بن غوريون هُزم في حيفا



أجلس في احد المقاهي في حيفا العزيزة، أم البدايات، بداية النهايات ونهاية البدايات، ومن الخلف يطل الكرمل شامخا لتحسبه درعا آمنا مؤمنا حيث لا تكترث للاخطار الطبيعية ولا للصواريخ النووية بعيدة المدى..
اطلب من النادل جعتي المفضلة واسأله عن مدى حبه للصهيونية.. يعبس وعلامات الغضب قد بانت على وجهه وعندها قلت في سريرتي انه لا جعّة في هذه الليلة، ولماذا احبها اصلا يقول، بعد ذلك اعرف ان نادلنا مهجر بفعل عصابات بن غوريون من برعم..
في هذه الاثناء يبدأ صديقنا مايكل بمعانقة العود ويلحن من الطرب الاصيل ما لذّ وطاب، "مُضناك، جفاه ومن غير ليه"، وترى الكرمل يتمايل، يا كرمل البحرين إثبت ليس الوقت وقت هزات وألم ألم تحمِ ظهورنا الى الآن؟ ويرد الكرمل اصبر وستنال، جبروت وبطش بن غوريون لم يهزّ الكرمل للحظة ولكن الكرمل الذي كان بمثابة البيت الاول للثوار الفلسطينيين من حيفا وبلد الشيخ والطنطورة وقرى اخرى في قضاء حيفا وكافة المناطق الفلسطينية والذي كان ايضا المنزل الاول للعشاق الفلسطينيين الذين وجدوا فيه حبهم الاول، وعندما اجتمع احفاد هؤلاء وهؤلاء في بطن الكرمل اهتز الكرمل طربا..
وبالقرب تجلس فتاة جميلة اسمها جميلة، التقيتها صدفة في مظاهرة ام الفحم الاخيرة استنكارا وغضبا على افعال احفاد بن غوريون الاشاوس واسألها ما الذي يجعل هذه الحسناء تشارك في المظاهرة؟ تنظر الى الاعلى وتقول لي هل الكرمل يحمينا الآن، اجبتها بنعم وتستطرد من الذي يحمي الكرمل من الخلف؟ فهمت ولم افهم لعلها ارادت ان تقول شيئا ما عن ام الفحم او عن النقب او عن غزة لعلها..
في الخلف يجلس رفيقنا وحيد الذي وفي احدى المظاهرات في الجامعة وعندما لم يرق له الامر لأننا حوصرنا في ثنايا الجامعة وفي وسط الجموع المجمّعة قال لنا بصوته صوت الموحدين ابناء المغار الاصايل "يللا ننزل عالشارع" وكان الذي كان، اذ تم اعتقال كافة قيادة الجبهة الطلابية، ما بظل بالوادي غير حجارته، وفي المعتقل لم نغضب على حيفا ولم نجافها بل بدأنا انا والرفاق وحيد، انس، مصعب، فادي، طارق وأوري نغني للسجان: يا ظلام السجن خيّم اننا نهوى الظلاما/ليس بعد الليل الا فجر مجد يتسامى، ويتهافت السجانون لينظروا ما الامر وعلامات ارتباك في صفوفهم.. لقد خاف السجان وشعر انه السجين، أتسجن حيفا اهلها!! يتململ بن غوريون، هل من المعقول ان احاصر في "ارض اسرائيل" الصغرى والكبرى..
هنا في حيفا وجد الكرمل ضالته وتمايل طربا ليس بفعل الطرب بل لأنه وجد طلابنا ومثقفينا وسياسيينا وشعبنا في حيفا وتمايل طربا عندما شمّ رائحة الثوار والعشاق ويا بن غوريون هنا لنا ماض وحاضر ومستقبل، وهنا في حيفا بن غوريون انهزم.

(حيفا)

محمد جمل
السبت 22/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع