حزبنا الشيوعي يُحيي 90 عامًا من النضال:
ذكريات خِتيار لم تمُتْ أجياله (11)



*تواجدت قوات كبيرة من الشرطة في محيط الاجتماع وفي أزقة القرية من اجل ارهاب جماهير ام الفحم واستفزازها ومنعها من الذهاب الى الساحة التي سيعقد فيها الاجتماع، ولكن وبالرغم من كل هذا احتشدت جماهير غفيرة، واذا بتوفيق طوبي يعتلي المنصة ويبدأ بالكلام وكان هذا مفاجئا للشرطة، لانها كانت قد سدت المنافذ الرئيسية لام الفحم. هذا الواقع اربك الشرطة، ولذلك عملت من اجل فرقعة الاجتماع، وبعد مضي ما يقارب النصف ساعة من بداية الاجتماع واذا بقوة كبيرة من الشرطة تداهم الاجتماع، وبالضرب الوحشي بدأت في تفريق الحضور، وفرقة منهم هاجمت توفيق طوبي وانزلته بالقوة من على المنصة واعتدوا عليه واصعدوه بالقوة الى سيارة الشرطة حيث نقلته الى شارع وادي عارة وانزلوه هناك بالقوة*

 

هذه الاحداث لم تقتصر على الناصرة في الجليل بل تعدتها الى المثلث، ولذلك وبعد احداث الناصرة واذا بأم الفحم تأخذ دورها ايضا وعرفنا ذلك عندما بدأت دفعات جديدة من معتقلي ام الفحم تصل الينا في سجن الجلمة، عرفنا ان فرع الحزب الشيوعي في ام الفحم قد عقد يوم السبت بتاريخ 03\05\1958 اجتماعا شعبيا لاحياء ذكرى اول ايار وللاحتجاج على العدوان البوليسي الذي جرى ضد المتظاهرين في مدينة الناصرة يوم الاول من ايار. في هذا الاجتماع تكلم عضو الكنيست وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الرفيق توفيق طوبي حيث استطاع الدخول بالرغم من ان الشرطة كانت مرابطة في مداخل ام الفحم من اجل منعه من الدخول الى هناك. وفي الوقت نفسه تواجدت قوات كبيرة من الشرطة في محيط الاجتماع وفي أزقة القرية من اجل ارهاب جماهير ام الفحم واستفزازها ومنعها من الذهاب الى الساحة التي سيعقد فيها الاجتماع، ولكن وبالرغم من كل هذا احتشدت جماهير غفيرة في ساحة الاجتماع في القرية، واذا بتوفيق طوبي يعتلي المنصة ويبدأ بالكلام وكان هذا مفاجئا للشرطة، لانها كما قلت كانت قد سدت المنافذ الرئيسية لام الفحم. هذا الواقع اربك الشرطة، ولذلك عملت من اجل فرقعة الاجتماع، وبعد مضي ما يقارب النصف ساعة من بداية الاجتماع واذا بقوة كبيرة من الشرطة تداهم الاجتماع، وبالضرب الوحشي بدأت في تفريق الحضور، وفرقة منهم هاجمت توفيق طوبي وانزلته بالقوة من على المنصة واعتدوا عليه واصعدوه بالقوة الى سيارة الشرطة حيث نقلته الى شارع وادي عارة وانزلوه هناك بالقوة، واستطاع ان ينتقل من هناك الى الخضيرة ومن هناك الى حيفا. وبهذا الاسلوب الوقح نفسه تعاملت السلطة مع المتظاهرين في مدينة الناصرة، واعتدوا هناك ايضا على توفيق طوبي واميل حبيبي وصموئيل مكونس الذي كان سكرتيرا عاما للحزب في ذلك الوقت واخذوه هو وتوفيق طوبي واخرجوهم بالقوة من مدينة الناصرة بالرغم من انهما عضوا كنيست ويتمتعان بالحصانة البرلمانية، وكذلك اعتقلوا اميل حبيبي لفترة قصيرة ولكنهم لم يستطيعوا اخراجه من الناصرة لانه احد سكانها، وهكذا عمليا لم يحترموا حتى الحصانة البرلمانية التي يتمتع بها اعضاء الكنيست.
عند وصول الدفعة الاولى من معتقلي أم الفحم كان البعض منهم ما زالت الجروح ظاهرة عليهم وهكذا عمليا قد بلغ عدد المعتقلين في احداث ايار سنة 1958 ما يقارب الاربع مائة معتقل والاكثرية المطلقة منهم كانت في سجن الجلمة هذا بالاضافة الى عدد كبير من رفاق منطقة عكا قد نفاهم الحاكم العسكري الى مدينة صفد وقسم كبير منهم من رفاق كفرياسيف وابوسنان، وكان هؤلاء الرفاق بعد فترة من نفيهم قد اعلنوا الاضراب عن الطعام من اجل عودتهم الى قراهم وضد هذا الحكم الجائر بحقهم، وكان من بينهم الرفيق المرحوم مبدا فرحات الذي كان مريضا بقرحة في معدته، ولكنه هو وزملائه اصروا على الاستمرار في الاضراب حتى تحقيق مطالبهم وكان وفدا من كفرياسيف برئاسة رئيس المجلس المحلي السيد يني يني والاب انطونيوس خوري كاهن طائفة الروم الارثوذكس وحنا دلة رئيس النادي الثقافي وعضو المجلس المحلي نايف الحاج قد قابلوا الحاكم العسكري للاحتجاج على هذه الاساليب التعسفية والمطالبة بعودة المنفيين الى قراهم واشتدت الحملة من اجل اطلاق سراح المعتقلين ايضا.
وهكذا نرى ان الرياح جاءت بما لا تشتهي سفن السلطة واعوانها الذين ارادوا تشويه صورة الجماهير العربية في هذه البلاد والذين ارادوا ان يصور الصحفيون الاجانب والمحليين الجماهير العربية في اسرائيل وهي ترقص على انقاض خرائب مدنهم وقراهم وعلى انقاض نكبة شعبهم ومأساته المستمرة حتى يومنا هذا، ولكنهم خسئوا، فقد صور الصحفيون عمليا اكبر انتفاضة جماهيرية لجماهيرنا العربية في ذلك الوقت واثبتت هذه الجماهير الأبية وبحسها الطبقي والوطني وبقيادة الحزب الشيوعي انها تستطيع بوحدتها وصمودها ان تعلم السلطة وأعوانها درسا لن ينسوه ابدا وهكذا عملوا عكس ما ارادت السلطة ان تظهره للعالم، فقد صور هؤلاء الصحفيين الاجانب والمحليون ايضا شكل الاعتداءات الوحشية التي تعرضت لها جماهيرنا العربية في الناصرة، وحتى لم يفلت من وحشيتهم اعضاء الكنيست الذين يتمتعون بالحصانة البرلمانية، وصوروا ايضا الجماهير وهي تهتف بحق تقرير المصير لشعبنا العربي الفلسطيني وكذلك صوروا جرحى هذه الاعتداءات واساليب التعذيب والاعتقالات التي جرت في ذلك اليوم الخالد في حياة جماهيرنا وفي تاريخ الحزب الشيوعي النضالي بشكل عام وفي منطقة الناصرة بشكل خاص، وكان لهذه الاحداث صدى محليا وعالميا حيث نبهت العالم الى قضية شعبنا العربي الفلسطيني بشكل عام والى قضية جماهيرنا العربية التي بقيت متمسكة بأرضها ووطنها التي لا وطن لها سواه. وبذلك فضحت الدمقراطية الاسرائيلية المزيفة التي يتغنى بها حكام اسرائيل دائما ووضعت امام العالم كله بكل حدة وقوة هذه القضايا والمشاكل التي يعيشها شعبنا كله في داخل اسرائيل وهذا عمليا كان خدمة كبرى لقضية شعبنا ولقضية السلام والحرية في منطقتنا. بعد هذا كله بدأت حملة تضامن محلية وعالمية مع المعتقلين والجماهير العربية في اسرائيل، وبدأت عرائض المطالبة باطلاق سراح المعتقلين، ونتيجة لهذه الحملة اطلق سراح عدد جدي من المعتقلين، وفي ذلك الوقت كتب الصحفي في جريدة هآرتس "ش. طيبت" مقالا هاما قال فيه:
"اود ان اقول هنا اني بوصفي اسرائيليا يهوديا اعطف عطفا كبيرا على متظاهري الحزب الشيوعي احتجاجا على السياسة المتبعة تجاه الاقلية العربية" ويضيف "لو كان الحزب الشيوعي اداة شر فانه في قضية الجماهير العربية اداة حق، ولو كانت الاحزاب الصهيونية كلها اداة حق اجتماعي وقومي فانها حيال الاقلية العربية ادوات شر وظلم" ويقول ايضا "ان الحزب الشيوعي هو الحزب الوحيد الذي يقترح حلا للقضية العربية". ولم يكن هو الوحيد بل كان هناك عددا من الصحفيين والفنانين الاسرائيليين الذين اعلنوا تضامنهم مع المعتقلين، وكذلك صحف عالمية انتقدت بشدة الاساليب الوحشية التي تعاملت بها السلطات الاسرائيلية مع الجماهير العربية بشكل عام ومع المعتقلين بشكل خاص. مقابل هذا الموقف الجريء والواضح من قبل القوى الديمقراطية اليهودية والتضامن العالمي كان لأعضاء الكنيست العرب المنضوين تحت لواء حزب مباي دور آخر كما جاء في كتاب هيلل كوهين "عرب جيدون" (صفحات 166-167) حيث يقول:
"بعد أسبوع من يوم الإستقلال حل الأول من أيار، وقد أقيمت بتلك السنة مظاهرات صاخبة في الناصرة وأم الفحم. المئات من النشيطين الوطنيين وأعضاء الحزب الشيوعي الاسرائيلي أعتقلوا على أيدي الشرطة وقسم منهم لأسابيع طويلة. هذه الأحداث كانت هي الأخرى مناسبة للعرب الأوفياء بأن يعبروا عن وفائهم.
عضو الكنيست فارس حمدان لم يدع هذه الفرصة تفوته وقدم إستجواب لرئيس الحكومة دافيد بن غوريون:

"في 1 أيار نظم الحزب الشيوعي أعمال شغب منظمة في مدينة الناصرة وقرية أم  الفحم. الجمهور يستنتج من خلال هذه الأحداث الخطيرة إستنتاجا عاما وخاطئا حول علاقة السكان العرب مع الدولة. الحقائق تثبت بشكلٍ دامغ أن هذه الأحداث كانت عبارة عن إستفزاز من قبل الحزب الشيوعي والذي قام بتحريض أعضائه بشكل خطير وخياني. بناءاً على محاولة الإضرار بالدولة ومن منطلق حرصي على السمعة الطيبة لعرب اسرائيل، بودي أن أسأل سيادة رئيس الوزراء إن كانت الحكومة تفكر بإستعمال الأدوات القانونية التي تحت تصرفها والمعدة لمحاربة خيانة الدولة."

 

إجابة بن غوريون لم تكن مستغربة: "أوافقك الرأي تماماً بالنسبة لطبيعة الشغب الخياني [...] من الواضح ان  الحكومة سوف تتخذ كل الإجرائات المطلوبة ضد كل أعمال الشغب وخيانة الدولة."

 

حمدان قدم هنا مفهوماً بديلاً لموقف التيار الوطني: واجب الوفاء للجماهير العربية في اسرائيل ليس للأمة العربية أو للشعب الفلسطيني وشتاته وإنما لدولة اسرائيل والتي يحملون مواطنتها وخاضعون لقوانينها. الخون هم ليسوا العرب الأوفياء للدولة والذين يطلق عليهم بشكل مهين اسم "أذناب السلطة" وأنما هم بالذات أولائك الذين يصطدمون مع الدولة ومؤسساتها ويضرون بمصالح العرب في اسرائيل وبسمعتهم الطيبة. ليس مستغرباً ان يجد في بن غوريون حليفاً له ولمفاهيمه."

وكذلك ذكر كوهين في مكانٍ آخر من كتابه (صفحة 83) أن:

"وجود أعضاء كنيست عرب يلبسون الكوفية على رؤوسهم وهم يخطبون خطابات مؤيدة للصهيونية كانت كنزا دعائيا هاما للدولة."

هذا هو الدور الذي لعبه أعوان السلطة من الناطقين بالضاد والذي لم يمنع إتساع حملة التضامن المحلي والعالمي خاصةً بعد صدور الاحكام الجائرة بحق المعتقلين وكذلك بعد معرفة اساليب التحقيق الهمجية التي مورست ضدنا قبل ان نقدم للمحاكمة العسكرية، وعرف ايضا ان السلطات قد دعت حاكم صلح الى السجن في الجلمة وهناك عقدت جلسة صورية ومددت فترة توقيفنا. في اي دولة تدعي الديمقراطية يمكن ان يحدث مثل هذا العمل المشين الا في دولة تمييز عنصري..
بعد هذا التوقيف دُعيت مرة اخرى للتحقيق وفي هذه المرة جلس معي اولا محقق واحد وبدأ الحديث معي بشكل سلس وعاد الى اسطوانة السؤال عمّن كان معي في السيارة ومن هو الشاب الذي هتف بحياة عبد الناصر ولم يأخذ مني الا جوابين "لا اعرف" و "لا اتذكر". عندها وبشكل لم اتوقعه ضربني على بطني وبسرعة كواني بعقَب السيجارة التي كان يدخنها، ومن شدة الالم وقعت ولكن بسرعة وقفت وامسكت به من صدره واذا بأربعة رجال مخابرات يدفعون الباب ويدخلون بسرعة، وعندها تراجعت الى الوراء واخذت موقف الدفاع عن النفس ولكن ماذا يمكن ان يعمل شاب لا يزيد وزنه عن 60 كغم مع مجموعة مثل هؤلاء.. وعندما اخذت هذا الموقف طلب احدهم من الجميع بأن لا يتدخلوا، وقال ان هذا الشاب ربما انه متوتر قليلا ويجب ان يرتاح حتى يتذكر كل الامور التي حدثت معه في ذلك اليوم. وقال: اجلس يا توفيق وتذكر من كان معك ومن هتف بحياة عبد الناصر وبعد ان تنتهي من اقوالك ستخرج حالا من المعتقل ونرسلك الى البيت ولن تقدم لأي محكمة..

(عرابة البطوف)
(يتبع)

توفيق كناعنة
الجمعة 4/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع