اقيم المعرض التشكيلي للفنان الايطالي Silvestro Lodi، مدرس الفنون في جامعة كا فوسكاري في فينيسيا, في معرض Scrimin في مدينة باسانو الإيطالية.
جل اللوحات المعروضة تتقاسم نفس الالوان التي تتراوح بين الحمرة والسواد، الارضية مفروشة بالغموض والاسى مع رقع الوضوح المنثورة عليها و حضور الجسد الانساني في حالته الطبيعية والاولى، حالة العري من كل شيء وفي وضعيات مختلفة وكأنه يبحث عن معانيه ببحثه عن أشكال تقنينه، فهو إما ملقى ينظر بخطاب ثابت الى المتلقي، أو واقف كجدار وموضوع ككل، ككيان متكامل يحمل معاني رموزه في تجزيئه إلى خطاب النظرة والوضعية وقسمات الوجه و...... يقول الدكتور سعيد بنكراد: َعندما يستعصي العثور على معنى للكل، بإمكان المحلل أن يعود إلى الأجزاء. فقد لا يدل الكل إلا من خلال أجزائه، أوقد تختلف دلالة الكل عن دلالة الأجزاء المكونة له. تلك حالة الجسد وتلك حالة دلالاته وأشكاله ومعانيه. إنه متحرك ومتغير ومتبدل. إنه يخلق من نفسه أشكالا ويخلق من الأشكال أشكالا. وهو في كل هذا لا يصل إلى غاياته إلا من خلال عناصره وأشكال تحققهاَ.
فالجسد ملقى في العتمة يوازيه الوضوح والرؤية الثاقبة، وكأن اكتماله لا يستوي إلا بحضور أشكاله التي تؤثثه، وهو منفور منها أو جاحط اتجاهها، وكانه يمنحها قطعا منه ليكتمل المعنى، وحضوره في السواد هو حضور مأساوي لاجزائه وكأن تقنينه وتقنيعه هو مص لنفوره وإعادته لحالة السكينة والثبات، لحالة النشوة والوضوح.فالقناع حالة ثقافية نكتسبها من مداومتنا على تلاوة تقاليد المجتمع وقواعده وحالة العري هي حالة طبيعية فينا، وهذا النفور منها هو نفور من الطبيعة واعتناق حيثيات الثقافة.
كما ان اللوحات تقدم اشكالا هندسية مختلفة منها المسطرة التي توحي على الاستقامة والنهج القويم وعلى العلاقة العمودية التي يتميز بها الكون وكذا المثلث الذي يوحي على التدقيق والرياضيات، يوحي الى الترقيم والتراتبية والدائرة التي ترمز الى الابدية والى الدوران، الحالة المادية للكون، هذا وقد اشتغل الفنان على الاشكال المعيشية حيث وظف اشكال الاقمشة في حالتها الاولى من التفصيل والجسد الانساني بعريه تحت مختبر التجريب فهو صانع الشيء ومستغله وهو الواقع تحت سيطرة تدليلة، فما الاشياء الا حالة ثقافية تنمذج الجسد وتؤطره في زمن ثقافي محدد ووجود الأشكال هو وجود لحالات وثقافات بعينها، كما أن الألوان الموظفة فيها هي ألوان حارة يؤثثها السواد وهو لون الحزن والغضب ولون عدم الرضى يتمركز فيه نور ساطع وهي بوادر الانتشاء تشتعل ثورة، حيث أن الأحمر الذي يسيجها هو لون للحب والوفاق كما أنه لون للثورة، وخلفية الأشكال مستنيرة وواضحة كأنها تحمل مشعل التقييم .
هكذا يكون التشكيل عند الفنان Silvestro Lodi ذاكرة شقية تحفظ دقائق الماضي وتعود إليه، فهو ابن الخياط ومحب حرفة الخياطة وحامل لزخمها في ذاكرته المرهفة الحاملة لحنين الماضي ودقائقه، وتكون الخياطة فنا يحتفى به تجد معانيها الغائبة في لوحات التشكيل وخطاب الصورة، تجد نفسها في ذاكرة الألوان وسكون الجسد الذي يدل حتما على ماهو غائب عنا ، يدل على ما تختزنه الذاكرة من حنين وتوهج للزمن الجميل، زمن خارج منا لكنه لنا، تجاوزناه فينا لكنه ساكن أبدا فينا.
ايطاليا
بقلم زينب سعيد المحاميد
الجمعة 4/4/2008