ماركس و"الفلورنسيّ العظيم"



الأوّل من أيار فرصة سنوية متجددة للتعامل جديًا مع مقولة "يا عمال العالم إتّحدوا!". لننتبه: عمّال العالم وليس أديانه ولا قومياته ولا بعض نخبه البرجوازية والبيروقراطية بالطبع (حتى من تلك التي نمت في أحزاب شيوعية)، تلك التي تراها أحيانًا تفصّل مقترحاتها السياسية بما ينسجم مع لون ربطات عنقها أو لون طقم صالونها أو لون العملة الأجنبية التي تتقاضاها مقابل جهودها الرفيعة.
سيكون من غير المجدي الاكتفاء بالاحتفال الوحيد الاستعراضي بيوم أيّار سنويًا، على أهميته السياسية المباشرة والمعنوية، بدلا من جعله أيضًا محطة لإعادة النظر، وجعل النظر ثاقبًا أكثر. أصلا، كارل ماركس نفسه (الذي لا أعتمده بإطلاقية غيبية، احترامًا له  وخشية من، ورفضًا لجعله صنمًا جامدًا)، قد جاهر بمراجعته لنفسه وكذلك باحترامه لمن كانوا على النقيض منه بفكرهم.

 

ففي تذييله للطبعة الثانية من مؤلفه المُلهم رأس المال كتبَ ماركس كيف أنه نقّح وغيّر في النص الأصلي الصادر في الطبعة الأولى، و"أعاد بالكامل تحرير" بعض الأجزاء. لكن هذا لم يكن يعني التنازل عمّا قاله، بحزم، في مقدّمة الطبعة الأولى من أنه سيكون سعيدًا "بكل حكم نابع من النقد العلمي. أما ما يتعلّق بأوهام ما يسمى بالرأي العام، الذي لم أتنازل أمامه أبدًا، فإن شعاري لا يزال، كما كان، هو كلمات الفلورنسيّ العظيم: سر في طريقك ودع الناس يقولون ما يشاءون"، وكان يقصد بذلك دانتي مؤلف "الكوميديا الإلهية".
لم يكن دانتي ماركسيًا لكنه مرجع بالنسبة لماركس، مثلما لم يكن المفكرون المثاليون ماركسيين لكنه جاهر باحترامه لهم بقوله: "لقد شرع المقلّدون، الصاخبون، المتصنّعون، والتافهون للغاية (...) يستهينون بهيغل مثلما كان المقدام موريس مندلسون يستهين بسبينوزا كـ"كلب ميت". ولذلك أعلنت عن نفسي بصراحة أنني تلميذ لهذا المفكر العظيم، وحتى أنني عمدتُ في بعض مواضع الفصل المتعلّق بالقيمة الى محاكاة طريقة هيغل في التعبير".
ربما ليست هناك حاجة بحزبنا الشيوعي في إعلان نفسه تلميذًا لأحد، ولا في محاكاة طريقة أحد. لكن هذا لا يعني الخوف من التمعّن في أفكار مختلفة (بل تبدو ظاهريًا فقط مختلفة) وممارسات مكرّسة. ويزداد هذا تأكيدًا وقوّة، بكون هذا الحزب كان أوّل من سمّى الأمور بأسمائها بوضوح، في بلادنا. فلنضع الأسماء والأفعال تحت وهج الشمس، هذا هو السبيل للحفاظ عليها يانعة وحيّة.

هشام نفاع
الجمعة 2/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع