الممثلة حنان حلو: لا أري عيباً في البقاء في الوطن..



تجسد الفنانة الحيفاوية حنان حلو التواصل الضروروي والنضالي والثقافي والانساني بين جناحي الثقافة الفلسطينية في فلسطين 48 وفلسطين 76. تتنقل بين رام الله وحيفا، احيانا تعمل في اكثر من عمل فني، تمتاز بطاقة كبيرة في العمل المسرحي وحماس ملحوظ في التطلع الي تطوير ذاتها، فنيا وثقافيا. اشتركت حنان في اكثر من عمل مسرحي فلسطيني، آخر اعمالها "بيت الدمية" مسرحية ابسن الشهيرة اعدها لمسرح القصبة جورج ابراهيم ، واداها نخبة من ممثلي فلسطين: منهم كامل الباشا وخالد المصو واخرون. القدس العربي التقت حنان في حديث صريح حول المسرح وهموم اخري.

 

*حنان حلو كيف عرفت ان المسرح هو قدرك الجميل؟

أظن أن السؤال يحتوي علي قسمين، فالأول هو لماذا أريد أن أظهر أمام الجمهور والثاني هو لماذا المسرح بالذات. أعتقد أن كل من يعمل في الفنون الإستعراضية بحاجة لكشف نفسه أمام الآخرين ولا أعرف السبب لذلك. أما القسم الثاني من السؤال وهو باعتقادي الأهم، فهو أنني اخترت المسرح لاهتمامي بالأدب والرواية، وهذا هو الدافع الأساسي الذي جعلني أتعلم وأحترف المسرح بدلاً من الفنون الإستعراضية الأخري. وما جعلني أبقي في المسرح هو الفرصة المتاحة أمامي للمرور بتجارب الآخرين والخروج عن المألوف في بيئتي وحياتي وتجسيد ما أمر به من هذه التجارب. فمن الجميل جداً برأيي أن يتطلب منك عملك الخوض في عمليات بحث متواصلة ومن الطبيعي أن تحب ما يميزك.

 

من الرائع والنادر والمدهش ان نجد فنانة فلسطينية مثقفة احكي لي كيف قادك حب الادب الي المسرح؟ لماذا لم يقدك الي الادب نفسه؟ احس ان هناك خيانة جميلة ما في الموضوع.

 

أنا لا أعتبر نفسي مثقفة، فالطريق أمامي ما زالت طويلة، وأنا أطمح لذلك. قراءة الأدب هي من واجب كل ممثل وهي قسم من عمله ولا أظن أنها حالة نادرة. فتعلم المسرح بجزئه الكبير هو قراءة وتحليل نصوص أدبية عديدة، حديثة وقديمة. حبي للأدب قادني إلي المسرح لأني أحب تجسيد القصة وأن أحياها بشخصياتها وحالاتها. ولكني لا أظن أن لدي ميولاً للكتابة ،علي الأقل في الوقت الحالي، ولا أري في ذلك أمراً غريباً، فتقديري لشيء ما ليس كافياً لأن أريد ممارسته فالأمور محكومة بميول الشخص وإرادته.

*انت من الذين يتواجدون باستمرار في رام الله للعمل المسرحي، هل هي مجرد صدفة ان تكوني هنا ام هو خيار وطني للتواجد فنيا في قلب الحدث؟

أن كل الصدف مقصودة. أي أن وصولي إلي رام الله هو ترجمة عملية لتجارب سابقة في المسرح وخارجه. أذكر أنه عند وصولي لخشبة مسرح القصبة في رام الله للمرة الأولي لأعرض مع مسرح الميدان الحيفاوي، وجدت جمهوراً شعرت بالانتماء التام إليه، فأسقطت جميع الحواجز بيني وبين رام الله عندما دعيت من قبل مدير مسرح القصبة جورج إبراهيم. أحببت البقاء لكي أكون في لبّ الحدث وأجسّد ما أستطيع من معاني التواصل. أما بالنسبة للخيار الوطني، فأعتقد أن المسرح هو خيار سياسي، أيضاً، ولا بدّ أن يتجانس الخيار مع المكان وأن يصبح الكلام عن التواصل ممارسة.

 

برأيي أن تنقـّلي بين حيفا ورام الله هو تماماً كتنقـّلي بين حيفا والناصرة وسخنين، فالتفرقة بين مدننا هي التي تضع الحواجز. أما المستوي الفني للمسرح في رام الله فهو مشرّف لكل ممثل فلسطيني أينما كان.

*قيّمي المسرح الفلسطيني في مناطق 48 اين الخلل واين النقاط المضيئة؟

المسرح في مناطق 48 قطع شوطاً كبيراً وهاماً وساهم كثيراً في صياغة تاريخ المسرح الفلسطيني. والأهم أن هناك جيلاً جديداً باستطاعته أن يعطي الكثير للمسرح وأن المسرح في تطوّر مستمر. ولكن بالرغم من ذلك كله هناك العديد من نقاط الضعف المفصلية ومعظمها مشتركة للمسرح الفلسطيني بشكل عام، فنحن نواجه مشكلة تواصل مع الجمهور وتوسيع حلقات الاهتمام بالمسرح وبالحياة الثقافية، فينقصنا إيجاد آليات لترسيخ هذه الاهتمامات عند الأجيال القادمة. أعتقد أنه الحديث هنا يختلف عن مناطق 67 ومناطق 48، ففي الأولي هناك شراسة الاحتلال وفي الثانية العديد من العراقيل المتعمدة في أجهزة التربية الرسمية التي تعزز تشويه الهوية وشرذمتها كبرنامج سياسي اجتماعي مدروس. هناك أيضاً مشاكل أخري لكون المسرح في مناطق 48 يعاني من الإغلاق بشكل شبه تام أمام المسارح في العالم العربي وخارجه، وهذه قضية معروفة يجب تخطـّيها. باعتقادي أن هذا هو الفشل الأكبر لإدارات المسارح في 48 التي لم تستطع حتي الآن اختراق هذه الحواجز وإن استطاعت فبشكل جزئي ضئيل، وهنا يمكن أن أقول أن هذه الخطوة تنتظر دفعاً من الفنانين بشكل مستقل.

 

 

*نحن الفلسطينين نمتلك مسرحا لكننا لا نمتك ثقافة المسرح وتجريبيته ومغامراته هل توافقين؟

نمتلك مسرحاً ونحن خلال عملية ولادة لثقافة مسرح ولكن هذا يستغرق وقتاً أطول من بناء المسارح. لدينا مغامرات مسرحية لا يستهان بها ويجب تطويرها. من الواضح أن هناك فجوة بين الاثنين ولكن عمر المسرح عندنا أقل من مائة عام فقط وهذه بداية الطريق، لذلك لا أستطيع أن أنفي ما تقوله ولكن أيضاً لا أستطيع أن أوافق، فهناك العديد من التجارب والمغامرات التي خاضتها الكثير من الفرق المسرحية في القدس ورام الله كفرق الحكواتي والقصبة وقد تسني لي أن أتعرف عن كثب علي بعض الفرق التي كانت تعمل في الناصرة وحيفا قبل ما يقارب الأربعين عاماً وهذه تجارب يجب أخذها بالحسبان.

*دورك في بيت الدمية كان صاخبا وحيويا وكنت فيه كما يجب ان تكوني لكن هناك من اعترض علي سرعة تطور شخصيتك من دمية الي نمرة، ماذا تقولين؟

أبدأ بالقول أن النقد في المسرح لا يقل أهمية عن المسرح ذاته وهنا أكتفي بالردّ عن ذلك الجزء من السؤال. أما بالنسبة لدوري في المسرحية، فشخصيات إبسن بشكل عام، ونورا بشكل خاص هي شخصيات تفاصيل، وهذا يتطلـّب دقة فائقة في الشعور وفي الأداء. فعلي نورا أن تدخل كشخص وتخرج كشخص مختلف تماماً، ويجب أن يحضر هذا في أذهان جميع المشاهدين، وإلا فقد تـُفقد الرسالة. نورا حقاً تتحول من دمية إلي نـَمِرة نتيجة صحوة يؤدي إليها ما يجري من حولها ويساعدها علي اكتشاف نفسها ووظيفتها. وهذه الصحوة تأتيها تدريجياً كشكوك تراودها ولكن سرعان ما توصلها إلي ثبات نظرتها الجديدة علي بيئتها وعلي النساء وعلي العلاقات بين النساء والرجال.

*ادهشني منظرك وانت تخترقين الضوء بضوء تمردك واخال انك اصبحت امرأة من ضوء بعد ان تلاشيت في ذلك الهيولي المبهر، سؤالي هو ان ايقاع المسرحية كان هادئا اكثر مما يجب، فيما عدا دورك ودور كامل الباشا كانت الادوار الاخري خافتة مما جعل المشاهد يتحرك في كرسيه بشكل لافت اين الخلل باعتقادك؟ اهو في الاخراج ام بنية المسرحية نفسها ام في تراخي الممثلين؟؟

ما وصلك كمشاهد هو ما شعرت به وما أديناه علي الخشبة كفرقة كان نتيجة لما شعرنا به، فلا يحق لي أن أملي علي أحد رأيي ولكني أعرف أن جميع الممثلين أدوا أدواراً جميلة يستحقون التقدير عليها، فلا أري أي تراخٍ من قبل الممثلين ولا خللاً في الإخراج أو بنية المسرحية، بل علي العكس تماماً، فبرأيي كان للإخراج سحره الخاص والصادق.
وهذه مسألة وجهة نظر شخصية لكل مشاهد . وأود أيضاً أن أشير إلي أن هذا النوع من المسرح كما ذكرت سابقاً يعتمد علي التفاصيل والحوارات، فالأحداث فيه لا تتميز بالإثارات المتطرفة ولذلك فإن تأديتها بشكل صادق يجب أن تتماشي مع هذه الروح حتي لو لم تكن حدثاً كبيراً بالنسبة للمشاهد المعاصر.

*لماذا برايك تفتقد الحياة المسرحية الفلسطينية الي كُتاب مسرح؟ هل يكفي ان نقول ان لا مواهب عندنا؟

كما ذكرت، فالاهتمام لدينا بالمسرح وبالفن ما زال ضئيلاً وهذا بالطبع يولـّد نقصاً في نواجه العاملين في هذا المجال وخصوصاً الكتـّاب. ولكن هذا لا يعني بتاتاً عدم وجود مواهب وكتـّاب. أعتقد أن تطوّر المسرح هو ما سيؤدي إلي تواجد كتـّاب مسرحيين أكثر ولكن هذه عملية طويلة الأمد. يجب أن لا ننسي أننا كحضارة اعتنينا ونعتني أكثر بالشعر والأدب، أما المسرح (باستثناء نمط الحكواتي) فهو ليس من أعمدة حضارتنا وإنما نتاج غربي حديث، لذلك أظن أن هذه ستكون مرحلة قادمة.

*ولماذا لا يكون نمط الحكواتي مسرحا نعتز به ونطوره ونغنيه ونضيف اليه ما يستجد من عناصر وتقنيات؟

لم أقصد القول أن نمط الحكواتي ليس مسرحاً، بل علي العكس تماماً، فهو أحد الأساليب المشوقة في المسرح ويجب تطويره وإغناؤه وهذا ما يحدث فعلاً، حتي أن بعض أساليب مواجهة المونودراما ترتكز علي هذا النمط وتتأثر به، ولكن ما قصدت قوله هو أن هذا نوع واحد فقط من أنواع المسرح.

*ما زال الفنان او الكاتب الفلسطيني في مناطق 48 يعاني من عدم التقبل في معظم العالم االعربي. ما الذي ترينه مناسبا عمله لاختراق هذه العقلية الجامدة؟

سبق وذكرت أن هذه مشكلة نعاني منها ويجب أن نتخطـّاها بكل السبل. يجب علي كل فنان فلسطيني في مناطق 48 أن يعمل لكسر هذه الحواجز المتخلفة. شخصياً تعرضت لهذه العراقيل في تجارب في العالم العربي وواجهت هذه المشكلة عندما قبلت للمشاركة في أحد المسلسلات التلفزيونية التي عرضت في العام الأخير، ولكن تم استثنائي قبل بدء التصوير عندما علموا أنني من مناطق 48 وقد تم تبليغي عن السبب هاتفياً من قبل كاتب المسلسل، ولكن ما يؤسفني حقاً هو أن الكاتب فلسطيني والقصة عن فلسطين. بالإضافة إلي ذلك فقد واجهت هذا أيضاً في رام الله في مسلسل تلفزيوني يتم تحضيره استثني الفنانين من مناطق 48 وكان هذا مفاجئاً واستثنائياً، لأن التعامل بين الفلسطينيين نابع عن فهم أكبر للحقيقة، ومعظم الفلسطينيين لا يفرقون بين أنفسهم في شتي المناطق. كل ما بوسعي أن أقوله هو أني لا أري عيباً في البقاء في الوطن.

*هل نستطيع ان نجد مبررا برايك للفنانين والفنانات الذين يعيشون حياتين بمعني انتماءين احدههما لتل ابيب والاخر لرام الله؟ وذلك وفقا للمصالح الشخصية؟

برأيي هذه مسألة شخصية لكل فرد بشرط أن يتحمل مسؤولية أعماله، لأنه في النهاية هو شريك للإطار والرسالة في كل عمل يقوم به. هناك الكثير من الاستغلال للممثل الفلسطيني بحيث يستعمل كأداة لتشويه صورة شعبه وتفادي هذا النوع من الاستغلال يتطلب النضوج. بشكل عام القضية أعقد من أن يبتّ فيها تعميمياً، فلكل تجربة معايير للتقييم. فمثلاً، هناك فرق بين الخضوع للاستغلال والقبول بتأدية دور مشوّه لصورة شعبنا، وبين أن تؤدي دور ماكبث علي خشبة مسرح في تل أبيب.

*ما هو المشروع القادم؟ حدثينا عنه.

هناك تخطيط لعمل كوميدي سياسي لاذع أتمنّي أن ينفـّذ، وكل ما استطيع أن أقوله أنه سيكون مفاجئاً في المسرح الفلسطيني.

*ماذا عن السينما حنان؟ اراك بعيدة عنها؟ هل هي محض صدفة ايضا ام ان عشقك الكبير للمسرح جمد كل امكانية للتنقل بين الفنون؟

بل هي بعيدة عني للأسف، فكمية الأفلام التي تصنع في فلسطين قليلة جداً وعمل المسرح متوفر أكثر. كانت لدي تجارب صغيرة في السينما، وكذلك كانت لدي فرص أخري رفضتها بعد قراءة نصوصها. بالإضافة، هناك نوع من الموضة الحديثة في الأفلام الفلسطينية وهي استيراد الممثلات من غير الفلسطينيات لتأدية الأدوار الفلسطينية، ولا أدري لماذا.. لديّ عشق كبير للمسرح ولسحره الخاص في التواصل المباشر مع الجمهور لكن هذا لا ينفي حبي لروعة السينما.

(القدس العربي)

التقاها: زياد خداش
الأثنين 14/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع