زينب والهيطلي والجوكر بينهما



كان الديوان عامرا في دار "ابو زكي" محمود الهيطلي، فعودة ابنه من دار الغربة بعد غياب دام سبع سنوات متسلحا بشهادة دكتور نفساني اكثر من حدث مهم بالنسبة للعائلة وللقرية، خاصة وانه اول اختصاصي في مجال "معالجة المجانين" كما فكر اهالي البلد في البداية. ودار الحديث حول اهمية اختصاص الدكتور حسن الهيطلي في معالجة الامراض النفسية المتفشية بين السكان خاصة الخوف وعدم الثقة بالنفس وجنون العظمة والهشت والمعط بشكل خيالي لا يتصوره العقل. واجمعت العائلة على اهمية فتح عيادة للدكتور في باب منزول القرية حيث يتجمع دائما المسنون والعواطلية. وفعلا باع والده دونما من ارض العمار وجهز له عيادة عصرية ويافطة كتب عليها بالخط الكوفي البارز "د. حسن الهيطلي اختصاصي نفساني". ومر شهر ولم يطرق باب العيادة أي طارق والدكتور عطال بطال يكش الذباب ويتثاءب من الفلاس. في ظهيرة احد الايام مرت من امام عيادة الدكتور حسن "زينب الخوثة" اعقل وارجل امرأة في القرية، سموها الخوثة والمجنونة لأنها تجرأت ووقفت ضد المختار البلطجي العربيد الذي هدد والدها اذا لم يدفع "الخاوة" عن محصول ارضه، لم تستطع زينب السكوت على اهانة والدها، بصقت في وجه المختار وصرخت "مش عبيد ابوك نحن حتى ندفع خاوة واحصد وادرس لبطرس"، وحتى يبعد شر المختار ادعى والد زينب انها مخبولة ومجنونة وحمد الله ان جاء نصيبها وتزوجت لأحد ابناء احدى القرى المجاورة. وزينب كانت ابنة صف الدكتور حسن في الابتدائية، لمحته في العيادة، ميّلت وسلمت عليه وقص عليها حسن مصيبته في عمله، فقالت له زينب ان وضع البلد مصيبة الناس فقدت الثقة بنفسها ولا تعي ما هي مصلحتها وتخاف من العلاج النفسي ان يؤدي الى اتهام الناس لها بالجنون، خسارة انه لا يوجد في بلدكم حمر وناد للحمر يدخلون النور الى البيوت المظلمة والوعي الى عقول الجهالة والجرأة الى قلوب الارانب، اقترح عليك ان تفتح في الطاب الارضي من بيتكم ناد وتعلن عن اقامة "جمعية التوعية والرفق بالانسان" وتستعين ببعض الحمر من القرية المجاورة، اعرّفك عليهم، وسترى الدفء يغزو عيادتك. وبشطارته دعا الدكتور حسن المختار العربيد لافتتاح نادي الجمعية وامتلأت القاعة بالحضور من الاهالي، وتحدث الدكتور حسن عن القضايا النفسية واعراض الامراض النفسية واهمية معالجتها وضرورة زيارة المختصين وانه ليس من يعاني من عقدة نفسية مجنونا، وتحدث الرفيق عمر عن الحقوق القومية والمدنية ومقاومة سياسة التمييز وتحدثت زينب عن يوم المرأة العالمي، اما الرفيق سمعان فتحدث عن الاحتلال وحق الشعوب في المقاومة. ولم تمض عدة اشهر حتى اصبحت العيادة مزار السكان وتحول النادي الى جامعة تثقيفية اخرجت المختار من حبال عقله وامطر المخابرات بشكاويه ضد الدكتور الذي اصبح رفيقا احمر افسد عقول الاهالي وحول النادي الى بؤرة تخريبية "معادية للدولة" على حد زعمه وانه اصبح معزولا مثل الكلب الاجرب.
قبل يومين التقيت الدكتور الهيطلي في بيت رفيقي الاستاذ ابو العبد، ومن حديث الى حديث قال الدكتور حسن ان اصعب مرض نفساني هو جنون العظمة خاصة اذا تقمصه انسان انتهازي. فقبل اسبوع جاءني الى العيادة شيخ جليل قال انه "ابو صالح" طلب مشورتي في معالجة ابنه، فابنه يعتقد انه وحيد عصره مصاب بداء جنون العظمة، لا يصمد في أي مكان عمل مع انه حربوق ومثقف، حشري يتدخل في ما يعنيه وما لا يعنيه، يتصرف كأنه اشطر من مشغّليه، "نودنيك" عوّف سماء زملائه في العمل، اينما يذهب ينجح في كسب كراهية المحيطين به. وينتهز الفرص ليدفع بنفسه لاشغال أي مكان عمل فارغ، كأنه يتقن كل الاعمال والمهن، حتى انه تفاتل مع احد زملائه لأنه اقترح عليه ان يقدم طلب عمل راقصة في كباريه بمدينة نهاريا!! احد خفيفي الظل لقبه "بالجوكر" الذي يمكن ان تضعه مع أي من اوراق الشدة وان المحروس ابن الشيخ يعتقد انه مثل الجوكر يصلح ليكون في أي مكان او في اية مسؤولية حتى لو كانت مسؤولية سكرتيرة حركة النساء الدمقراطيات او مرشح رئاسة مجلس محلي او رئيس لجنة مراقبة او عارض ازياء! وختم الدكتور حسن حديثه بدعاء الشفاء لمجانين العظمة وصيانة شعبنا وتنظيمنا منهم ومن الانتهازيين من متسلّقي الاشجار قفزا وهرولة.
د. احمد سعد
الخميس 27/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع