حزبنا الشيوعي يُحيي 90 عامًا من النضال:
ذكريات خِتيار لم تمُتْ أجياله (16)



*حتى اواخر سنة 1959 كان قد خرج من السجن معظم سجناء اول ايار بعد ان انتهت مدة حكمهم، باستثناء الرفيق محمد شريدي الموجود في سجن شطة وانا في سجن الدامون. وفي هذه الفترة خرج من السجن مجرمو مجزرة كفرقاسم الذين ارتكبوا جريمة قتل تسعة واربعين مواطنا أعزل آمنا من كفرقاسم. وعلى هذا الاساس زادت الجبهة والحزب والشبيبة الشيوعية من نضالها من اجل اطلاق سراحنا من السجن، وقالوا: ان المجرمين الذين قتلوا 49 انسانا بدم بارد خرجوا من السجن بينما سجناء اول ايار الذين تظاهروا من اجل قضايا نقابية وانسانية وقضايا شعبهم بشكل عام ما زلوا يقبعون في السجن. وكان قد تبنىهذا التحرّك اعضاء الكنيست الشيوعيون والمحامي حنا نقارة طبعا بالاضافة للنشاط العام للحزب والشبيبة الشيوعية، وبناء على هذا النشاط الواسع جرى اطلاق سراحي في اواخر شهر كانون اول سنة 1959*

 

لم اكن في الماضي اعرف اي رفيق من رفاق ام الفحم الا ما كنت اقرأ عنهم في الصحف، ولذلك كانت معرفتي بهم داخل السجن، ونحن من الجليل لا نستطيع الذهاب الى المثلث نتيجة لنظام التصاريح. وتوطدت علاقاتي مع عدد كبير من هؤلاء الرفاق، وحتى اليوم ما زالت تربطني بهم بالاضافة للعلاقات الرفاقية علاقات الصداقة والزيارات الشخصية مع توفيق الحصري "ابو الهمام" ومع اخيه ابراهيم الحصري "ابو البديع" والرفيق مصطفى عسلية "ابو اكرم" وغيرهم من الرفاق هناك. وحتى اواخر سنة 1959 كان قد خرج من السجن معظم سجناء اول ايار بعد ان انتهت مدة حكمهم، باستثناء الرفيق محمد شريدي الموجود في سجن شطة وانا في سجن الدامون. وفي هذه الفترة خرج من السجن مجرمو مجزرة كفرقاسم الذين ارتكبوا جريمة قتل تسعة واربعين مواطنا أعزل آمنا من كفرقاسم. وعلى هذا الاساس زادت الجبهة والحزب والشبيبة الشيوعية من نضالها من اجل اطلاق سراحنا من السجن، وقالوا: ان المجرمين الذين قتلوا 49 انسانا بدم بارد خرجوا من السجن بينما سجناء اول ايار الذين تظاهروا من اجل قضايا نقابية وانسانية وقضايا شعبهم بشكل عام ما زلوا يقبعون في السجن ومن بينهم محمد شريدي وتوفيق كناعنة الذي اعتدي عليه داخل السجن، حيث طالبوا باطلاق سراحي ايضا من اجل المعالجة خارج السجن. وكان قد تبنىهذا التحرّك اعضاء الكنيست الشيوعيون والمحامي حنا نقارة طبعا بالاضافة للنشاط العام للحزب والشبيبة الشيوعية، وبناء على هذا النشاط الواسع جرى اطلاق سراحي في اواخر شهر كانون اول سنة 1959 حيث قضيت في السجن مدة عشرون شهرا، وفي يوم اطلاق سراحي من السجن في الوقت الذي كنت ما زلت استلم اغراضي التي كانت محجوزة واذا بالضابط الذي ذكرته سابقا يقول لي "ها يا كناعنة متى ستعود الى السجن" وفي تلك اللحظة كان ينتظروني في الخارج على باب السجن والدي والرفيق جورج طوبي، فأجبته بحماس الشباب "ممكن ان اعود ولكن اذا عدت سأعود بشكل اخر، انا سأكون الجالس هنا مكانك وانت في داخل السجن" وهذه كانت اخر محطة لي مع هؤلاء السجانين في تلك الفترة. وكان قد بقي بعدي في سجن شطة الرفيق محمد شريدي "ابو سامي" والذي ازدادت الحملة من اجل اطلاق سراحه خاصة بعد ان رفضت لجنة بحث تخفيض ثلث المدة للرفيق محمد شريدي وعلى هذا الاساس استأنف المحامي الشيوعي الرفيق هرتسبرغ على هذا القرار الى محكمة العدل العليا وبناء على هذا قررت المحكمة الطلب من اللجنة اعادة النظر في قضيته الامر الذي ادى الى اطلاق سراح الرفيق محمد شريدي بتاريخ 20\04\1960 هذا الرفيق الذي قضى في تلك الفترة منذ قيام الدولة اكثر من خمس سنوات في السجون الاسرائيلية حتى ذلك التاريخ، انه كان مثال الشيوعي الصلب والمبدئي والمخلص حتى النهاية.
من ناحيتي اعتبر هذه المرحلة من اهم المراحل في حياتي كشاب في مقتبل العمر جابه مثل هذه المصاعب. فهذه الاحداث قد صقلتني سياسيا وفكريا وزادتني تمسكا بالحزب وبمبادئه السامية، وكانت نقطة تحول هامة في حياتي وكذلك في حياة جماهيرنا العربية في هذه البلاد لان احداث ايار كانت اول انتفاضة جماهيرية لجماهير شعبنا الذين بقينا في وطننا، وان هذا الواقع قد ادى الى زيادة تلاحم الشيوعيين مع القوى الوطنية الصادقة التي نتيجتها ادت الى خلق الجبهة الشعبية، هذه الجبهة التي اخذت دورا هاما في تلك الفترة بين جماهير شعبنا، والتي استطاعت ان تجند قوى واسعة من بين الجماهير اليهودية الى جانب قضايا شعبنا ومن اجل الغاء الحكم العسكري المفروض على جماهيرنا بشكل عنصري وتعسفي، ولكن السلطات عملت بكل الاساليب الرخيصة من اجل تقويض وحدة الجبهة من خلال استغلالها للحملة المعادية للشيوعية التي قام بها جمال عبد الناصر نتيجة لخلافه مع الشيوعيين بشكل عام ومع الشيوعيين المصريين والسوريين بشكل خاص حول قضية الوحدة العربية، والتي رأى بها الشيوعيون انها ضرورية وهامة ولكن من الضروري ان تقوم على اسس سليمة واضحة من اجل استمراريتها، وان الوحدة يمكن ان تستمر اذا قامت على الاسس الدمقراطية الصحيحة. والمؤسف ان القائد الخالد جمال عبد الناصر رأى في هذا الموقف وكأنه معادٍ للوحدة ورأينا النتيجة التي ادت الى فسخ هذه الوحدة. ان هذا الخلاف استغله حكام اسرائيل والاحزاب الصهيونية من اجل بذر بذور الفرقة بين الشيوعيين وبعض الشخصيات الوطنية والقومية، وقد حذر الحزب الشيوعي في ذلك الوقت من الانجرار وراء هذا التحريض على الشيوعية. وقد نبه الحزب الشيوعي حيث اكد ان المشترك والموحد بين الشيوعيين والقوى الوطنية والقومية هو اكثر بكثير من المختلـَف عليه والمفرِّق لوحدة الصف الكفاحية لجماهير شعبنا في هذه البلاد. ومن المؤسف انه نتيجة لهذا الواقع لم تدم هذه الجبهة طويلا. ان احداث ايار سنة 1958 قد خلقت الجبهة الشعبية كما قلت سابقا وهذا نتيجة للهبة الشعبية التي تحدثنا عنها كما ان الهبة الشعبية في يوم الارض الخالد سنة 1976 قد خلقت الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة. ولو ان كل الذين أيدوا وانضموا الى الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة حافظوا على تمسكهم بها وبمبادئها لكانت هذه الجبهة اليوم من الكتل الكبيرة في البرلمان الاسرائيلي ولكانت اكثر واوسع جماهيرية بين جماهير شعبنا. ولكن الانانية والذاتية عند بعض الاشخاص ادت بهم الى ان يكونوا خارج صفوف الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة، وسوف آتي علىهذه القضية خلال حديثي القادم عن يوم الارض والتحضير له ونتائجه التي جرت في تلك الايام.
اننا اليوم نعيش مرحلة جديدة من التطور في عالمنا؛ هذا العالم الذي اصبح يتحكم بمصيره ومقدراته القطب الواحد. وفي ظل مثل هذا الواقع جرت تغيّرات كثيرة في المفاهيم وحتى في سلوك الناس، ولذلك نرى اليوم من يتباهى بانتمائه للاحزاب الصهيونية ويعلنها على الملأ بدون احراج وحتى أننا نرى اليوم رئيس بلدية يعلن وبكل صفاقة انه سوف يستضيف احتفالات عيد الاستقلال في مدينته!.. هل كان يمكن لهذا ان يحدث في الماضي؟! فحتى اولئك الرؤساء الذين كانوا مرتبطين مع احزاب السلطة لم يتّخذ أي منهم مثل هذا الموقف المهين لنفسه ولقضية شعبنا. صحيح انهم كانوا يشاركون في مثل هذه الاحتفالات ولكنهم لم يستضيفوها ولا مرة.
ان هذه السنة هي سنة خاصة تجري فيها ثلاث مناسبات وهي الذكرى الستون لقيام دولة اسرائيل والذكرى الستين لنكبة شعبنا العربي الفلسطيني؛ والذكرى الخمسون لاحداث ايار سنة 1958. نحن لسنا ضد قيام دولة اسرائيل ولكننا ضد سياستها العدوانية ضد شعبنا العربي الفلسطيني ونعمل من اجل ان ينفذ الشق الثاني لقرار الامم المتحدة لسنة 1947 الداعي الى قيام دولتين في فلسطين، دولة اسرائيل والدولة الفلسطينية. فاسرائيل قامت بموجب هذا القرار ولكنها تخطته حيث احتلت جميع اراضي فلسطين التاريخية وما زالت تقتل وتدمر حتى يومنا هذا، ولذلك ومن غير الطبيعي ان يقوم اي عربي يعتز بانتمائه لشعبه ان يشارك في مثل هذه الاحتفالات، وواجبنا نحن اليوم العمل على التحضير الواسع من اجل احياء ذكرى اول ايار المجيد. فمن الضروري العمل المنظم والمكثف من اجل ان تكون هذه المظاهرة مميزة بجمهورها وبشعاراتها والعمل من اجل ان يكون اوسع اشتراك جماهيري في هذا اليوم الخالد وهذه مهمة تقع على عاتق جميع الرفاق في الحزب الشيوعي والجبهة الدمقراطية وكذلك تقع على عاتق الشبيبة الشيوعية مهمة خاصة والتي كان لها دائما دورا خاصا وقائدا لجمهور الشباب، وانا متأكد من ان الحضور الشبابي سيكون بارزا ومميزا ايضا في هذه السنة، وهذا من اجل اسماع صرختنا المجلجلة ضد سياسة حكام اسرائيل العنصرية والعدوانية تجاه جماهير شعبنا في الداخل والخارج. وعلينا ايضا مهمة التنسيق مع باقي الاطر السياسية ولجنة المتابعة للجماهير العربية من اجل احياء ذكرى نكبة شعبنا من خلال الزيارات الى مواقع القرى المهجرة. حيث لا يوجد لا في التاريخ الماضي ولا المعاصر مأساة كالمأساة التي حلت بشعبنا العربي الفلسطيني.
ان الواقع يثبت الدور المميز والجريء الذي قام به الحزب الشيوعي في السنوات الاولى لقيام الدولة وبشكل خاص في الخمسينيات بالنسبة لجماهيرنا العربية في هذه البلاد والتي بقيت في وطنها كالايتام على موائد اللئام، حيث كان العرب في الدول العربية ينظرون الينا نظرة ريبة وشكّ، بينما هنا نرزح تحت نظام عسكري عنصري. وفي مثل هذا الواقع قاد الحزب الشيوعي هذه الجماهير حيث عمل على بقاء وترسيخ اقدام شعبنا في هذه البلاد ومن اجل صموده وتحدّيه لسياسة السلطة التي كانت تعمل وما زالت من اجل عدم بقاء عرب في هذه البلاد. وقد قادها بحكمة وتروي ومسؤولية.
ان جميع الشيوعيين تقريبا في سنوات الخمسين قد نالوا الكثير من العذاب وقطع الارزاق وكذلك السجون والمنافي والاعتقالات الادارية، لا يوجد احد الا ودخل السجن او المنفى او الاعتقال الاداري ومنهم من نال الثلاثة سوية، ولم يكن بامكان اي قوة سياسية ان تقوم بهذا الدور النضالي والتاريخي الهام في مثل تلك السنوات الصعبة التي جابهت شعبنا. هناك البعض ممن يتطاول اليوم على هذا الدور الذي لعبه الحزب الشيوعي، ومنهم من يعتبر ان التاريخ بدأ به وانه لو كان في تلك الايام موجودًا لغيّر التاريخ.. ولكن في اعتقادي ان مثل هؤلاء يبالغون في ذاتيتهم، واقول بكل صراحة ان مثل هؤلاء لو كانوا موجودين حينذاك - هذا اذا كانوا صادقين - فلن يجدوا طريق اخر الا طريق الحزب الشيوعي. أما اذا كانت اقوالهم هذه تهدف الى التقليل من دور الحزب الشيوعي ومماحكته، فانهم حتما سيكونون في الصف المعادي لقضايا شعبهم او في صف الذين وقفوا على الحياد في تلك المرحلة.
وسوف آتي على هذه النقطة بتوسع خلال الحديث عن مرحلة يوم الأرض ونشوء الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة.

(يتبع)

توفيق كناعنة
السبت 26/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع