هـــل بــــدأت الــكــارثــــة ؟!



منذ فترة لا يستهان بها، والجهات المختلفة ذات المستويات المختلفة تحذر من كارثة انسانية تهدد قطاع غزة اذا استمر الحصار اللاعقلاني المضروب على كل شيء، حتى ان مصدرا رفيعا في وكالة الغوث - اونروا، لم يجد حرجا في تشبيه الوضع الانساني عندنا بأوضاع السجون القاسية، اما المحتل الذي يتولى مهمة الحصار بكفاءة واقتدار، فهو يتحدى عمليا حتى الابارتهايد في ان يكون قادرا على التنكيل بالشعب الفلسطيني اكثر مما يفعل هو. ولا ادل على ذلك من السخرية والاستهزاء الدمويين بأحوال الشعب المستباح، اذ يعلن احد المصادر عن وقف ضخ الوقود، فيما يعلن مصدر آخر ان الجيش لم يقرر بعد منع تزويد هذه المنطقة من العالم بالوقود. وكأن الشعب كله عبارة عن عصفور روحه في يد الاحتلال، والاحتلال السعيد هو الذي يقرر ما اذا كان سينتزع روح العصفور ام يبقي على الرمق الاخير، لا للرحمة بل للتسلية.
وفجأة ينقطع الغاز يوم الخميس. بمعنى ان مركبات النقل التي رفعت ايديها استسلاما، وتحولت من البترول بنزينا ومازوتا وكازا الى استخدام الغاز، قد آن لها ان تركن جانبا، وما على المواطنين الا ان يستخدموا الدراجات الهوائية، او عربات الجر، والبركة بالحمير والبغال.

 

ولكن الغاز لم يخلق لتحريك السيارات، بل هو اصلا للاستخدام المنزلي، ولا ادري كيف سوف تتدبر سيدات البيوت امورهن مع الطبخ والنفخ بعد ان تفرغ الانابيب من الغاز. ومن حسن الحظ ان الشتاء قد ولى فلا حاجة بنا الى التدفئة، بل اننا سنستخدم انابيب التدفئة البائتة لاسعاف افران الغاز المنزلية. ولكن ماذا بعد ذلك؟

 

ان تشبيه اوضاع القطاع، والحال هكذا، بأوضاع السجون الوحشية ليس مجازيا، بل هو الوصف الحقيقي لواقع الحال. وعندما يصل الامر الى الطعام المطهو، بعد التدفئة والنقليات، فهل هناك من اسم آخر للكارثة الانسانية؟

 

ولكن العدو يفعل هذا لانه العدو، فلن يفرق معه في كثير او قليل وصف الابارتهايد، اما الاصعب والاغرب والاعجب فهو المسكوت عنه في هذه المعادلة التي لا يشكوها الا الذي يستغني عن عمره او عن حريته. وانا واحد من عباد الله الذين تعز عليهم اعمارهم، ولا يحبون ان يناموا في بيت خالتهم، ومع ذلك لا استطيع الا الصراخ بشأن سبعة وثلاثين الف لتر من الوقود لم يصل الى المواطنين منها الا القليل، وعلى وجه التحديد سبعة آلاف لتر فقط لا غير، لمحطات غزة كافة، اي على حد تعبير صاحب احدى المحطات، ان حصة محطته كافية لتزويد سيارة واحدة متوسطة الحجم بالبنزين حتى الامتلاء، وما عدا ذلك فدبروا اموركم بالغاز، ومن لم يحصل على الغاز - والكلام لي هذه المرة لا لصاحب المحطة - فليحتفظ بالكمية الكافية لينتحر بها. والا فهل هذه حياة؟

 

وتسير في الشارع، فترى الناس يكلمون انفسهم، يسيرون على غير هدى حتى لتسأل جادا غير مازح. هل انتهى الامر بنا الى تلك المنطقة المؤدية اما الى الجنون او الانتحار؟ ام انها مناسبة لنفتح النار من جديد بعضنا على بعضنا الآخر، فيما يؤكد العدو ان الوضع مستتب والاشياء معدن..؟

 

اللهم لا نسألك رد القضاء بل نسألك اللطف فيه، ويبقى للاطفال الا يسألوا الكبار عن القضاء او اللطف بل عن المصير وعما يمكن ان يحدث بعد هذا الضغط وهذا الحصار، وعما ينتظرنا غدا..

احمد دحبور
السبت 12/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع