" أنا وعبد الله" كتاب يدعو العالم إلى التخفيف من تقطبه



يستحضر الكاتب الصديق إبراهيم مالك، في كتابه "أنا وعبد الله" الصادر مؤخرا، ضمن منشورات معين حاطوم في الكرمل، شخصية أمير المؤمنين عبدالله بن الزبير(ولد عام 2 وقتل عام 73 للهجرة)، على اعتبار انه شخصية عربية تاريخية لحق بها الكثير من العسف والظلم، ما يذكر، كما توحي تفاصيل الكتاب، بان القيم التي رفع لواءها ابن الزبير ما زالت قائمة، رغم ما لحق بعالمنا من خلل، في القيم والأخلاق وفي سيادة قانون الغاب، كما يلمّح مؤلف الكتاب في أكثر من واحدة من صفحات كتابه البالغة 140 صفحة من القطع المتوسط.
هذه ليست المرة الأولى التي يستحضر فيها كاتب في بلادنا هذه الشخصية، بكل ما حفلت به من نبل، وبكل ما تذكر به من قيم عليا، فقد سبق واستحضرها الشاعر فوزي جريس عبد الله(1942- 1988) في مجموعته الشعرية "الفارس يترجل"، التي تضمن عنوانا كما هو واضح، إشارة واضحة إلى والدة عبد الله بن الزبير أسماء بنت أبي بكر، حينما أرسلت نظرها إلى ابنها، قرة عينها، وقد مضى وقت على تعليقه على خشبة، بعد أن دك الحجاج بن يوسف الثقفي، بيت الله الحرام عليه ولم يشفع له لجوؤه وصحبه إليه، يومها قالت الوالدة المكلومة أسماء بنت أبي بكر، بحرقة لا تدرك مداها سوى أم اكتوت بنار الأسى على ابنها: أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟
إبراهيم لم يشر إلى انه يستحضر هذه الشخصية الفريدة في زهدها، في الحياة العربية الإسلامية، فهو لا يذكر اسمها، ولولا إشارة ترد في الصفحات الأخيرة من الكتاب، إلى مواقع تاريخية ارتبط ذكرها بمقتل عبدالله بن الزبير، لكان من الصعب جدا معرفة هوية عبدالله.
كتاب إبراهيم مالك الجديد، يتضمن، كما يرد على غلافه الخارجي" مطولة محكية وقصصا أخرى"(ملاحظة: الكتاب ليس بالعامية وإنما هو مكتوب بالفصحى- ن-ظ)، غير انه لا يخفى على قارئ الكتاب أن الحديث إنما يدور عن قصة واحدة، ابتدأت في الولادة للتو ورويدا رويدا إلى أن وجدت مسارها لتتحول بالتالي، إلى قصة تتتالى حواراتها واحدا تلو الآخر، لتعبر عن اشمئزاز صاحبها مما آل إليه عالمنا من جشع وعنف، في بلدان عديدة في طليعتها فلسطين، العراق ورواندا وغيرها من البلدان التي انتهكت فيها كرامة الإنسان وداستها أقدام الطغاة المتجبرين غير عابئة بما ربطها بها من أواصر أخوّة وإنسانية.
يقول إبراهيم في خاتمة ٍ وضعها لكتابه، إنه شغلته من سنوات، مسالة الجشع المنتشر في عالمنا جريا وراء الثروة المتوهمة، الموروث منه والمستحدث، وما يترتب عنه من عنف، يتمثل بفعل ورد فعل، يتسمان باللاعقلانية، وجوع اخذ بخناق معظم بلدان الجنوب"، ويضيف قائلا انه يشغله سؤال المصير الحياتي، سؤال الوجود، عالمنا إلى أين؟
هذا هو ما يثيره المؤلف في كتابه، وهو لا يهمه النوع الأدبي الذي ينتج فيه كتابه، بل إنه لا يدري ما إذا كان ما يقدمه إلى قارئه هو قصص قصيرة، أم نصا محكيا، كما يقول ويضيف: حقا إن الإناء يعنيه كثيرا، غير أن أكثر ما يعنيه هو ما فيه، ولعل هذا الكلام يتناقض نوعا ما مع قوله في خاتمة كتابه انه لاحظ من قراءاته لكتاب بارزين أمثال الفيلسوف الأندلسي ابن طفيل في قصته" حي بن يقظان" والكاتب الفرنسي أنطوان دي سانت اكزوبري وغيرهما ممن قرأ لهم، إن قصصهم إنما تضمنت أفكارا ومحاورات وان الأفكار هي التي ظهرت أكثر مما ظهر سواها من الأبعاد الإبداعية، الا أن هذا موضوع آخر.
الكتاب يبدأ بوصف لحالة من فقدان التوازن حصلت في تموز، شهر انبعاث الربيع، هل تذكرون الشعراء التموزيين؟ هذه الحالة على ما يبدو، دفعت بطل القصة، الراوي المتحدث بضمير الأنا، القريب بشخصه من ملامح المؤلف لمن يعرفه، وتتضمن هذه الحالة استحضارات لآخرين في طليعتهم والدا الراوي، أما شخصية دينا فإنها تلازم الراوي منذ البداية في إيحاء واضح إلى أنها الدنيا ، اختلطت حروفها، مثلما اختلطت القيم في عالمنا.
يتوجه الراوي إلى دينا بسؤال/ صرخة، هو: من أين يأتي العنف؟ ويجيب دون أي انتظار للإجابة: كيف يمكن لذاك أن يحصل. رأيت من صوروا لنا أنهم قادة عالمنا يغسلون يد الصياد من دم أطفال الجنوب وجنوب الجنوب(اللبناني-ن-ظ).
أما فيما يتعلق بالمعاناة الفلسطينية، فانه ينقل ما كتب شاهد عيان على مجزرة بيت حانون الفلسطينية، هو الصحفي ماثيو برايس، مراسل بي بي. سي، نيوز في القدس يوم 11 تشرين الثاني من عام 2006، الشهادة تقول: كان هذا هو الحادث الأصعب الذي رأيته في حياتي. رأينا جثثا مبعثرة، رؤوسا، أرجلا وأيدي مقطعة في الطريق، وكانت هناك أم فقدت ابنها.
الحكايات التي يقدمها المؤلف من الوقع اليومي المعيش، من الماضي ومن الخيال عديدة، في الكتاب، وهو يقدمها معززا رؤيته الرافضة للعنف، لكن المدركة إلى الفرق بين القاتل والضحية، ويتصاعد رفضه هذا مرصعا بالعديد من الحكايات، إلى أن تحين لحظة الضوء في النهاية، ليهتف من أعماق قلبه قائلا: ما احوجنا إلى ولاعة تكون نارها بردا وسلاما، تنقلب على ذاتها فتكون نورا.
مؤلف الكتاب يغترف فيه حكايات وخبرات عاشها وعاناها، فهو من مواليد قرية سمخ المهجرة، ولد في 26 أيار 1942، قبل فترة تعرض لجلطة دماغية شديدة وأقعدته، إلا انه ما لبث أن انتصب ليواصل طريقه في العطاء فاصدر أربع مجموعات شعرية هي: في انتظار فاطمة، نشيد حب لفاطمة، عطر فاطمة، لا أزال أعيش حلمي، وله كتاب نثري عنوانه متتبعا خطى.
يقول الراوي في الصفحات الأخيرة من الكتاب، إجابة على سؤال وجهه إليه عبدالله هو ماذا بيمينك، إن عبدالله قال يميني وهو يعني يساري، فيميني أصابه الشلل، ولم يعد منذ زمن يحمل وزرا، ثم يعرج على قصة للكاتب الدنمركي البارز كريستان هانس اندرسون، تحكي قصة جندي افلت من رقعة الشطرنج ليعود إلى الحياة. التجربة والمعاناة اللتان يتعرض إليهما هذا الجندي تعلمانه أن ما يأتي بلا جهد، سرعان ما تذروه الرياح، فهو كالحلوى، يتجمع عليه الذباب حتى يفسد ومتى فسد عافه الذباب وانفض عنها. هذا الجندي، ما أن تخلص مما لحق به من سحر، قيده وحدّ من حركته، حتى انطلق يبحث عن سعادته، وهذا ما فعله إبراهيم مالك في كتابه هذا، بل هذا ما سعى اليه.

ناجي ظاهر
السبت 5/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع