حزبنا الشيوعي يُحيي 90 عامًا من النضال:
ذكريات خِتيار لم تمُتْ أجياله (9)



* قام رئيس المخابرات بدعوة جميع رؤساء تحرير الصحف  اليومية في اسرائيل ما عدا جريدة "قول هعام" جريدة  الحزب الشيوعي باللغة العبرية، لعقد اجتماع لهم، وجرى فيه توجيههم بتشديد حملة التحريض المسمومة على الحزب الشيوعي الإسرائيلي وعلى قيادته وبشكل خاص القيادة العربية داخل الحزب* وكان الرّد: "إن الحزب الشيوعي يفتخر بنضاله الوطني من أجل سياسة سلام وإستقلال وحياد. ومن أجل الإعتراف بحق تقرير المصير حتى الإنفصال للشعب العربي الفلسطيني ومن أجل تسوية سلمية اسرائيلية عربية تأخذ بعين الإعتبار الحقوق القومية العادلة لشعبي فلسطين: شعب اسرائيل والشعب العربي الفلسطيني."*

*خمسون عاماً على احداث ايار 1958:

من المعروف ان الأول من أيار هو يوم عيد للطبقة العاملة العالمية وهذا اليوم تحتفل فيه الطبقة العاملة منذ اواخر القرن التاسع عشر وتحيي هذه الذكرى الخالدة في حياتها، لأنها كانت من أولى المعارك الطبقية التي خاضتها الطبقة العاملة ضد الظلم  الرأسمالي حيث كان شعار تلك المظاهرة الأساسي والتي جرت في الولايات المتحدة الأمريكية وبالتحديد في مدينة شيكاغو، هو تحديد ساعات العمل للعمال. في تلك المظاهرة بطشت السلطة الحاكمة بالمتظاهرين موقعةً عدد من الضحايا؛ ولكن في النهاية إستطاع العمال أن يحققوا جزءاً هاماً جداً من مطالبهم العادلة الا وهو تحديد ساعات العمل اليومية بثماني ساعات.
منذ ذلك  التاريخ والطبقة العاملة في جميع أنحاء العالم تحيي هذه الذكرى الخالدة. ونحن هنا في هذه البلاد كنا وما زلنا نحيي هذه الذكرى بالمظاهرات في عدد من مدننا وقرانا؛ ولأحداث أيار 1958 في الناصرة وأم الفحم هنالك أهمية خاصة لجماهيرنا العربية في داخل اسرائيل حيث كانت أول إنتفاضة جماهيرية من أجل البقاء والحق في المساواة وحق شعبنا من أجل تقرير مصيره على ترابه الوطني. كذلك كان لهذه الإنتفاضة الدور الأساسي في نقل جماهير شعبنا من مرحلة الصدمة الى مرحلة التصدي والمواجهة الجريئة ضد النظام العنصري الذي فرض على الجماهير العربية التي بقيت في وطن الأباء والأجداد.

 

السياق العام لسنة 1958 هو ذو أهمية أيضاً إذ أن العام 58 شهد أيضاً أوج الثورة التحررية في الجزائر ونشوء أنظمة معادية للإستعمار وأحلافه في كلٍ من مصر وسوريا حيث جرت الوحده بينهما في تلك السنة. قيادة البلدين كانت تبحث في هذا المشروع منذ العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956 وكانت هذه القيادة تنتهج سياسة تحررية معادية للإستعمار ووطدت علاقات التعاون الوثيق مع الإتحاد السوفياتي وباقي الدول الإشتراكية خاصة بعد صفقة الأسلحة التشكية عام 1954 والإنذار السوفياتي الشهير إبان العدوان الثلاثي على مصر.

 

خلال العام 1957 وضعت قضية الوحدة بشكل جدي بين الدولتين وطرح البرلمان السوري على بساط البحث قضية الوحدة في جلسة خاصة عقدت بتاريخ 17/11/1957 وفيها إتخذ البرلمان  السوري قراراً يدعو فيه الى الوحدة بين مصر وسوريا وفيه أيضاً دعا مجلس الأمة المصري لإتخاذ قرار مماثل. بعدها بفترة بسيطة وفي أول شباط 1958 إجتمع الزعيمان: المصري جمال عبد الناصر والسوري شكري القوتلي وفي هذا الإجتماع إتخذا قراراً بأن الظروف مواتية من أجل قيام الوحدة بين البلدين. وعلى أساس هذه القرارات والأبحاث التي جرت بين القطرين الشقيقين أعلن جمال عبد الناصر في خطاب له أمام مجلس الأمة المصري بتاريخ 5/2/1958 عن قيام الوحدة بين مصر وسوريا وفي تاريخ 21/2/1958 جرى إستفتاء في كل من سوريا ومصر حول  الوحدة ورئيسها وكانت الأغلبية المطلقة مع الوحدة ومن أجل تسمية عبد الناصر رئيساً للدولة الموحدة.
إن هذا الحدث التاريخي الهام قد زاد من صعود المد الثوري الوطني والقومي بين الجماهير في العالم العربي وكذلك بين جماهيرنا العربية في هذه البلاد أيضاً. القوى الرجعية في العالم العربي ردت على هذه الوحدة بين مصر وسوريا بإقامة إتحاد فدرالي بين عراق نوري السعيد والملك فيصل من جهة وأردن الملك حسين من جهة أخرى في تاريخ 14/2/1958 ولكن هذا الإتحاد لم يدم إلا بضعة أشهر حيث جرت الثورة العراقية في 14/7/1958، والتي حطمت هذا الإتحاد المزيف، وكذلك كانت ضربة قاسية لحلف بغداد العدواني والذي أقامه الإستعمار في منطقة الشرق الأوسط.

 

إن هذه التطورات التي حدثت في العالم العربي قد أقلقت الإستعمار وأعوانه في العالم  العربي واسرائيل. ففي بلادنا ازداد الهجوم على الحزب الشيوعي وزادت محاولات الدس على قيادة الحزب بين الجماهير العربية، وبشكل خاص بعد الإجتماع الشعبي الذي عقد في عرابة بمبادرة فرع الحزب بتاريخ 8/2/1958 أي بعدما أعلن جمال عبد الناصر الوحدة بين مصر وسوريا بثلاثة أيام فقط. يومها تكلم في الاجتماع عضو الكنيست وعضو المكتب السياسي للحزب في ذلك الوقت الرفيق إميل حبيبي والذي حلل فيه الأحداث السياسية الجارية في العالم عامة وفي العالم  العربي ومنطقتنا، وكذلك في داخل اسرائيل. وقال: "ان الوحدة التي قامت بين سوريا ومصر سوف تتسع مع الزمن وما من قوة تستطيع ان تمنع هذا التطور الطبيعي والمحتوم خاصة بعد إنهيار السيطرة الإستعمارية في منطقة الشرق الأوسط." وتحدث كذلك عن قلق حكام اسرائيل من هذا التطور الهام وقال انهم يحاولون كبت النهوض القومي والوطني لدى الجماهير العربية في اسرائيل بأساليب فظه ومحاولة إظهار هذا النهوض بأنه "مؤامرة يحيكها الشيوعيون العرب في داخل اسرائيل" او تعليمات من جمال عبد الناصر "ضد اسرائيل".
بعد هذا الإجتماع إزداد التحريض على الحزب  الشيوعي وعلى الشيوعيين العرب بشكل خاص وكانت محاولة لإثارة الخلاف داخل الحزب على أساس قومي بين الشيوعيين العرب واليهود حيث خرجت جميع الصحف الحكومية بحملة هوجاء بموجب تعليمات من جهاز المخابرات الاسرائيلي على الحزب الشيوعي. حيث قام رئيس المخابرات بدعوة جميع رؤساء تحرير الصحف  اليومية في اسرائيل ما عدا جريدة "قول هعام" جريدة  الحزب الشيوعي باللغة العبرية، لعقد اجتماع لهم، وجرى فيه توجيههم بتشديد حملة التحريض المسمومة على الحزب الشيوعي الإسرائيلي وعلى قيادته وبشكل خاص القيادة العربية داخل الحزب.
بعد هذا الإجتماع خرجت جميع الصحف اليومية في ذلك الوقت، من جريدة "عل همشمار" التابعة لحزب مبام الى جريدة "دافار" جريدة المباي و- "هبوكر" التابعة لحزب "أحدوت هعفودا" و "الجيروزاليم بوست" باللغة الإنجليزية وكذلك "اليوم" جريدة السلطة باللغة العربية، وكلها مليئة بمقالات التحريض والإفتراء والدس على الحزب  الشيوعي وقيادته. رداً على هذا التحريض أصدر المكتب السياسي للحزب الشيوعي بياناً حذر فيه من دسائس المخابرات وأساليبها التآمرية وأضاف الحزب في البيان: "إن الحزب الشيوعي يفتخر بنضاله الوطني من أجل سياسة سلام وإستقلال وحياد. ومن أجل الإعتراف بحق تقرير المصير حتى الإنفصال للشعب العربي الفلسطيني ومن أجل تسوية سلمية اسرائيلية عربية تأخذ بعين الإعتبار الحقوق القومية العادلة لشعبي فلسطين: شعب اسرائيل والشعب العربي الفلسطيني."

 

الحزب في ذلك الوقت كان يتحدث بحسب برنامجه ان من حق الجماهير العربية في اسرائيل النضال من أجل تقرير مصيرها وحتى الانفصال؛ لأن الأغلبية المطلقة من قرانا ومدننا التي بقيت في وطنها كانت حسب قرار التقسيم لعام 1947 ضمن حدود الدولة الفلسطينية وعلى هذا الأساس كان هذا هو شعارنا في تلك الفترة وما بعدها.

 

*هدف السلطة من التحريض على الحزب الشيوعي:

ان الحملة الشرسة التي شنتها السلطة وأجهزتها على الحزب الشيوعي لم تكن صدفة بل ذات هدف جدي وواضح هو إرهاب الجماهير العربية ومنعها من الالتفاف حول هذا الحزب الذي يرعى مصالحها ويدافع بكل جرأه ومثابرة عن حقوقها القومية واليومية العادلة. ولذلك، بدأت السلطة بالتحريض المركز منذ بداية العام 1958 بشكل خاص لأنه في هذه السنة تصادف الذكرى العاشرة لقيام دولة اسرائيل والذكرى العاشرة لنكبة شعبنا العربي الفلسطيني. فكانت تريد بمناسبة هذه الذكرى ان تقيم الأفراح والليالي الملاح في المدن والقرى العربية بهدف إظهار الجماهير العربية داخل اسرائيل على انها تعيش حياة رخاء وأمن وسلام وأنها ترقص فرحاً لوجودها في دولة اسرائيل.

 

السلطات كانت تحضّر بشكل مكثف من أجل إقامة هذه الإحتفالات للعيد العاشر لقيام الدولة في المدن والقرى وخصوصاً في الناصرة قلب الجماهير العربية النابض وذلك عن طريق عملائها. السلطات دعت الصحفيين والإعلاميين من جميع أنحاء العالم لحضور وتغطية هذه الإحتفالات إعلامياً وإظهار شعبنا يرقص على أطلال قراه المهجرة ونكبة شعبه.

 

في مثل هذه الأجواء كان على الحزب الشيوعي وضع برنامجه الخاص من أجل إظهار حقيقة الأوضاع المأساوية التي تعيشها الجماهير العربية في ظل سياسة الإضطهاد القومي والتمييز العنصري ونظام الحكم العسكري البغيض الذي ترزح تحته هذه الجماهير.
في مثل هذه الأجواء ربما نسيت السلطة أو تناست أن ذكرى إحتفالات العيد العاشر لقيام اسرائيل تصادف الذكرى العاشرة لنكبة شعبنا العربي الفلسطيني، وأننا كذلك على أبواب إحياء ذكرى يوم الأول من أيار يوم الطبقة العاملة العالمية والذي تسير خلاله في كل سنة مظاهرة جبارة بقيادة الحزب الشيوعي في مدينة الناصرة. من أجل عرقلة هذا النشاط الهام عملت السلطة بكل الأساليب المخابراتية من أجل ان تسيّر عملاءها في مظاهرة في اليوم نفسه وفي الساعة نفسها، وبذلك تستطيع ان تمنع الحزب من  القيام بمظاهرته. لذلك كتب الرفيق سليم القاسم، أحد القادة النقابيين الشيوعيين في منطقة الناصرة بتاريخ 15/4/1958 مقالاً تحت عنوان "كل برامج الإحتفالات المصطنعة في عيد الإستقلال لن توقف تمسّكنا بحقوقنا القومية واليومية" وهذا عملياً كان رداً على التحريض الذي تقوم به السلطة وأعوانها في الوسط العربي من أجل الإحتفال في ذلك اليوم.
وفي المقابل ايضا كانت قيادة الحزب الشيوعي قد وجهت كافة مناطق وفروع الحزب والشبيبة وبشكل خاص في منطقة الناصرة من اجل العمل على ان تكون مظاهرة الاول من ايار في مدينة الناصرة اكبر مظاهرة جماهيرية عمالية لكي تكون ردا مفحما للسلطة واعوانها في الوسط العربي، وان الحزب الشيوعي لم ولن يُنزل علم النضال من اجل حق شعبنا العربي الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة، وهذا الشعار هو دائما احد الشعارات المركزية في مظاهرة اول ايار كل سنة، وفيها ايضا تلقى كلمات من قادة الحزب تشرح فيها المآسي التي تعيشها جماهيرنا العربية في ظل الحكم العسكري وسياسة الاضطهاد القومي والتمييز العنصري والنكبة التي حلت بشعبنا وما هي الطريق الصحيح الذي يجب سلوكه من أجل الوصول الى السلام العادل والدائم، والذي لا يمكن ان يتحقق إلا بإحقاق الحقوق المشروعة لشعبنا العربي الفلسطيني وبتنفيذ جميع القرارات الدولية المرتبطة بقضيته العادلة.

(عرابة البطوف)
يتبع

توفيق كناعنة*
السبت 29/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع