"إن كان هالعسكر عسكرنا..!!



يدوخ رأسي من الدوارة على الدكاكين ويصيبني وجع دماغ وارتفاع ضغط دمي، كلما اردت شراء حوائجي من الملابس، ولهذا طلقت بالثلاث علاقتي بالدكاكين بعد ان تسلمت زوجتي هذه المهمة والمسؤولية عن قناعة وعلى اعتبار انها صاحبة ذوق رفيع واشطر مني في اختيار وشراء ملابسي وملابس الاولاد. واحيانا يواجه الانسان شذاذا عن القاعدة، فقد فوجئت عندما طلبت مني زوجتي مرافقتها الى المجمع التجاري في نهاريا لمساعدتها في اختيار وشراء بدلة لابننا نضال بمناسبة تخرجه طبيبا من كلية الطب في جامعة موسكو الروسية، وان ملابس "كاسترو" يُشهد لها بجودتها وشكلها! وبصراح اسم "كاسترو" جذبني مع ان وجود مثل هذا المسمى في اسرائيل لاول مرة يخترق سمعي، ولهذا وافقت.
دخلنا محل كاسترو في المجمّع واصابتني الدهشة عندما وجدت "ذكر الشيطان"، احسان البيومي (ابو العلاء)، ابن قريتنا الجارة منهمكا مع زوجته في رحاب الدكان، يتأبط مجموعة من الثياب وربطات العنق، بينما تحمل زوجته ثلاث بدلات رجالية بالوان مختلفة وربطة جوارب حريرية. دهمته بالتحية التقليدية "السلام عليكم، الله يتمم افراحكم، عمالين تكسوا للمحروس احد ابنائكم، مبروك سلفا"! وبابتسامته الثعلبية المعهودة اجاب "الكسوة لوالد المحاريس، انا العريس "بلا قافية"، اجهز نفسي لانتخابات رئاسة المجلس المحلي، عائلتي تدعمني سوى المغاضيب الخوارج من رفاقك الحمر يناصبونني العداء ويبرطعون ركضا بالدعوة لمرشح فقير يشتهي اللقمة يسوقونه على انه بطل وطني يخدم المصلحة العامة للجميع ويعرف كيف يستل الحقوق من بين انياب ذئب التمييز السلطوي، والذي يقهر ويثير القلق ان لهذا المرشح شعبية من كل المقاطيع والفقراء ومن مختلف العائلات والطوائف مع انه ابن عائلة لا يصل عدد  افرادها العشرين انسانا حولوا المعركة وكأنها سياسية لتحرير فلسطين ولطرد امريكا من المنطقة"! قرفت زوجتي من حديثه ولسعتني قرصة في خاصرتي شلعت قلبي من جوّه، اشارة منها لانهاء الحديث مع عريس الشؤم هذا.
والمسيرة التاريخية لاحسان البيومي لا تجعل للغرابة مكان وصوله الى السباحة في مستنقع العائلية والتعصب العائلي الآسن بشهادة فنان انتهازي من درجة الامتياز الاولى. فقد نشأ وترعرع في بيت عريق في خدمة الصهيونية وحزب "مباي" قبل النكبة الفلسطينية وبعدها، في بيت عريق بمعاداته للشيوعية وللوطنية الصادقة. وعندما اصبحت الوطنية والقومية والمزاودة اللفظية في القضايا المصيرية سلعا في سوق الدلالين ولا يدفع مهرها لا ملاحقة ولا اعتقالات وسجون وقطع ارزاق، عندما اصبح الكفاح العادل فارغ المضمون لدى السماسرة من تجار الكلمة، في هذا الوقت بالذات دخل احسان البيومي الجامعة، وسريعا وجد مكانه في حضن التيار القومجي، وتقمص دور صلاح الدين الايوبي وجمال عبد الناصر واخذ يزاود على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وعلى الشيوعيين السوفييت "اعداء القومية العربية والقضية الوطنية". ولم يطلع من خرجه سوى ابن بلده "فهد السبع" تصدى له في مقهى الجامعة قائلا "اخجل على نفسك يا احسان، انت وانا دافنينه سوى، كل حياتنا كنا في حظيرة الصهيونية، اليوم تغيرنا، لكن من العيب التطاول على قوى كفاحية وطنية وتقدمية لها تاريخها المشرف حتى لو اختلفت معها"!! ومضى شهر اختفى خلال ايامه البيومي عن الوجود في الجامعة وباحاتها مقاهيها، وفوجئنا في احد الايام عندما رأينا البيومي يهرول من خلال دشداشة يلبسها، قلنا ربنا يهديه الى طريق الخير ويلجم لسانه عن قول السفاهة السياسية المنكرة. وعلمنا انه طلق التيار القومجي وتركه لأنهم كفوا عن نشر "مقالاته" التحريضية التجريحية واطئة المستوى ولانفضاض عدد من مؤيدي هذا التيار من حوله من جراء نرجسيته وانتهازيته وانانيته المفرطة.  عندما رأته "خولة الخوري" بالدشداشة قالت لرفيقتها "آمنة العلي" انظري الى احسان البيومي صار مثل الجندب يقفز من تيار الى تيار، فأجابتها آمنة انه يتقمص دور خادم وعبد الرحمن لكنه "ذكر الشيطان" لا استغرب ان يشلح ويخلع يوما الدشداشة ويحلق "سكسوكته" ويعلن انضمامه الى حزب الحمر ويبدأ بالتمجيد للينين وماركس وفلنر وطوبي وزياد، فاحتجت خولة وقالت لآمنة "الا هذا، فذيل الكلب يبقى اعوج حتى لو وضع اربعين سنة في قالب، وذكر الشيطان لا تنظف مياه المحيط دنسه السياسي، وارنب مثله، ورغم انتهازيته لن يجرؤ على تخطي عتبة دار الحمر"!
عندما اخبرني في دكان كاسترو داخل المجمع عن ترشحه للرئاسة على رأس قائمة عائلية تتحالف مع قائمة طائفية قلت لنفسي "عاد ذكر الشيطان الى اصله قاروطا يصطف حول طوالة خدمة اسياده من بن غوريون وامنون لين الى بيرس وبراك واولمرت، رحم الله شيخة الترك ام الغريب التي كانت تردد دائما تشاؤمها من دور الحكام العرب المتخاذل في نصرة القضية الفلسطينية بقولها "ان كان هالعسكر عسكرنا من راس حْنين انتصرنا" وحنين مثل يحتذى بالفشل الذريع والعجز المزمن في مواجهة التحديات.
د . أحمد سعد
الأثنين 7/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع