ابتهاج خوري... وداعا



اعلم الا بُد مما ليس منه بُد، ولم تكوني كما عهدناكِ، ممن يهابون هذا الذي لا بُد منه.
ولكن لماذا اتاكِ متسللا هكذا على حين غرة وانت ما زلت قادرة على العطاء؟ لماذا باغتنا بفقدك وانت لم تكلي بعد من العطاء الذي جعلته مضمون عمرك؟
ستة وخمسون عاما من "الخدمة في حقل السيد شعب"، في خدمة كادحيه
وجماهيره المستضعفة ولما تَمِلّي، بل كنت تحلمين بالمزيد.
وليس هذا كثير ولا غريب عنك وعن أمثالك. فبقدر وعي الانسان تأتي أفعاله.
فكيف إذا كان هذا الوعي شيوعيا كما كان وعيك؟ عندها يغدو العطاء لصالح المجموع ومن خلال المجموع كنه الحياة، وتصغر "الأنا" وتنزوي ليحل محلها ألـ"نحن"، وهكذا كانت حياتك منذ مطلع الشباب وحتى فراقك المفاجئ بعد ستة وخمسين عاما من العطاء المتنوع.
ليس ممكنا في كلمة وداع دامعة تفصيل عطائك المتنوع والطويل انه تاريخ فرد لا ينفصم عن تاريخ حزبه الطليعي.
أأعد النضالات الشعبية التي خضتها دفعا للظلم ودفاعا عن حقوق المظلومين؟
أأعد أياديك البيضاء في خدمة قضية حزبك- حزبنا الشيوعي التي هي قضية الجماهير أولا وأخيرا؟ أأذكر بخدماتك الأهل مدينة الأسوار- مدينتك عكا وأن في الذود عن حقوقهم أو في العمل على تقدمهم في وجه سياسة عنصرية استهدفت حتى مجرد وجودهم فيها؟ أأذكر بتحديك ورفاقك لموجات التحريض الصهيوني العنصري دون أن تفقدي ولا للحظة رؤيتك الأممية رغم بشاعة ذلك التحريض وعدائيته؟ أأذكر حملات الإغاثة إلى شعب الانتفاضات والتضحيات كنت عنوانها الأول ونشيطتها الأولى في مدينتك؟
لم تكوني تحكين عما تفعلين ولم تكوني ممن يتباهون بعطائهم. فعلت كل ذلك كواجب طبيعي لا معنى للحياة بدونه.
فعلت ذلك بمثابرة وفي كل الأحوال التي عبرناها وعبرت علينا بحلوها ومرها.
لكم يلحّ علي وأنا احكي عنك وصف معلمنا لينين للثوري الحقيقي الذي تتجلى ثوريته ليس في ظروف المد الثوري- عندما يغدو معظم الناس ثوريين- فقط وإنما في ظروف الجزر والانتكاسات ايضا وبالأساس.
الثوري الذي لا يكل ولا يمل في أداء واجبه بين جماهير المستضعفين وفي خدمة مصالحها مهما كانت الظروف. وهكذا كنت.
وجدت في الحزب نهجا للعطاء- كما هو حقيقة- وليس مكانا للأخذ.
لم تتدافعي مع الآخرين لتحصلي على منصب ولا على منفعة ذاتية.
فطريق الحزب- حزبنا- طريق عطاء وتضحيات. وثورية الشيوعيين ليست بكلمات منمقة وشعارات تعلك، وإنما هي أفعال تمارس بمثابرة، تؤدي بتراكمها إلى إنضاج المجتمع لإجراء التغيير الثوري الذي نصبو إليه.
كنت طليعية- مع مثيلات لك قليلات- في تحدي رواسب التخلف في مجتمعنا.
واثبت بأفعالك وبالنموذج الذي قدمته أن المرأة ليست بأقل قدرة من الرجل في ساحات النضال والعطاء. فنسفتِ ورفيقات لك مقولات التخلف التي يرمي بها المستبدون وخدمهم الظلاميون نصف مجتمعنا- من مثل "المرأة ضلع قاصر" و"المرأة عورة"!
بك، وبمثيلاتك، نفاخر وسنظل نفاخر. أما للعالقين بذلك التخلف ولمن يعلق في شباك خداعهم فنقول: هاكم ابتهاج خوري نموذجا يسفه مقولات تخلفكم وغاياتكم البائسة!
سيظل نموذجك حيا ملهما، وسيظل مع ثمرة أفعالك يحكيان عنك.

 

وداعا أيتها الرفيقة المتحدية الغالية.

نمر مرقس
الأربعاء 16/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع