*جلست لانتظر واذا بمجموعة من "الوجهاء" ذوي الحطات الصفراء أي انها مجموعة من المخاتير والعملاء تخرج من مكتبه. وبعد خروج هذه المجموعه طلب مني الموظف الدخول الى مكتب الحاكم العسكري ودخلت فوجدت هناك الحاكم لوحده بعد خروج هذه المجموعة وطلب مني الجلوس من اجل التحدث سوية وعندها جلست وقلت له تفضل وبدأ الحديث موجها كلامه لي حيث بدأ بالقول اسمع يا توفيق انا هنا أوقع من اجل خروجك من السجن وها هم جماعتك يكتبون في جريدة الاتحاد انهم هم الذين اطلقوا سراحك كيف هذا.عندها اجبته بكل الوضوح ان ما يكتبه رفاقي في صحيفة الاتحاد هو الصحيح بعينه. لانه لولا نضال رفاقي المثابر من اجل اطلاق سراحي لكنت حتى اليوم قابعا في داخل السجن*
*
**من السجن الصغير الى السجن الكبير
لا شك ان الخروج من السجن من وراء القضبان الى الحياه الاوسع نسبيا هو شيء هام بحد ذاته، ولكنه من الناحية العملية خروج من السجن الصغير الى السجن الاكبر في تلك المرحلة وفي تلك الظروف التي عاشتها جماهيرنا العربية في هذه البلاد في ظل الحكم العسكري البغيض. فقد كانت تحركات جماهيرنا مقيدة ولا يمكن التحرك الا بتصريح وهذا عمليا كان بمثابة سجن لنا جميعا وهذا السجن سجن الحكم العسكري لم تكن نهايته عند الغاء نظام الحكم العسكري بالنسبة لبعض الشيوعيين والوطنيين. حيث جاء فيما بعد ما سمي في ذلك الوقت بـ"القوائم السوداء" حيث فرضت الاقامات الجبرية او ما سمي في ذلك الوقت بتحديد الاقامة لعدد كبير من قيادة الحزب الشيوعي العرب وبعض الشخصيات الوطنية وسوف اتي على ذلك فيما بعد بشكل واضح ومفصل اكثر.
كان خروجي من السجن بالنسبة لي نقطة تحول جديدة في حياتي. خاصة وانني شعرت اكثر باهمية الدور الذي يجب ان اقوم به والذي يجب ان اخذه على عاتقي وبشكل خاص عندما توافدت الوفود الكثيرة والكبيرة لزيارتي بعد خروجي من السجن من اهالي قريتي اولا ومن ثم الوفود التي جاءت من اغلبية فروع الحزب والشبيبة الشيوعية يهودا وعربا، وفي مقدمتهم قيادة الحزب الشيوعي والشبيبة القطرية والمنطقيه في ذلك الوقت ونتيجة لذلك شعرت بالمسؤولية التي يحملني اياها رفاقي ومن الواجب ان اكون على قدر المسؤولية التي يتوخاها مني رفاقي محليا ومنطقيا وقطريا. وهذا الواقع ادى بي الى زيادة تمسكي بالحزب وبمبادئه السامية.
كان من بين الرفاق الذين زاروني بعد خروجي من السجن الرفيق نمر مرقس هذا الرفيق الذي عرفته معلما لي في مدرسة عرابة الابتدائية وذلك في اوائل الخمسينات لفتره قصيرة. ولكن تعرفي عليه هذه المرة كقائد للشبيبة الشيوعية في منطقة الناصرة. بعد ان فصل من وظيفته كمعلم مع معلمين ديموقراطيين اخرين كنت قد ذكرتهم سابقا وهم بالاضافة له الياس دلة وعيسى لوباني. وفي احد الايام وبعد خروجنا من اجتماع للشبيبة في منطقة الناصرة طلب مني مصاحبته الى احد المطاعم مقابل كنيسة البشاره قرب عين العذراء وهذا المكان كان ملتقى للشيوعيين واصدقائهم في ذلك الوقت وجلسنا هناك وخلال هذه الجلسة فهمت منه انه يتحمل مسؤولية عليه القيام بها وهي اجراء مقابلة معي لمجلة الغد الناطقه باسم الشبيبة الشيوعية وكان ذلك في شهر كانون ثاني سنة 1960 أي بعد خروجي من السجن بعده اسابيع وفعلا اجرى هذه المقابلة ونشرت في مجلة الغد تحت عنوان "فرخ نسر وعاصفة" ومنذ ذلك الوقت توثقت علاقاتي مع هذا الرفيق وسوف اتى فيما بعد عن عملنا المشترك في قيادة الشبيبة الشيوعية في منطقة الناصرة وفي عمل الحزب القطري بشكل عام.
بعد خروجي من السجن بحوالي اسبوعين او اكثر ذهبت الى مدينة شفاعمرو حيث هناك يوجد مكتب التصاريح ومكتب الحاكم العسكري للمنطقه وكان الهدف هو طلب تصريح للسفر الى حيفا وعندما عرفني الموظف هناك والمعروف بـ"أبو يوسف" طلب مني الانتظار وقال لي ان الحاكم العسكري يريد ان يقابلك فسالته من اجل ماذا يريد ان يقابلني فقال لا اعرف وعندما تدخل اليه سوف تعرف ماذا يريد وانتظرت هناك ما يقارب النصف ساعة. ولكن الحاكم لم يطلبني للمقابلة فتوجهت الى الموظف وطلبت منه اعطائي التصريح لانه لا يوجد لدي الوقت اكثر اريد السفر الى حيفا حيث ينتظرني هناك عمل هام. عندها طلب مني انتظار لحظة واسرع الى غرفة الحاكم العسكري وعاد بعد قليل ليقول لي انتظر يا توفيق لحظات فقط وسوف تدخل حالا الى مكتب الحاكم العسكري. وجلست لانتظر واذا بمجموعة من "الوجهاء" ذوي الحطات الصفراء أي انها مجموعة من المخاتير والعملاء تخرج من مكتبه. وبعد خروج هذه المجموعه طلب مني الموظف الدخول الى مكتب الحاكم العسكري ودخلت فوجدت هناك الحاكم لوحده بعد خروج هذه المجموعة وطلب مني الجلوس من اجل التحدث سوية وعندها جلست وقلت له تفضل وبدأ الحديث موجها كلامه لي حيث بدأ بالقول اسمع يا توفيق انا هنا أوقع من اجل خروجك من السجن وها هم جماعتك يكتبون في جريدة الاتحاد انهم هم الذين اطلقوا سراحك كيف هذا.عندها اجبته بكل الوضوح ان ما يكتبه رفاقي في صحيفة الاتحاد هو الصحيح بعينه. لانه لولا نضال رفاقي المثابر من اجل اطلاق سراحي لكنت حتى اليوم قابعا في داخل السجن. وانتم الذين حكمتم علي بالسجن ظلما وبهتانا بدون ان ارتكب أي جرم بل فقط لاني اردت ان امارس حقي الديموقراطي في التظاهر يوم الاول من ايار عيد الطبقة العاملة وحتى بالرغم من انني لم اتمكن من الوصول الى الناصرة في ذلك اليوم بل اعتقلت في الطريق عند كفركنا. هل هذا يتطلب مثل هذا الحكم الجائر الذي صدر بحقي في ذلك الوقت. عندها نظر الي نظرة استغراب وقال لي هكذا اذا انت تفكر. فاجبته نعم هذا هو تفكيري وهذه هي قناعاتي وهذه هي الحقيقه. وعندما انتهت المقابلة وخرجت الى الموظف واخذت تصريح الى حيفا من اجل العمل هناك ومن اجل الالتقاء مع الرفاق المسؤولين والاصدقاء في حيفا وكان لقائي الاول مع طيب الذكر الرفيق جورج طوبي الذي كان احد قادة الشبيبة الشيوعية القطرية في ذلك الوقت وهناك عرفني لاول مره على الرفيق وجيه سمعان الذي كان سكرتيرا لمنطقة حيفا للشبيبة الشيوعية وكذلك بعده تعرفت على الرفيق طيب الذكر سليم سمعان الذي كان سكرتيرا لفرع الشبيبة الشيوعية في حيفا. وقد ربطني بهم علاقة رفاقية قوية وكذلك مع اهلهم واخوانهم هذه العلاقه التي لا يمكن ان انساها ابدا وبعدها تعرفت على عدد اخر من رفاق الشبيبة في حيفا يهودا وعربا ومن الناحيه العمليه فاني بعد خروجي من السجن بعد اسابيع عدت الى نشاطي الطبيعي والعادي في صفوف الحزب والشبيبة الشيوعية ولقيادة فرع الشبيبة في عرابة. خاصة بعد ان وجدت ان نشاط الفرع كان في فترة ركود نسبي في تلك الفترة. نتيجة لانشغال بعض الرفاق خارج القرية وانشغال البعض بامور اخرى وتقاعس البعض الاخر. وبناء على هذا الوضع الذي كان عملت مع عدد من الرفاق من اجل اعادة نشاط الفرع ومن اجل اخذ دوره الطبيعي بين فروع الشبيبة بشكل عام وبين فروع منطقة الناصرة بشكل خاص. وعلى اساس هذا الواقع بدأنا العمل وبشكل جدي ومتواصل من اجل هذا الهدف وكان الرفيق نمر مرقس قد تسلم مسؤولية قطاع البطوف للشبيبة الشيوعية وفرع عرابة هو احد الفروع المركزية في هذا القطاع. وبالنسبة لي كان طبيعيا ان ابدا في البحث عن عمل من اجل ان اقوم بواجبي السياسي والاجتماعي بين الشباب وفي صفوف الحزب والشبيبة الشيوعية كان لا بد من ايجاد عمل لي. وخلال وجودي في السجن كنت قد عملت في مهنة النجارة. وعلى هذا الاساس وجدت مكان عمل لي في هذه المهنة في مدينة حيفا وقد عملت هناك لفترة عدة اشهر فقط وخلال عملي في حيفا طلب مني اخي سليم ان اعود للقريه من اجل ان نعمل سوية في هذه المهنه لانه هو كان قد اصبح معلما بهذه المهنه خاصة وانه كان قد بدا العمل بهذه المهنة منذ اواخر الخمسينات على ما اذكر. وعندما قبلت طلبه وعدت للعمل مع اخي في عرابة وعملنا سوية مدة خمس سنوات تقريبا.
من الناحية العملية رايت ان عملي داخل القرية افضل من العمل خارجها خاصة وانه بالاماكن ملاحقة عمل الحزب والشبيبة في عرابه بشكل افضل. لانه من خلال تواجدي اليومي في القرية يعطيني الوقت الكافي من اجل قيادة فرع الشبيبة في القرية وفي تلك الفتره كنت قد انتخبت لعضوية سكرتيرية منطقة الناصره للشبيبه الشيوعية. وبناءا على هذا القي على عاتقي ايضا مهمات من اجل المساعده في فروع اخرى في المنطقه. وخلال هذه الفترة بدات فروع الشبيبة الشيوعية في قرى البطوف تعيد تنظيمها بشكل افضل وبدات بالتطور وباخذ دورها في معارك شعبنا اليومية والقومية وكانت دائما الشبيبة الشيوعية هي الكتيبة الشبابية الاولى التي يعتمد عليها الحزب في مجابهة كل التحديات التي تواجهنا وهي من الناحية العملية المحرك الاساسي لجماهير الشباب في مواجهة أي تحدي وكانت دائما قدر المسؤولية التي تلقى على عاتقها من قبل الحزب الشيوعي.
(عرابة البطوف)
(يتبع)
توفيق كناعنة*
الجمعة 2/5/2008