في ذكرى الاربعين لرحيل سميرة الديك:
التعليم في الوسط العربي فقدَ أحد روّاد اللغة الانجليزية



كانت بحرا من المعرفة والثقافة الانسانية العامة درست اللغة الانجليزية في الجامعات الاسرائيلية ووصلت الى درجة الماجستير بتفوق. برعت في اللغة، ولم تُعد صياغتها او اجترارها. فقد ابدعت في اللغة الانجليزية، ولها اسهامات كثيرة في النقد والتحليل للكثير من القصص والروايات الانسانية الانجليزية خاصة الادب الكلاسيكي الشكسبيري.
درست اللغة الانجليزية حسب الاصول، وعملت في سلك التعليم وقد تهافتت المدارس على توظيفها، فقد عملت في مدرسة راهبات الناصرة، ثم الكلية الارثوذكسية العربية، ثم في مدارس مدينة طمرة الثانوية، حيث خرّجت الالوف الذين انتشروا شمالا وجنوبا، شرقا وغربا طالبين العلم يطرقون ابواب المعرفة.
للفقيدة – سميرة الديك – بصمات واضحة على الطلاب، على الرؤيا المنفتحة على الآداب الاخرى والثقافة الانسانية التي لا تعرف الدوائر الصغيرة من إثن او مذهب ديني. في سنوات الثمانين درست اللغة الانجليزية في جامعة حيفا، وكان لها نشاطات عديدة، على المستوى الطلابي ونضالهم في انجاز حقوقهم ومساواتهم مع الطلبة اليهود مع زملائها في الدراسة، اضافة الى ابداعاتها في مجلة "الجديد" التي كانت في تلك الفترة تضم باقة من الكتاب والشعراء والابحاث والدراسات في ميادين الشعر والادب، كنبراس للانعتاق من الفكر المتخلف والمتحجر الى الانفتاح على حضارات ونتاج الشعوب الاخرى التي سعت الى تثبيت الحرية والاستقلال والقيم الانسانية.
ومن المشهود لسميرة الديك، ذلك البحث الذي نشرته "الاتحاد" على حلقات حول موضوع "الطب الشعبي الفلسطيني" والذي حازت على تقدير كبير في اوساط القوى الانسانية والوطنية على العموم.
من جماليات سميرة تقبّل الآخرين على علاتهم، دماثة الخلق، حسن السيرة والسريرة، عدم التحارف على الآخرين والثنائية التي تقود البعض الى "مسح الجوخ" للحصول على منصب في هذا السلك التعبان. بل على العكس حافظت على الثوابت ولم تجر على اليدين في حين انها كانت اجدر من عمل في سلك التعليم في موضوع اللغة الانجليزية الذي يعاني الطلبة العرب من الفشل في اجادتها.
التعليم بالنسبة لسميرة رسالة تربوية، اخلاقية وطنية من الدرجة الاولى، لهذا لم تزاود، ولم تراهن على مقدّراتها الشخصية وابداعاتها التي ملأت اصدارات الحزب.
من سيئات الحاضر، ان اللغط والخلط ومسح الجوخ بات بطاقة دخول الى الوظائف والمناصب، لكن المربية الفاضلة لم تتنازل عن كبريائها، وعن مدخراتها العلمية والثقافية ولم ترهنها في المزاد العلني، بل بقي محفوظا مصونا كالخمرة المعتقة لمن يتذوقها.
اما الذين علت المرارة افواههم فيبقون بعيدين عن الاصالة وعن العمق الانساني، لأنه ليس كل من يجيد الحركة يجيد السباحة في محيط المعرفة والثقافة الانسانية.
ومن المؤسف ان الحاضر ليس بأفضل من الماضي، بل الشرذمة والانانية اصبحتا تحتلان عناوين الصحف، والسارقون والمغتصبون ومشعلو الحروب يتصدرون العناوين، اما الحضاريون والمبدعون والمساهمون فقد ضاقت بهم الاوراق ليبقوا كنزا دفينا عسى ولعل المستقبل يكون لهم افضل عندما ينتصر القلم على الصاروخ.

(حيفا)

عايدة حوراني نصرالله *
الأربعاء 16/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع