(الحلقة الأولى)
في الذكرى الخمسين لملحمة النضال الطبقي "الهبّة الحمراء" التي خاضها عمالنا في الناصرة



*تشكيل لجنة اول أيار في الناصرة والقضاء* البيان الأول للجنة ... بيان أممي وحدوي وغير متخاذل* الكشف ولأول مرة عن وثائق تؤكد حقيقة المؤامرة التي حاكتها السلطة واعوانها ضد قيادة الحزب وأعضائه* الوثائق التي سنتناولها في حلقات قادمة تؤكد تحقيقات الشرطة مع المعتقلين كانت بـ "الجُملة".. لكنهم صمدوا امام التهديد والتعذيب* طُلب من والد احد الفتيان المعتقلين إرسال برقية قذف وشتائم ضد قيادة الحزب كي يُطلق سراح ابنه* لجنة حقوق الإنسان تتجند في معركة الدفاع عن المعتقلين* برقيات تضامن من الرفاق اليهود إحداها كتبت بالعربية من رفاقنا في رمات غان* تشكيل لجان شعبية من أجل جمع التواقيع لإطلاق سراح المعتقلين* لجنة الأدباء العرب تتجند في الحملة والكشف عن رسالة بهذا الخصوص* تشكيل لجنة عائلات المعتقلين وتنظيم لقاءات للنساء مع صحافيين وجمع التبرعات لدعم صمود العائلات* لأول مرة نكشف عن برقية تضامن أممية من نقابات دولية* الكشف عن تقرير "سري" بخصوص موقف الشرطة من مظاهرة 1958* تواقيع استنكار تُثير المشاعر من جميع انحاء البلاد تطالب بإطلاق سراح المعتقلين* نقل أقوال عدد من أبطال هذه الملحمة من ام الفحم*

 

*مقدمة*

عندما سنحت لي فرصة للاطلاع على البعض من الوثائق المتعلقة باحداث اول ايار 1958، اكتشفت ان ما نقلناه من ذكريات الذاكرة لعدد من رفاقنا هو بمثابة تسجيل حي ودقيق للأحداث التي جرت في هذه المناسبة النضالية، لكن هذه الوثائق تحمل في طياتها اتهامات لقيادة الحزب يومها بأنها قيادة "قومجية عروبية"... ومن قام بتوجيه هذ التهمة هم منفذو السياسة القمعية تجاه العمال العرب وتجاه قيادة الحزب التي دأبت يومها على تحدي سيف السلطة المُتمثل بالحكم العسكري وأذرعه المختلفة التي حاولت وما زالت الترويج لمثل هذه التهم حتى يومنا هذا وللأسف الشديد.
لم يكن من السهل تجميع بعض الوثائق وصور عنها، لقد كلفني هذا المشوار الجهد الجهيد، والعناء المتواصل، ورغم أن هناك وثائق ما زالت طي النسيان إلا انني أستطيع القول أن ما جمع امر هام، خاصة في الجانب المُظلم منه أي السلطوي، وعند مراجعة تلك الوثائق نستطيع القول أنها ملحمة نضالية خاضها أبطال من العمال وقيادتهم الشيوعية، هذه القيادة التي قدمت الكثير من التضحيات في معركة الصمود والتصدي، آمل أن تلقي هذه الحلقات الأضواء على الكثير من المعلومات التي نشرها البعض من رفاقنا في مذكراتهم، ولهؤلاء الأبطال المخضرمين نقول إننا فخورون بصمودكم وتحديكم، فخورون بأمميتكم التي لا تهتز مهما كانت الظروف.
لم يردع قيادة الحزب التحريض الذي قامت به قوى الظلام أي الحكم العسكري وخفافيشه المُفلسة أي إفلاس، وباشرت التحضير لمظاهرة أول ايار 1958 من خلال وعيها الحقيقي المنطلق من الإيمان بالأممية الحقيقية وليس "الشعاراتية"، وان يجري تحويل مظاهرة اول ايار في الناصرة الى مظاهرة كفاحية، تتصدى من خلالها قيادة الحزب لمظاهر "الإحتفالات" بمناسبة مرور عشر سنوات على قيام إسرائيل والتي خططت لها جهات مختلفة في الحكومة وذراعها الحكم العسكري والهستدروت والمبام.
في تاريخ 12\4\1958 صدر بيان عن "لجنة أول أيار لعمال الناصرة  والقضاء " تحت عنوان: "ليجعل عمالنا وفلاحونا وأبناء شعبنا من اول ايار، يوم وحدة ونضال في الدفاع عنحقوقهم القومية واليومية المسلوبة" وجاء في مقدمة البيان الذي قام نشطاء لجنة اول ايار بتوزيعه في الناصرة والقضاء ما يلي :"في هذه الأيام، التي تتغلب فيها قوى الشعوب على الإستعمار وقوى  السلام على الحرب، ويعلو فيها صوت الكفاح مبشرا في كل يوم بإنتصارات جديدة ،في هذه الأيام الحاسمة تستعد الطبقة العاملة في انحاء العالم أجمع ،للإحتفال بيوم اول ايار، يوم الوحدة والنضال، تحت شعار، يا عمال العالم إتحدوا!".
وجاء ايضا: "وفي كل بلد، سيرص عماله وفلاحوه صفوفهم، وسترتفع أصواتهم مدوية تصعق المُستغِلين والمستعمرين وأجراءهم، معبرة  عن الثقة الوطيدة بانتصار الطبقة العاملة على مُستَغِليها ومجوعيها وناهبي قوت يومها، بالإنتصار الإشتراكية السعيدة على الرأسمالية الغاشمة ،منبع مصائب المجتمع وآفاته....".
هذا البيان يحمل الكثير من التحدي لقوى الشر التي كانت تعشعش بمختلف الاشكال بين ظهراني مجتمعنا، ويجمل هموم واماني الطبقة العاملة العربية في ظل الحصار القمعي الذي مارسته قوى الحكم العسكري وغيرها من القوى الحليفة منها الرجعية المحلية. لم يتردد أعضاء لجنة اول ايار عن طرح القضايا المختلفة التي حملها العلم العمالي والشعبي في ظل سياسة القمع والحصار والتجويع، سياسة السلطة الحاكمة التي كانت تحاول إذلال الجماهير التي بقيت متشبثة بوطنها، ولم تكن بعد قد تكشفت تلك النقاشات والوثائق التي قام قادة الحكومة الإسرائيلية وأحزابهم ونقاباتهم بمناقشتها وهدفها الأول والأخير هو قمع الأقلية العربية الفلسطينية والعمل على التخلص من وجودها. وجاء في البيان المطوّل: "وفي بلادنا، سيرتفع صوت عمالها  وفلاحيها وأبنائها المناضلين، عاليا من أجل القضاء على سياسة الحكومة ،التي تجلب في كل يوم كارثة جديدة على العمال والكادحين وجماهير الشعب، سياسة الحرب والعدوان ودوس الحقوق والاستغلال والبطالة والجوع والغلاء والضرائب المُجحفة. سياسة الاضطهاد القومي والحكم العسكري والطرد من العمل وحرماننا نحن العمال العرب من حقنا الأولي في التنظيم". 

وعن تشكيل "لجنة اول أيار" جاء في البيان نفسه ما يلي: "أيها الإخوان! لقد قامت في الناصرة لجنة واسعة للتحضير لمظاهرة اول ايار. وهذه اللجنة التي تمثل عمال الناصرة تضم قادة نقابيين وعمالا من اماكن عمل مختلفة، منهم المنظمون في النقابات المهنية ومنهم الذين ترفض النقابات المهنية بشكل استبدادي وحتى دون إبداء الأسباب قبولهم كأعضاء فيها ...." وهكذا نرى ان من اهم المطالب التي طرحتها اللجنة التحضيرية تتعلق بحق العامل العربي بالتنظيم المهني. ووقف سياسة إغلاق أبواب النقابات المهنية والهستدروت في وجهه، تلك المعركة قادها الحزب الشيوعي  ومؤتمر العمال العرب الذي واصل قيادة الحركة النقابية ما بعد العام 1948 بقيادة النقابيين الشيوعيين الذين فارقونا وعلى رأسهم النقابيان سليم محمود القاسم وجمال موسى. وكان النقابي سليم القاسم من قادة "لجنة اول ايار في الناصرة" يومها. وواصل البيان شرح ما يتعرض له العمال العرب من "حملات تمشيط" في اماكن عملهم في المدن والمستوطنات اليهودية وتقف وراء هذه "الحملات" البوليسية قيادة الهستدروت وبذلك ".. تقذفنا في أحضان البطالة والجوع.."، وطرحت اللجنة في بيانها مطلب "إقامة مجلس عمال" لعمال الناصرة لإحقاق الحقوق النقابية أسوة بزملائهم من العمال اليهود.
على ضوء هذه المطالب تؤكد اللجنة في بيانها على ضرورة تنظيم مظاهرة اول ايار التقليدية في الناصرة وتقول: "ولذلك سيرتفع عاليا صوت العمال العرب في البلاد ،في أول أيار، يشجب هذه السياسة العدائية التي تنتهجها قيادة الهستدروت المبائية ضد العمال العرب، والتي هي جزء لا يتجزأ من سياسة الاضطهاد القومي الحكومية، إن العمال، العرب سيستلهمون القوة والعزم من وحدتهم النضالية في أول أيار لتشديد نضالهم ضد هذه السياسة من أجل حقوقهم اليومية والنقابية وإحترام كرامتهم القومية".

 

*حكمة العمل الجماعي... دعوة كافة الجهات بما فيها القوى الدمقراطية اليهودية للمشاركة*

رغم قيام أجهزة السلطة المتمثلة بالحكم العسكري وغيره بالتحريض الأرعن على اللجنة وعلى المظاهرة -علينا الا ننسى أنها مظاهرة سنوية تقليدية- بأنها تحمل "التطرف القومي والقومجيين هم الذين يعدون لها" إلا أننا نجد في البيان نفسه دعوة علنية وصادقة الى جميع الأطر النقابية للمشاركة  وجاء في البيان الأول نفسه وعلى صفحته الثانية الفقرة الثانية من نفس الصفحة ما يلي: "وحرصا منّا على وحدة عمال الناصرة والقضاء في أول أيار، وجهت لجنتنا الى المسؤولين في النقابات المهنية رسالة تدعوهم فيها الى الاشتراك في اللجنة بإرسال ممثلين عنهم كأعضاء فيها، من اجل التحضير لاحتفالات موحدة ومظاهرة واحدة، الأمر الذي هو  رغبة عمال الناصرة القديمة والمتجددة دائما". هذا النداء يؤكد على حقيقة هامة تنسف الكثير من التصورات- التحريض- السلطوي، والذي قام بحملة تحريضية رهيبة عشية احتفالات الأول من أيار 1958، ضد الحزب الشيوعي وقيادته وضد اللجنة التحضيرية، وكانت هذه المظاهرة مظاهرة تحد لإحتفالات العقد الأول لإقامة إسرائيل، وليس قرار الأحزاب الأخرى تنظيم مسيرات احتفالية منفصلة تحاول من خلالها  تزييف الواقع لدى جماهيرنا وعمالنا .
وجاء في نفس السياق  تأكييد على ان نضال العمال العرب هذا هو نضال أممي من خلال التأكيد على دعم القوى الدمقراطية اليهودية للمظاهرة واللجنة والمشاركة الواسعة فيها، وشمل البيان بهذا الخصوص ما يلي: "اننا نتوجه الى جميع العمال المنظمين في النقابات المهنية للاتصال مع المسؤولين والضغط عليهم من أجل تلبية دعوتنا هذه، قولوا لهم أن مصلحة نضالنا من أجل حقوقنا السليبة، من اجل كرامتنا الإنسانية والقومية، تتطلب توحيد الصفوف وتكتيل القوى، تتطلب التعبير موحدين في اول ايار عن سخطنا (ضد) هذه السياسة وعن إستعدادنا لمواصلة نضالنا بقوة أشد من أجل العمل ولقمة الخبز الحلال والحياة بكرامة، واننا واثقون من تأييد القوى الديمقراطية اليهودية لنضالنا هذا".
وشمل البيان في فقرته الأخيرة دعوة للعمال الى تقديم الدعم المعنوي والمادي وجاء فيها: "إن لجنة اول أيار تتوجه اليكم ليس من أجل الإلتفاف حولها والسير بقيادتها في مظاهرة أول أيار فحسب، بل من أجل دعمها ماليا. إننا نهيب بكم هاتفين: تبرعوا للمظاهرة بأنفسكم وتبرعوا للتحضيرات بقروشكم القليلة". وجاء في نهاية البيان: "إننا جزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني، رغم عربدات الحكام، جرحنا واحد، ومأساتنا واحدة، وهدفنا واحد، ومصيرنا واحد. وفي أول أيار، سنهتف كرجل واحد، على طريق الكفاح مع شعبنا الفلسطيني، سنسير حتى يوم النصر، يوم عودة اللاجئين وممارسة شعبنا حقه في تقرير مصيره.

 

- عاش اول ايار، يوم تضامن الطبقة العاملة الأممي.
- عاش السلام ولتسقط الحرب.
- عاشت أخوة الكادحين اليهود والعرب.
- لتسقط سياسة الحرب والجوع والاضطهاد القومي.
- عاش عمال الناصرة موحدين مناضلين من أجل حقوقهم المسلوبة.
- عاش شعبنا العربي الفلسطيني، في نضاله المنتصر من أجل عودة لاجئيه وحقه في تقرير مصيره."

الناصرة في 12\4\1958  
                لجنة أول أيار لعمال الناصرة

 

في الحلقة القادمة منشور اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الذي صدر عشية أول ايار تحت عنوان: "عاش أول أيار يوم تضامن الطبقة العاملة.."، ومقاطع من البيان الأخير للجنة أول أيار لعمال الناصرة والقضاء  تحت عنوان: "شاركوا في مسيرة الحرية الكبرى في شرقنا الصاعد نحو النُّور...!".

جهاد عقل
السبت 26/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع