني، عندما أنوي هنا الاختلاف مع عدد من المواضيع في كتابه. وعليّ التأكيد على أنّ كل ما سيكتب هنا هو بمثابة النقاش الرفاقي وليس من منطلق المنافسة.
عزيزي داني، للأسف، فإنّه ينقص كتابك موقف أساسي للحزب الشيوعي الفلسطيني وبعد ذلك الحزب الشيوعي الاسرائيلي، منذ إقامته قبل 90 عامًا، وبحسبه فإنّ الحزب الشيوعي يرفض رفضًا تامًّا الرؤية الصهيونية.
نقصني أن أرى في كتابك موقفًا واضحًا، يرفض الصهيونية رفضًا تامًّا، هذه الصهيونية التي تتفاخر بكونها حركة تحرر قومي للشعب اليهودي. لا يمكن للصهيونية أن تكون حركة تحرر قومي، عندما تتبنى هدف تحرير طرف على أنقاض ونكبة الآخر. لا يمكن لحركة أن تكون حركة تحرر قومي، عندما تجد في فترات جوهرية لغة مشتركة مع دول عظمى امبريالية، وتخدم مصالح غريبة.
عرف حزبنا الشيوعي جدالات قاسية بخصوص موضوع العلاقة مع الحركة الصهيونية، جدالات أدت غير مرة إلى انقسامات مؤلمة، مثل الانقسام الذي حصل في العام 1929.
في العام 1962 نشب خلاف شبيه بذلك الذي حصل في العام 1929، وكان لي جزء في هذا الخلاف. أنا كنت معدودًا على الرفاق الذين رأوا بالحركة الصهيونية تشكّل عاملا منع الحل العادل للشعبين اللذين يعيشان على هذه الأرض. في العام 1965 انتهى الخلاف بانسحاب المجموعة المعروفة بمجموعة ميكونيس- سنيه.
للأسف، هناك من يدّعون إنّ حقيقة وجود مجموعات تتميز بالرجعية في المجتمع العربي، يمكنه أن يلغي موقفنا الإيجابي تجاه حركة التحرر الوطني الفلسطينية. هذا التوجه مرفوض لأنّ حركة التحرر الوطني العربية تخوض بشكل مبدئي نضالا عادلا من أجل التحرر القومي، وقد قدّم الحزب الشيوعي الاسرائيلي الدعم لهذا النضال منذ تأسيس الحزب.
أثبت لنا الواقع أنّ مجموعة ميكونيس- سنيه اختفت عن المسرح السياسي، لأنّ موقفها الإيجابي من الحركة الصهيونية قادها إلى دعم خطوات الاحتلال، التي كانت نتيجة مباشرة لحرب حزيران من العام 1967، ونحن نأكل حتى اليوم الفاكهة العفنة نتاج دولة الاحتلال.
نحن الشيوعيون لا نحاول محو هوية مجموعات رجعية في المجتمع العربي وفي المجتمع اليهودي. رفض الجانب الرجعي لا يقودنا إلى التعميم الذي يلغي النضال العادل الذي يخوضه المجتمع الفلسطيني من اجل تحقيق طموحاته القومية الوطنية، عن طريق إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل.   

عزيزي داني، للبذور التي بذرتها خلال عملك المبارك في اتحاد الشبيبة الشيوعية الاسرائيلي، هناك تتمة اليوم. أنا سعيد أن أرى أنّ رفاق اتحاد الشبيبة يقفون في الصف الأول للنضالات بذات الحماس والإخلاص.

عوزي بورشطاين
السبت 3/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع