ستون عاما على النكبة
بدايات الشعر الفلسطيني الكفاحي المقاوم



عندما حملت الصهيونية سكينها وشقت البرتقالة الفلسطينية الى نصفين، انطلق من قلب المأساة والحصار الدامي ومن بين الآهات المفجوعة وانّات الالم والجراحات المثخنة، الشعر الوطني الفلسطيني الكفاحي، المقاوم والمقاتل وذلك كرد طبيعي مباشر على الاحداث والاوضاع السياسية التي افرزتها النكبة وواقع التشريد والترحيل، حيث حمل الهم القومي الجماعي والوجع الكبير والتعبير عن الجرح الفلسطيني النازف، وشكل هذا الشعر رأس الحربة ضد الحكم العسكري البغيض، وضد السياسة العنصرية الاضطهادية والقهرية التي انتهجتها المحافل والاوساط الاسرائيلية الحاكمة بحق جماهيرنا العربية الفلسطينية الصامدة والباقية، صبرا واملا، في ارضها ووطنها الذي لا وطن لها سواه، كذلك اخذ هذا الشعر محوريته في القضايا السياسية والاجتماعية والوطنية والطبقية، واسمع صرخة شعبنا ضد القهر والظلم والاضطهاد ولعب دورا تعبويا وتحريضيا هاما في شحن الجماهير وتعبئتها بروح النضال والثورة والمقاومة والتحدي والتصدي لمشاريع الاقتلاع والمصادرة، ولأجل البقاء والحياة والتطور والتقدم العصري.

 

ولا جدال ان المهرجانات الشعرية التي كانت تقام في ساحات وبيادر قرانا ومدننا العربية ابان فترة الحكم العسكري، ساهمت في انتشار الشعر الوطني الكفاحي الفلسطيني ذي النبرة الحماسية الخطابية التحريضية التي تلهب مشاعر الجماهير المضطهدة. كما أدت الصحافة الشيوعية الثورية (الاتحاد، الجديد، الغد) دورا رياديا بارزا في نشر وتجذير الشعر الفلسطيني المقاوم، رغم الحصار والتعتيم الثقافي الذي فرضته السلطة على الشعراء والمبدعين والمثقفين الفلسطينيين، الذين حملوا دمهم على اكفهم وعانوا البطش والقمع والملاحقات البوليسية والاقامات الاجبارية وعذاب الزنازين والمعتقلات.

 

وفي حقيقة الامر، ان جماهيرنا التي كانت تحضر وتشارك في الاجتماعات الشعبية كانت تبقى حتى نهاية الاجتماع تسمع احد شعراء الشعب والمقاومة، وهو يلقي قصائده الثورية النارية، وان قصائد، مثل: "على صدوركم باقون" لطيب الذكر توفيق زياد، و"سجل انا عربي" لمحمود درويش و"اليوم جئت" لراشد حسين، و"ليد ظلت تقاوم" و"منتصب القامة" لسميح القاسم، و"توقيع على امر الاقامة الاجبارية" لسالم جبران وغيرها من القصائد كانت جماهيرنا تحفظها عن ظهر قلب.

 

وما من شك ان الشعرالوطني الفلسطيني الذي جادت به قرائح واقلام شعراء الشعب والالتزام السياسي والوطني والاممي والايديولوجي الماركسي، الذين حملوا شرف الكلمة وعبء القضية ودافعوا عن قضايا شعبنا الوطنية والطبقية هو امتداد لاشعار فرسان الشعر والادب الفلسطيني قبل النكبة، ابراهيم طوقان، عبد الكريم الكرمي (ابو سلمى)، عبد الرحيم محمود، مطلق عبد الخالق، نوح ابراهيم وغير ذلك.

 

وبعد انطلاق الثورة الفلسطينية سنة 1965 اخذت قصائد شعرائنا تخترق الحصار وتتجاوز السدود والحدود، والتقط هذه القصائد شهيد البرتقال الحزين الروائي الفلسطيني الكبير غسان كنفاني، فأصدر اول كتاب عن "الادب الفلسطيني المقاوم"، والشعر الفلسطيني واكب التطورات السياسية وتفاعل مع الاحداث في الوطن العربي والعالم، وعايش شعراؤنا انتصارات حركات التحرر الوطني فغنوا وهتفوا لثورة الجزائر وانشدوا لجميلة بوحيرد وجميلة بوباشا وابن بيلا وباتريس لومومبا، وللاحرار في كوبا والفيتنام واليمن السعيد.
ان ما يميز الشعر الفلسطيني الكفاحي المقاوم هو طبقيته وثوريته وولاؤه للطبقة العاملة الكادحة والقطاعات الشعبية المسحوقة، والتزامه بقضايا الفقر والجوع والانسحاق، والارض والوطن والانسان، وهموم العمال والكادحين وآمالهم عدا عن التفاؤل الثوري والامل بالمستقبل الجميل القادم، وقد كتب شعراؤنا قصائدهم بالدم والعرق ونبض القلب، وتغدو الارض الملمح الظاهر بوضوح في القصيدة الفلسطينية، لأن الارض هي الفلسطيني والفلسطيني هو الارض، ولذلك نجدها قوية الملامح وشديدة الحضور والتوهج في الشعر الفلسطيني.

 

واستفاد الشعر الفلسطيني من الحضارة العربية الاسلامية والتراث العربي وذلك باستخدام وتوظيف الاساطير والرموز العربية، كذلك من الشعر الثوري الانساني التقدمي العالمي وبالاخص شعر المقاومة السوفييتية والاسبانية، اضافة الى موروثنا الشعبي والامثال والمواويل الشعبية.

 

ويمكن القول اخيرا، ان الشعر الفلسطيني المقاوم هو شعر الالتزام الى حد الاندماج بالقضايا الوطنية والطبقية والعمالية والقومية الثورية للشعب، وفي الوقت نفسه شعر القيم القومية والاخاء الانساني الاممي، وشعر الكفاح والهبة القومية الجماعية الشعبية الرافضة للذل والقهر والغبن والسحق القومي، وللاحتلال البغيض الرابض على صدر الشعب الفلسطيني، ودفاعا عن انسانية الانسان وحريته. واكتسب اهميته وقيمته الفنية من القضايا العادلة والمقدسة التي يدافع عنها، وشكل رافدا هاما من روافد النهر الشعري الانساني التقدمي العالمي.

(مصمص)

شاكر فريد حسن *
الخميس 17/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع