عباس وزهار



يروي الكاتب والصحفي التركي عزيز نيسين حكاية فولكلورية حدثت أو لم تحدث في الريف التركي- وهذا غير مهم- فهي حكاية، مجرد حكاية.. لكنها غير مجرّدة من حيث العبرة، تماما كحكايات أجدادنا وجدّاتنا في كل مكان.. في الهند كما في السند وفي بغدان كما في تطوان و مصر وسوريا ولبنان...
وأنا- الفقير لله تعالى- عندما قرأت الحكاية أعجبت بها. وبما أن الحياة وتجاربها وعبرها والتعلّم منها هي مسألة تراكمية.. منها العقلي ومنها النقلي، فدعوني يا أيها الذين أحبهم  أنقل اليكم تلك الحكاية، لكن بأسلوبي الخاص الذي لا يختلف كثيرا عن أسلوب عزيزنا عزيز.. رحمه الله- مع خط أحمر تحتها حتى لا يشك أحدهم أنني أتعامل مع حي... وكنت قد تعاملت معه مرةً كذلك لأنني أعتقد أن الكاتب والشاعر والفنان لا يموت!
تقول الحكاية أن السيد عباس إشترى مرة تراكتورا، فزيّنه ووضع عليه عجينة مع ضمة عُطرة وحبق وخُبّيزة.. وقفل عائدا إلى قريته. إحتفى الأهل به وبتراكتوره الجديد من نوع فيركنسون الأحمر الذي يلمع لمعانا يطيّر ضبان العقل. وبعد يوم أو يومين جاءه صديقه زهّار ذو الطبع الحاد، فقرر عباس أن يحتفي به ويبسطه ويكرم وفادته بأن يأخذه مشوارا في الحقول... الطقس ربيع والهواء عليل والشمس معتدلة. فصعدا إلى ماركة فيركنسون العتيدة التي أخذت تهدر وعباس نافش ريشه يتباهى  بتراكتوره الجديد.
وبينما هما في الطريق الترابي بين سيقان القمح الخضراء وإذا بهما يلاحظان بعض أبيات المُقرة والسلق والسِنّارية فقال عباس: ولك زهار لماذا لا نلقّط شيئا من هذه الخيرات؟ ونزلا من على التراكتور، وبينما هما منهمكان لاحظ عباس لطعة بقر ما زالت طرية يخرج البخار منها. فأراد أن يماحك صديقه. قال له: ما رأيك أن نتراهن؟ فإذا أكلت هذه اللطعة أعطيك هذا التراكتور.
قال زهار: كلمة شرف؟
قال عباس يتحداه: كلمة شرف! وحلف وأقسم باغلظ الإيمان.
فسال لعاب زهار.. طبعا ليس على براز البقر إنما على التراكتور. وأخذ يلتهم بصعوبة بادئ ذي بدء، ثم لم يعد يستطعم.. حتى أتى على القرص  جميعه. فكسب الرهان. وتبدلت المواقع.. فأصبح التراكتور ملكه.
وساق زهارالمكن وهو يتلمّظ- ليس بطعم البراز.. إنما بحلاوة النصْر. وبينما هما في الطريق عائدين إلى القرية وإذا بهما يشاهدان لطعة أخرى خرجت للتو من مؤخرة بقرة.
قال زهار: ولك عباس ما رأيك أن نتراهن مرّة أخرى... قال عباس: كلام شرف؟!!! كلام شرف...
نزلا.. وأخذ عباس يأكل الخراء الطازج بدوره (حاشا القراء) حتى أتى عليه بعد جهد... واستعاد التراكتور... ركباه وساقه عباس وهو يتلمظ بحلاوة النصر.
قال زهار: ولك يا عباس شو عملنا بحالنا؟ قال عباس وقد أدرك ما حدث: أكلنا الإثنان... وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جئنا.

وليد الفاهوم
السبت 22/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع