ألجانب الاخلاقي في المعايير الحزبية



قلّما تجد فرقا في الجوانب الاخلاقية بين تلك التي كانت سائدة في المجتمع العادي والتي يجب ان تكون في معاييرنا الحزبية. أقول التي كانت سائدة، لأن بعضها اصابه التسلل والضعف الى حد ما، مع الاخذ بالاعتبار الفرق الجدي بين القول والعمل.
من القيم الاجتماعية الانسانية نأخذ على سبيل الامثلة: الصدق، السخاء، الجرأة، الشجاعة. المجتمع لا يقدّس الكذب ولا البخل ولا الجبن والنذالة، بالعكس فهو يرفضها ويتمسك بالقيم المضادة لها.

 

صحيح ان الاخلاق وهي تنضوي تحت خانة المثالية والوعي والضمير، وهي انعكاس كما كل اشكال الوعي، للمادة التي هي الاصل وهي الاساس. ونرى ان هذه القيم الاخلاقية هي نفسها التي من المهم التمسك بها في الحياة الحزبية، وهذه المعايير هي جزء من العوامل المساعدة والحاسمة في التنظيم الحزبي، ففي مجال الجرأة والشجاعة – يدخل النقد والنقد الذاتي والذي هو من مبادئ التنظيم ومن الجوانب الهامة في مبدأ المركزية الدمقراطية، بالاضافة الى وجوب كون هذه القيمة من ميزات المناضلين الحقيقيين المدججين بالمسؤولية الواعية، يظهر ذلك في الجهارة بالموقف، ويظهر ذلك في المعارك النضالية خاصة في مواجهة الصعوبات والصدام مع العدو الطبقي والفكري والسياسي اذا تطلب الامر ذلك، وقد يكون ذلك التصدي بالكلمة والصوت واليد والاداة بحسب ما يمليه الظرف العيني، وانا لا اقول ان هذا الامر هو وقف على تيار معين في المجتمع، فقد سبق وعمّمنا ان هذه من سمات الحياة الاجتماعية بشكل عام.

 

الاستقامة تتطلب الصدق والشجاعة، وتتطلب المبدئية في اتخاذ الموقف المبدئي من قضية مشابهة، دون اللجوء الى المواربة والتلوّن، فازدواجية الموقف من نفس القضية تعني المداهنة وتنبع من الانانية والذاتية. وقد تراني أميل احيانا الى التصويت العلني داخل الاطار التنظيمي وليس من منطلق المس بالحرية الشخصية، بل من اجل ان العلنية احيانا هي الكاشف الاكثر لرأي الفرد ومدى صدقه وشجاعته في مواجهة مختلف الاعتبارات والضغوطات والوعود المتبادلة الملطخة احيانا بالنفعية والانتهازية المقلقة والمقرفة والرخيصة، اعود واكرر دون قصد ابدا المس بالحرية الشخصية للفرد، لأننا كثيرا ما نواجه تناقضا فظا بين القول والفعل، وقد نجد ان هذه القيم والثوابت الانسانية الاجتماعية في التنظيم والمجتمع متماسكة ومن الصعب تقسيمها وعزلها بعضها عن بعض، فلا يمكن فصل الصدق عن الجرأة، وفصل الاخيرة عن الاستقامة، بالعكس فان هذه التعابير المختلفة في اللفظ مرتبطة الى حد كبير بالفحوى والمضمون.

 

أقول ذلك وأنا اطمح الى وضع حد، والى زوال الدعاية الممجوجة وترتيب القوائم والقوائم المضادة في كل انتخابات داخلية في تنظيمنا الحزبي اولا ومن ثم الجبهوي، اطمح ونطمح جميعا ان يرمي كل واحد منا اية قائمة اسماء دعائية في وجه مقدمها ومنظمها ومن يقف وراءها، لكن يبدو ان هذا الطموح ليس قريب المنال، مع ان هذه الاساليب هي دخيلة وليست اصيلة، واذا كانت هذه هي الحداثة وهذا هو تغير الايام وهذه هي المستجدات فكم علينا من واجب الكفر بهذه الحداثة وهذه المتغيرات، تستطيع ان تؤيد رفيقا وان لا تؤيد آخر بمنتهى البساطة، بالتصويت او بعدم التصويت له ليس بهذا الشكل التظاهري والذي فيه احيانا الاذدناب او الحقد بحسب الحالة والموقف الذي تتخذه، حتى في الوعظ الروحاني يقال: اذا تصدقت بيمينك فلا تجعل يسراك تعرف ذلك، والا فسيصبح الامر منّة، فكم بالحال ان يظهر احدنا بمظهر المذدنب والظل او المتزلّف والحاقد!!، هنا يظهر اهتزاز الثقة بالنفس وطمس الحرية الشخصية واهانة الكرامة الشخصية التي هي من ميزات الانسان الحقيقي، وهذا الامر ينطبق تمام الانطباق ليس فقط على الحياة الحزبية في حزب ثوري، بل ينطبق على العلاقات الاجتماعية وعلى الادب ودور الناقد والنقد، فالموضوعية هي الصدق وهي النزاهة طبعا بحسب مفهوم الفرد لذلك. وكم نحن بأمس الحاجة الى التأكيد على ان التواضع ليس ضعفا، وان الخرق ليس بطولة وبأن الصراخ والتشويش ليس من الادوات الملائمة جدا للاقناع وإثبات الوجود والذات وان "الجنود المجهولين" هم القاعدة وهم الاساس وهم الاكثرية الساحقة دون المس ابدا بالدور القيادي لهذا وذاك، وحبذا لو نتطرق مرة ومرات الى تعريف ماهية الصفات القيادية للشخص، للفرد.

 

فإذا اخذنا مسيرة ومحطات ومواقف حزبنا الشيوعي ككل ومن اعقد القضايا نرى فيها الصدق، ونرى فيها الشجاعة والاستقامة واختيار الاصعب ان كان صحيحا على الاسهل ان كان فيه نوع من التراجع والتأتأة والتون والانتهازية والنفعية الضيقة.
والسؤال المطروح أليست هذه المسيرة بهذه الميزات العظيمة يجب ان تكون حاصلا ومجموعا للسيرة والمسيرة الذاتية للفرد؟ للعضو؟ هذا هو الامتحان الحاسم والمصيري للفرد والمجموع، للفردي والجماعي، فإذا كان الجماعي هو مجموع الفردي فكم على هذا الفرد ان يحصّن نفسه من كل المغريات والضغوطات والاعتبارات، وكم على هذا المجموع ان يبذل الجهد في سبيل نقاء وأصالة وصدق وشجاعة هذا الفرد الذي هو الاساس.

محمد نفاع *
الخميس 27/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع