خطوة إلى الأمام وعصا بالدولاب



الانطلاقة العظيمة التي تحققها الجبهة ويحققها الحزب هي في الواقع أكثر من خطوة إلى الأمام ، ولكي لا تتعرض هذه الانطلاقة لأي انتكاسة ، يجب الحذر من ولو مجرد خطوة إلى الوراء ، وإخراج عصا الخروقات  التنظيمية والسياسية والفكرية  من الدولاب .
إن محاولة رسم الأممية كنوع من العدمية القومية  ليس فقط أنها تثير الاشمئزاز ، بل وتثير الشفقة أيضا ، فان الفهم العميق للماركسية ورؤية المسالة القومية من خلال مصلحة النضال البروليتاري الطبقي ، لا تعني إطلاقا الحط من قيمة الأممية أو الحط من قيمة المسالة القومية ، وقد أكد ماركس وانجلس أن البشرية لا تنقسم فقط إلى طبقات وإنما تتألف من جماعات اتنية وقومية أيضا ، لذا فان مصائر النضال الطبقي ترتبط في نواح عديدة بالحل الصحيح والعادل للمسالة القومية ، وليس صدفة أن اعتبر لينين : "عصر ثورة البروليتاريا هو عصر سلسلة من المعارك على كافة الجبهات وحول كافة القضايا الاقتصادية والسياسية بما فيها القومية " – ( لينين – البروليتاريا الثورية وحق الأمم في تقرير مصيرها ) ، وقد صاغ لينين مبادئ استرتيجية وتكتيك حل المسالة القومية وطرح مهمة وضرورة : " ربط النضال الثوري في سبيل الاشتراكية بالبرنامج الثوري في المسالة القومية "      ( لينين – المسالة الثورية وحق الأمم في تقرير مصيرها ) ، لا بل وذهب إلى ابعد من ذلك في قوله : " انه سيكون من بالغ الخطأ إزاحة تقرير الأمم لمصيرها ووضع تقرير الكادحين لمصيرهم ، لان هذا الطرح لا يأخذ بالحسبان بكم من الصعوبات وبكم من التعرجات يجري التمايز بين الأمم "
- (لينين – المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي ، البلشفي في روسيا ) .

 

ليس هدفي هنا إطلاقا تأكيد ما هو مؤكد ماركسيا وما توليه الماركسية من أهمية قصوى لحل المسالة القومية ، وإنما أحاول تعرية العاري من أفكار ومقولات لا ترى بالأممية شكلا أرقى للعلاقات القومية والكرامة القومية والتعاون بين القوميات المختلفة ، وإنما ضربا من ضروب العدمية القومية وهو ما يرفضه الحزب الشيوعي ويرفضه كل أممي حقيقي .

 

لا ينتطح عنزان حول صحية النقاش الداخلي شرط أن يكتسب طابعا خلاقا ، وللحقيقة لا تخيفني الاتهامات المتبادلة هنا وهناك ، لكن حين تكتسي هذه الاتهامات بهالات فكرية وتبريرات إيديولوجية عنوانها " التعصب القومي "  فإنها تنحو منحا خطرا يعود بضرر بالغ على التنظيم ، خاصة في ظرف حزبنا المؤلف من أشخاص ينتمون لقوميتين مختلفتين ، ولا اعني هنا باتهامات من جهة قومية معينة ، ففي الحالتين الأمر خطير ، وبكلمات أوضح إن كان مصدر هذه الاتهامات عربيا فهي في الحقيقة خلط صريح بين الأممية والعدمية القومية ، وان كان مصدرها يهوديا فهي استعلاء قومي غير مبرر .

 

لسنا الحالة الأولى في الحركة الشيوعية العالمية التي تنعكس إلى داخل تنظيمها المسالة القومية ، رغم الحصانة أو المناعة الأممية للتنظيم ، ولكن حيت يبدأ البعض بالحديث عن التمثيل في الهيئات على أساس قومي ، فان ذلك يعني حصول حالة من قصور المناعة الأممية إلى درجة الخلط بين الأممية والعدمية القومية ، أو درجة الاستعلاء القومي ، وفي اعتقادي هذا هو مكمن الخطر المحدق بالتنظيم إذا ما تهادن التنظيم أو تساهل مع مثل هذه الظواهر ، وللإنصاف لا ترتبط هذه الظاهرة بنتائج المؤتمر الخامس والعشرين للحزب أو بنتائج مجلس الجبهة ، وإنما أراها عملية تراكمية منذ المؤتمر الرابع والعشرين للحزب . ولنا أن نعتز بان نتائج المؤتمر الأخير جاءت لتضع حدا لمرض قصور المناعة ، وشحن الحزب والجبهة وتحقيق انطلاقة إلى الأمام .

 

إن من يعتقد أن مجرد كيل الاتهامات كاف لتذليل العقبات وحل الإشكالات فهو واهم بكل المقاييس ، ولا يمكن للحزب أن يتقدم أو يضع حدا حقيقيا لظاهرة التكتلات والقوائم الاسمية والتي يعرف الجميع أنها بدأت في المؤتمر أل 24 ، دون بحث جوهر الظاهرة وليس قشورها فقط . لذا سوف أتوقف عند ظاهرتين في اعتقادي هما مصدر كل شر ومصدر كل تكتل أو حالة شرذمة أو انقسام واعني ظاهرة التبرير الأيديولوجي للانحراف الفكري وثم ظاهرة استخدام التنظيم بصورة انتهازية ، والظاهرتان في الواقع مترابطتان جذريا وبشكل عميق ، لان كل ممارسة انتهازية أو انحراف فكري بحاجة إلى تبرير أيديولوجي حتى لو وصل إلى حد الابتذال .

 

يروى عن السادات انه سأل سائقه حين وصل إلى مفترق طرق ، في أي اتجاه كان يسلك عبد الناصر ؟ فأجابه السائق بشكل قاطع : إلى اليسار دائما ، فطلب منه السادات تشغيل الإشارة إلى اليسار والانعطاف يمينا . وهذا هو حال التبرير الأيديولوجي المبتذل للانحراف الفكري ! إطلاق التصريحات المضخمة إلى درجة القول "لست في المعسكر المعتدل" وممارسة عملية تفضي إلى عدمية قومية من جهة واستعلاء قومي من جهة أخرى ، وكي لا أكون مبهما سوف أوضح الفكرة بما يتحتم من توضيح حين قادت اللجنة المركزية السابقة إلى اتخاذ قرار في مجلس الحزب ، في جوهره أن لا يتم الانتخاب على أساس شخصي كما هو متبع وإنما أرادت أن تدون بقرار حزبي ما أسمته في حينه "ضمان التمثيل اليهودي" في قائمة الجبهة للكنيست ، وقطعا لا انتقص من أهمية هذه المسالة ومن أهمية التمثيل اليهودي في القائمة ، لكن في اعتقادي كان قرارا خاطئا وضع مبدأ الأممية وكل مسالة الشراكة العربية اليهودية ليس موضع مسائلة وحسب وإنما موضع تشكيك ، وحين تتشكك القيادة بكوادرها فإنها تلجأ إلى تبريرات غالبا ما تكون وهمية ومختلقة . هذا من جهة ، ومن جهة أخرى تطفو إلى السطح ممارسات انتهازية مثل استخدام التنظيم بشكل اقل ما يقال عنه غير مسؤول ، كتلك التي برزت عشية مجلس الجبهة الذي انتخب القائمة للكنيست ، بدءا بالخروج إلى الصحافة بتصريحات ليس لها أي رصيد لاعتقاد خاطئ بان الحزب هو عزبة شخصية لفلان أو علان ، وانتهاء بمظاهر وسلوكيات غريبة وبعيدة عن تنظيمنا ، ساقها وسوقها رفاق مركزيون ، واقصد سلوكيات مثل الطريقة التي انتهجها احد المرشحين في تسويق نفسه ، وقوله : "معي البلوك اليهودي وجهاز الحزب " بل  وكان يستعمل الكلمة العبرية "מנגנון"..كذا
من أين أتت هذه السلوكيات وكيف كان لها أن تصعد إلى السطح وتعيث فسادا على الأقل في بعض الفروع ، لولا وجدت الأرضية الخصبة للانتهازية ، تلك الأرضية التي لا تبرحها الانتهازية بسهولة ، وتتطلب جهودا كبيرة لإصلاح المسار .

بقلم : عبد اللطيف حصري
الأحد 13/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع