الزفّة في دمشق.. والعرس في تل أبيب!



* انتهت القمة... من دون «نقطة عالسطر» *

الزفّة في دمشق، فيما العرس في تل أبيب، بحضور راعية النصوص والطقوس كونداليسا رايس.
أين موقع سوريا؟
لم يترك وزير الخارجيّة وليد المعلم مزيداً على مستزيد عندما حمل بقوة على الإدارة الاميركيّة، قبل القمة وخلال انعقادها، متهماً رايس بالعمل على تفشيلها، غامزا من قناة الضغوط التي مورست على الرئيس فؤاد السنيورة لمقاطعة القمة، وعلى العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني لمنعه من المشاركة، «وقد حدّدت موعد مقابلته بشكل متزامن مع بدء اجتماعات دمشق؟!».
وما تحت الزبد أدهى بكثير وفقاً لبعض مصادر المعلومات، وهناك من الاسباب التي تبرر «فورة الغضب» السورية هذه، بما يتجاوز المقاطعة والغياب وانخفاض مستوى التمثيل الى العمق والمضمون حيث تدور الدوائر حول ملفات ثلاثة، الأول: يتعلّق بالتقاطعات الدبلوماسيّة الدوليّة حول الملف الفلسطيني، وعملية السلام في الشرق الاوسط.
والمتوافر على هذا الصعيد ان الوزيرة رايس اتصلت بنظيرها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعيد عودته من المنطقة، وسألته عن الانطباعات التي تكوّنت لديه، خصوصاً بعد محادثاته الطويلة والمعقّدة في دمشق حول الملف الفلسطيني، والاستعداد الروسي لدعوة سائر الدول والاطراف التي شاركت في مؤتمر أنابوليس، الى مؤتمر مماثل يعقد في موسكو.
وجاء هذا الاتصال مكمّلا لحملة تقصٍّ واسعة خطّطت لها الدبلوماسيّة الاميركيّة لمواكبة التحضيرات الجوهريّة للقمة، وكانت المحصلة الأوليّة ـ وفق المصادر ـ متمحورة حول الآتي: إن دمشق تسعى جاهدة لإحراز أي تقدّم على مسارها المتعثّر مع إسرائيل، في موازاة أي تقدّم يتمّ إحرازه على المسار الفلسطيني. وإنها مصممة على رفد الفصائل الفلسطينيّة الراديكالية بمزيد من الدعم كي تبقى قوة اعتراض وممانعة على طريق المفاوضات الدائرة ما بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل لإحباط أي حلّ يمكن التوصل اليه.


الملف الثاني، يتناول المبادرة العربية للسلام حيث تعتبر الادارة الاميركيّة ان مرتكزاتها الأساسيّة قد انصهرت بالمبادئ التي قام عليها مؤتمر أنابوليس، وأن لا شيء اسمه مبادرة عربية للسلام بعدما شاركت الدول العربية الرئيسيّة في أعماله، ووافقت على بنوده وأهدافه، وإن عودة سوريا الى المبادرة والاجتهاد في طرحها على جدول أعمال القمة، وحمل القادة العرب على التأكيد عليها مجدداً، إنما هي محاولة جادة للانقلاب على أنابوليس، وتعــطيل مسـاره، «في محاولة دؤوبة ومكشوفة للعودة بالامور الى نقطة الصفر».
أما الملف الثالث، فيتناول تعطيل مسعى موسكو في الدعوة الى مؤتمر مماثل لأنابوليس، او لاستكمال أنابوليس على أراضيها.
لقد رفضت الادارة الاميركيّة بادئ ذي بدء هذا التحرّك الروسي، وذهبت موسكو في مرحلة من المراحل الى حدود الانتظار والتريث بعدما تبلّغت ردود فعل عربية متضاربة بين معارض ومتريّث ومحبّذ، إلاّ ان دمشق عادت وشجّعت لافروف عندما استقبلته مؤخراً، وحثّته على المضي قدماً بهذا المؤتمر، وان تكون موسكو المبادرة والحاضنة لأعماله، على ان ينطلق من منطلقات مغايرة لأنابوليس، أو ان تكون مبادرة السلام العربية بكامل مندرجاتها على طاولة البحث، وهذا ما أثار قلق رايس من جولة لافروف الأخيرة، وأيضاً غضب المعلم على تدخّلها الفظ.
وهل يقتصر الغضب على هذا الجانب في العلاقات السوريّة ـ الأميركيّة المعقدة والمفتوحة على حسابات جارية؟
ليس الأمر كذلك، تجيب مصادر المعلومات، فالملف اللبناني يشكّل حيّزاً مهمّاً من «فورة الغضب» هذه، وما جاء في الخطاب الافتتاحي للرئيس بشار الأسد يسلّط الضوء على جانب مهم من الحقيقة حول «الطلب بعدم التدخل، ثم الطلب بالتدخل في الشؤون اللبنانيّة».
وفي مطلق الأحوال لا تتفق النظرة اللبنانية، خصوصاً نظرة الموالاة، الى الدور السوري المطلوب مع النظرة السوريّة، وهناك من يقول إن نظرة الأكثريّة مستوحاة من نظرة الولايات المتحدة حيث تطالب الادارة الاميركية سوريا بأن تفعل كذا... وتمتنع عن فعل كذا، في حين ان المقاربة السوريّة مختلفة ومغايرة تماما، وهي تنظر الى أي تعاون او دور مطلوب، من زاوية مصالحها اولاً واخيراً، لأنها في نهاية المطاف، وعلى الرغم من أواصر القربى والتاريخ والجغرافيا، هي دولة، وليست «جمعية خيريّة» توزّع مساعداتها مجاناً!
وتنطلق النظرة السوريّة الى الملف اللبناني من القرار الدولي الرقم ,1559 والمحكمة ذات الطابع الدولي والقرار,1757 والحرص الاميركي على الامساك بلبنان كي يكون «غب الطلب» عندما يحين تمرير ما يفترض تمريره لطمس وتجاوز بعض المواضيع المدرجة على جدول أعمال الوضع النهائي على المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي.
وما يؤجج براكين الغضب السوري هو غياب المنطق الذي ترتاح اليه دمشق، فهي مطالبة من الولايات المتحدة وفرنسا والمجتمع الدولي، وأيضاً بموجب القرارات الدوليّة، وخصوصاً الـ 1559 بالانسحاب من لبنان وعدم التدخل. والمطلوب منها بالمقابل ومن جانب الاكثريّة، وبعض المجتمع الدولي «أن تقدّم رأسها وتضعه فوراً تحت مقصلة المحكمة الدوليّة»، لأن الولايات المتحدة تريد ذلك وتحرّض عليه حتى قبل ان يصدر التقرير النهائي عن لجنة التحقيق الدوليّة، وقبل ان تباشر هذه المحكمة أعمالها... ومع ذلك، وبعد كلّ ذلك، هناك من يطالبها بالتدخل «للضغط على حلفائها بهدف السير بالمبادرة العربية، وانتخاب رئيس للجمهورية»، في الوقت الذي تعلن فيه الادارة الاميركيّة جهاراً نهاراً بأنها ضدّ المبادرة، وضدّ انتخاب الرئيس، وإذا كان لا بدّ او لا مفرّ من انتخابه، فليكن الأمر على قاعدة المزيد من الاستئثار في السلطة، ومن منطلق تكريس «غالب ومغلوب»، في وطن لا يقوم إلا على التفاهمات والتسويات التوافقيّة؟! فهل من هو قادر على إصدار القرارات الدوليّة وتوزيع إفادات «حسن سلوك» على البشريّة جمعاء، عاجز عن معالجة الازمة في لبنان، وعن ترجمة الدعم للرئيس فؤاد السنيورة وحكومته بخطوات عملانيّة على الارض؟ أم أنه يتعمّد «تغطية السموات بالقبوات»، لأنه يريد ان يكون الحل في لبنان على صورة ومثال الحل الذي يريده للدولة الفلسطينيّة، وقضيّة اللاجئين؟

 

انتهت القمة، لكن هذه المرّة من دون «نقطة عالسطر»، لأن النواقص كثيرة والثغرات أيضاً... وإن كانت «فورة الغضب» قد رفعت من مستواها، وصوّرتها أمام الرأي العام على أنها كانت مجرد «حلبة صراع» ما بين سوريا ونظرتها الى الحلول من جهة، والولايات المتحدة وخياراتها من جهة أخرى! 

جورج علم
الأثنين 31/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع