أعطني شاقلاً ..



تمرّ بلادُنا بأزمةٍ وأقصدُ تمرّ نفوسنا بأزمةٍ صعبةٍ ، فمن منّا ينامُ ليله الطويل ؟؟
من منّا ينام دون أن تعاوده الكوابيس ؟؟ من لا يستيقظ مرات ومرات ليشرب ماء ً بارداً ؟؟
أجل كلّنا بحاجة للمياه حتّى في أنصاف الليالي لنطفئ عطش أرواحنا للسلام ...للمحبّة ..للوئام
والإطمئنان ...
وحتّى حين ننام نكون في كابوس مخيف ..نستيقظ أو لا نفعل لكننا في حالة خوف في كلتا الحالتين ..وحالة العطش ما زالت ترافقنا ...هذه هي نفوسنا وهذه هي حياتنا وهذه هي بلادنا
الصبر يا إخوتي الصبر وللصبر قصّة ما زالت تعاودني مع كل كابوس يزورني دائما وإليكم حكايتي مع الصبر .
في ذاك الصيف البعيد البعيد قمت بزيارة خاطفة لطفلة مريضة قدّر عليها أن تكون ضيفة
" مزمنة " في إحدى مستشفيات بلادنا ، وفي طريقي إلى غرفة الانعاش حيث رقدت صغيرتي
إستوقفني صوت شاب صغير ملامحه ولهجته تؤكد أنّه عربيّ ولكنه كان ينادي العبرية
"سابرس بشيكل " سابرس بشيكل " لم يثر انتباهي سوى منظره وصوته الطفولي وكأنّه كان يقول ....
أعطوني مالاً ....أعطوني حريّة ....أعطوني محبّة .. أعطوني أن أكون أعطيكم صبراً ...
تدحرجت دمعتان على وجنتيّ ...دمعة شفقة ومحبّة ودمعة لم أعرف معناها قد تكون مجرد دمعة مرافقة ...
ومشيت بعد أن أشبعني ذاك الصغير بنظراته العاتبة اللائمة ... وإلى غرفة الانعاش توجهتُ
وهناك كانت مأساة أخرى حيث زفرت صغيرتي أنفاسها وأعلنت للسماء صعودها ....
وختمت بالشمع الاحمر بسمتي .....وتناثرت عَبراتي .....وتجمدت زفراتي .....
وألقيت بباقة الورد الجوري تحت أقدامها .........وسابقت الريحَ رجلاي ...وعدت من حيث أتيت مكسورة الخاطر ..........وصفعة القدر تؤلمني وتؤلمني .....
ورجعت أدراجي وعبرت من ذات المكان حيث كان الصبيّ ....وما أن لمحني حتّى غيّر لهجته وهتف بالعربيّة
" صبر بشاقل " صبر بشاقل " يا سيدتي إقتربي أعطني شاقلاً أعطيك كوزاً من الصّبر
إقتربت وبيدي خمسون من الشواقل ....أعطيته إياها وقلت بصوت لا صوت فيه :
خذ وأعطني صبراً
فقشّر كوزا من الصبر باصابعه الغضة فملأها شوكاً صغيراً لم يبال بوخزاته وناولني إياه
أكلته وكأنّي آكل لحمي ....
وقبل أن أتابع سيري نظرتُ إليه وطلبتْ روحي منه
الامل فقال إنّه في الصبر
الرجاء فقال إنّه في الصبر
الحماية قال إنّه في الصبر
الوطن قال إنّه في الصبر
فنظرت ثانية إليه وقد حجبت النقود مأساته ...وفكت قيوده
...وأعطيته ورقة نقدية أخرى أضعاف تلك
وقلت : وزّع لشعبنا الصبر....
ومضيت وأنا أبكي ولكن بداخلي أمل ...بداخلي صبر ...صبر قويّ عظيم
وكذلك بداخل أبناء شعبي أبناء وطني ...صبر قويّ صبر عظيم
ألم يقل الله في كتابه العزيز :
" أصبروا فإنّ الله مع الصابرين "

قانا الجليل

بقلم : عدلة شداد خشيبون
الجمعة 11/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع