الشِّعار بين الحلم والواقع



الشعار يبقى شعارا أي حلما ترفعه الجماهير وتهتف باسمه طالما لم يتحقق على ارض الواقع، لكن عندما يصبح الشعار واقعا وحقيقة، عندها لا لزوم لرفعه والهتاف باسمه. فالشعار عبارة عن هدف تريد الجماهير ان تصل اليه بمختلف الطرق الممكنة والمسموح بها، فمثلا عن طريق الكفاح السلمي والجماهيري  أي المظاهرات والاجتماعات الشعبية والاضرابات والاعتصامات، وفي تاريخنا المعاصر هناك مثال مشهور واصبح مثلا يحتذى به في الكفاح السلمي، وهو النضال الذي خاضه الزعيم الهندي المهاتما غاندي ضد الاستعمار البريطاني على بلاده، فقد دافع غاندي عن الشعب الهندي طيلة عشرين سنة تجاه معاملة الانجليز السيئة، فبعد ان عمل في جنوب افريقيا مستشارا قانونيا عاد الى بلاده الهند وتزعم الحركة القومية الهندية داعيا الى تحرير الهند بالطرق السلمية لا بالعنف، كما اضرب مرارا عن الطعام في سبيل تحقيق مطالبه، فالشعار الرئيسي والاساسي الذي رفعه الشعب الهندي بوجه العالم كله هو التحرر من الاستعمار عاجلا ام آجلا، وفعلا كان لهم ما ارادوا وتحول شعارهم من الحلم الى الواقع واستقلت الهند عام 1947.
وعدا عن الكفاح السلمي هناك ايضا الكفاح المسلح لتحقيق شعار التحرر من الاستعمار وفي تاريخنا المعاصر هناك امثلة عديدة، ويكفي ان نذكر هذين المثالين المشهورين واللذين اصبحا يحتذى بهما وهما الكفاح المسلح الذي خاضه الشعب الليبي ضد الاستعمار الايطالي، وكذلك الشعب الجزائري الذي خاض كفاحه المسلح ضد الاستعمار الفرنسي، هذه الامثلة عن الكفاح في حياة الشعوب تظهر لنا بشكل واضح كيف ممكن تحقيق هذا الشعار وتحويله الى واقع، هذا ايضا ما ينطبق على وضع بلادنا، لكن في وضعنا حدث امر فظيع يكاد لا يصدق ومفارقة غريبة، ففلسطين كانت حقيقة واقعة وبأيدي شعبنا الفلسطيني، لكن الآن اصبحت وطنا محتلا، أي شعارا ترفعه جماهير شعبنا وتهتف باسمه لتحرير الارض والنفس، ولأجل هذا الهدف مارس ويمارس شعبنا كل انواع النضالات الممكنة والمسموح، وبالمقابل نجد ان الحركة الصهيونية رفعت شعارا كاذبا وماكرا لأجل تحقيق حلمها وهدفها بالدولة وهو "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض"، وكم انطلى هذا الشعار على قادة وشعوب العالم الذين لا يعرفون حقيقة وأصل هذه البلاد وحتى جغرافية هذه البلاد، فالحركة الصهيونية عن طريق قوة السلاح والترهيب والتخويف واستغلال بساطة الفلاح الفلسطيني ومساعدة الاستعمار الانجليزي وتواطؤ بعض الانظمة العربية استطاعت ان تحقق شعارها وهدفها والذي طالما رفعته ونادت باسمه وهو الدولة، فالحركة الصهيونية انتقلت بشعارها من الحلم الى الواقع، اما شعبنا الفلسطيني فقد انتقل بشعاره من الواقع الى الحلم وهنا تكمن المفارقة الغريبة، ومن كل هذا نستنتج ان الحركة الصهيونية هي التي حققت شعارها على ارض الواقع بطرق غير قانونية وغير شرعية.

(كفر ياسيف)

نايف محمد الحاج *
الخميس 3/4/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع