الرفيق ألون لي جرين، القائد العمالي الشاب وسكرتير فرع الشبيبة الشيوعية في تل أبيب يحكي لنا:
كيف زعزعت "ثورة البقشيش" شبكة المقاهي الثانية في العالم؟! وأشغلت حتى منظمة الغذاء الدولية لتنتهي بنصر مدوٍ ومبشر..



* الرفيق ألون لي، يحترف السباحة ضد التيار، المرة الأولى كانت في العام 2004 عندما قرر الإنضمام إلى فرع الشبيبة الشيوعية، والثانية عندما قرر رفض الخدمة العسكرية، أسوة بكل رفاقه في الشبيبة، أما المرة الثالثة، فكانت عندما قرر الدفاع عن حقوقه وحقوق رفاقه العاملين في شبكة "كوفي بين" شبكة المقاهي العالمية الثانية بكبرها.. هذا النضال الذي استمر أشهر طويلة، وظنه البعض بأنه مجرد "ثورة للبقاشيش" ليتبين فيما بعد بأنه أعاد الهيبة إلى التنظيمات العمالية..*

 

*الإنجاز*

شهدنا قبل اسابيع قليلة، إنجازا عماليا هاما: للمرة الأولى ستتقاسم شبكة عملاقة، نسبة من أرباحها مع العمال، هذا الإنجاز يصبح أشد وقعا إذا ما علمنا أن الحديث يدور عن شبكة مقاهٍ ونادلين يعملون فيها، خاصة أن مجال العمل هذا، إلى جانب مجالات أخرى كالحراسة والتنظيف يعتبر حلبة لتسجيل خروقات فظة بحقوق العمال، دون السماح لهم بأي من أشكال التنظم أو المطالبة بالحقوق..
هذا الإنجاز، العائد بـ 10% من أرباح شبكة "كوفي بين" في البلاد، لصالح عمالها الـ 300 هو نتاج نضال عمالي مميز، قاده بنفس طويل الرفيق ألون لي جرين، بدعم من رفاقه في الشبيبة الشيوعية والهستدروت.

 

وعن تفاصيل هذا الإنجاز يحدثنا، الرفيق جرين: "الإنجاز كان بالتوصل إلى تسوية جماعية تقتضي بما يلي: الإعتراف بحق العمال بالتنظم وباللجنة التي تمثلهم، توزيع البقشيش بين العمال، الدفع عن الساعات الإضافية، ضمان 12 وردية عمل شهرية على الأقل لكل عامل، استرجاع كامل لمصروفات السفريات بما في ذلك السفر بسيارات الأجرة مع توقف المواصلات العامة في المساء، دفع كل المستحقات القانونية وتوفير عطلة مدفوعة الأجر للمرضى والأهم هو تقاسم 10% من أرباح الشركة سنويا مع العمال".
وبالإضافة إلى كل هذا سيحظى قادة هذا النضال بحصانة لمدة نصف عام لمنع فصلهم الإنتقامي، كما سيعوض عدد من العمال عن مصادرة البقشيش منهم!! 

 

*البداية: التمسك بالحق..*

لو سأله أحدنا هذا السؤال قبل عام، لكان سيجيب بالنفي، بابتسامة خجلى فهو بالفعل لم يفكر أن يكون قائدا عماليا ولا حتى أن يستمر في مكان العمل كل هذا الوقت.. عن البداية يحدثنا قائلا " بعد تخرجي من المدرسة الثانوية، رفضت التجند العسكري وانتقلت للعيش لوحدي فبدأت أبحث عن عمل أعتاش منه.. ووصلت إلى فرع شبكة "كوفي بين" في شارع إيفن جفيرول في تل أبيب، وقبل أن أبدأ العمل قالوا لي في الإدارة إنني سأعمل مقابل أجر 20 شاقل للساعة إضافة إلى البقشيش والسفريات، لكنني اكتشفت أنني لن أحصل على القليل الذ وعدت به، فمدير الفرع قال بأن البقشيش سيستغل لتغطية مصروفات الفرع كما أن السفريات لم تدفع كلها، خاصة ف ساعات المساء بعد توقف المواصلات العامة، فكانت البداية بالتشاور مع رفاق الشبيبة الشيوعية في الفرع وقررنا ضرورة التحرك فبدأت أتحدث مع الزملاء في العمل على حقوقنا، تحدثت في البداية مع كل منهم على حدة، ونجحت أولا باقناع 5 عمال من عمال الفرع العشرين وقررنا أن نلتقي بعد العمل للتشاور.
" توجهت حينها إلى الهستدروت وسألت كيف يمكنهم خدمتي فتبين بأن هنالك مشكلة خاصة وأننا لا نمثل العمال وغير قادرين على ضم ثلثهم على الأقل للهستدروت.. فقلنا بأننا حتى وإن لم ننضم إلى الهستدروت فسنسجل وثيقة قانونية رسمية نطالب من خلالها بحقوقنا بشكل جماعي. وبالفعل تقسمنا إلى مجموعات وزارت كل مجموعة عددا من الفروع لتلقي بالعمال وتمكنا من جمع 50 توقيعا، وكما كنا متوقعين فقط علمت إدارة الشبكة بهذه الخطوة، لكننا لم نفاجأ إذ أننا كنا قد خصصنا الإجتماع الأول للسؤال: كيف سنتصرف إذا علمت الإدارة بالأمر؟!"

 

*الفصل، العودة وتشويش العمل الأول*

يحدثنا جرين عن ردة الفعل العصبية لإدارة الشركة التي بذلت كل الجهود، إن بالعصا أو بالجزرة، منع تنظم العمال، وكانت البداية عندما استدعاه مدير الفرع لمحادثة حذّره فيها من أن ما يقوم به ليس قانونيا وبأن تنظم العمال مخالفة قانونية.. هنا تطور الجدل، وقطعه المدير بتهديد عصبي فظ "حسنا، إننا لن نتمكن من فصلك بسبب هذا الأمر، لكننا سنفصلك ولو بسبب اعوجاج مريولك!"
ويواصل جرين القصة ".. وتحقق هذا التهديد وبالفعل خلال أيام قليلة وفصلت من العمل، والحجة الرسمية كانت أنني لم أنظف ماكنة الإسبرسو بشكل جيد، عندها توجهت إلى الهستدروت ثانية فوفروا لي خدمات محام واستصدروا أمرا بمنع الإقالة وخلال ثلاثة أسابيع كانت المحكمة، وهنالك كانت قضيتان، الأولى باسمي ضد فصلي والثانية باسم الهستدروت ضد منع عمال الشبكة من التنظم في لجنة للعمال. قرار المحكمة جاء إلى صالحنا وعدت إلى العمل لكنني اكتشفت بأن الإدارة استغلت فترة غيابي لكي تستفرد بالعمال وتحسن من ظروف عملهم، وتمنحهم العلاوات وكل ما يجبونه من بقشيش بل ووفرت ساعات عمل إضافية حتى اقتنع قسم كبير من العمال بأن تنظمنا ومطالنا لم تعد ذات معنى ما أدى بقسم كبير من الشركاء الـ 50 إلى سحب تواقيعهم ولم يبق سوى زملائي في الفرع.
الإدارة في هذه المرحلة أعلمتنا بأن كل عمال الفرع ليسوا جيدين وبأنها ستقوم باستبدالنا كلنا بعمال آخرين. هنا بدأنا نتشاور مع الهستدروت بإمكانية الإعلان عن تشويش عمل، وعندما تمكن بأننا نتمكن بالفعل قانونيا أعلنا عن تشويش العمل الأول في كانون الثاني 2008.

 

*مثابرة حتى النصر*

 


د. حنين في إحدى التظاهرات العمالية (تصوير: هيلا روبنشطاين)

 

"إذن بدأنا التشويشات بدعم من الهستدروت، وفي نفس الوقت انتخبنا لجنة عمال لعمال الفرع، كانت مكونة من خمسة أعضاء وانتخبت أنا رئيسا لها. بدأنا نتظاهر امام فروع الشبكة المختلفة. أقمنا عدة تظاهرات ما كانت لتنجح لولا الدعم الخاص الذي تلقيناه من الرفيق جهاد عقل، رئيس كتلة الجبهة النقابية، الذي عمل على تنظيم وتنسيق هذه التظاهرات من جهة وعلى دفع الهستدروت إلى الإلقاء بوزن أكبر في هذه القضية من جهة أخرى. هذه التظاهرات لم تعد متوقفة على العمال، بل صار ينضم إليها نشطاء من أطر مختلفة وخاصة من الشبيبة الشيوعية، كما أن أهمية خاصة كانت لمشاركة رفيقنا عضو الكنيست،  دوف حنين، في هذه التظاهرات، بل أنه طرح القضية امام الكنيست وهذا كله شجع العمال أكثر على المواصلة.
"خلال هذه التظاهرات قمنا بتوزيع المناشير، وطلبنا من الجمهور ألا يدخل إلى المقهى لكن الشبكة لم تتحدث معنا بل استأجرت زعران ليبعدونا عن الفروع ولم تنجح وازداد الإهتمام الإعلامي فبدأت الإدارة تلين. في البداية قالت للعمال بأن مكتبها مفتوح للجميع وبأنها مستعدة للتفاوض مع كل واحد على حدة دون الهستدروت أو لجنة العمال، لكن هذه الخطوة فشلت، فبعثت لنا الإدارة مكاتيب رسمية تحذرنا من أنها ستقدم ضدنا شكوى لدفع التعويضات لها عن خسائرها.. فقلنا بتحد إستصدروا لنا إذن أوامر منع، لكنهم بالطبع فشلوا، فالحق معنا!"

 

*المفاوضات المضنية*

قرار الإدارة بمنع التحدث إلى العمال إنهار في الأسبوع الثالث، بل وكان انهياره مدويا حتى أن أحد أصحاب الشركة، المليونير جاك فايتسمان، قدم من الولايات المتحدة خصيصا للتوصل إلى حل، حول هذه التفاصيل يقول جرين "الشبكة خسرت بسبب احتجاجتنا أموالا طائلة إضافة إلى المس باسم الشبكة، كما أننا طرحنا قضيتنا أمام منظمة الغذاء الدولية والتي تضم 10 ملايين عامل. هذه المنظمة ساندت مطالبنا وهددت شبكة كوفي بين وهي الشبكة الثانية في العالم بالحجم ولها أكثر من ألف فرع، هددتها بأنها إذا لم تستجي لمطالبنا فستعلن المنظمة عن حملة لمقاطعتها ومقاطعة منتوجاتها ما دفع فايتسمان إلى القدوم إلى البلاد لتعلن الإدارة في الإسبوع الثالث من التشويشات عن موافقتها على الإجتماع برئيس الهستدروت، عوفير عيني."
وبهذا بدأت جولة من المفاوضات المضنية. جرين: "قال فايتسمان بأنه أضعف منا وبأن بوسعنا أن نجبره على التوقيع على اتفاقية عمل جماعية لكنه خلال أقل من شهر سيغلق كافة الفروع في البلاد وبعد مفاوضات تم التوصل إلى تسوية جماعية. والفرق بين إتفاقية العمل الجماعية وبين التسوية الجماعية هو بأن التسوية يجب أن تجدد سنويا بعكس الإتفاقية التي لا ينتهي مفعولها بل وتظل قائمة حتى لو تغير شيء ما في القانون، والأهم هو الحفاظ على حقنا بالتنظم.. وهو ما حققناه بالفعل!

 

*البشرى للنضالات القادمة*

يحدثنا جرين عن صورة قاتمة في مجال العمل في المقاهي فهنالك ألوف العمال في المقاهي المختلفة في إسرائيل لا يتقاضون أي أجر من مشغلهم ويعتاشون فقط من البقشيش، وبقي هؤلاء العمال، كما كل العمال في "الوظائف المؤقتة"، عرضة لانهتاك الحقوق، فهل سيشكل هذا النجاح بوصلة لهؤلاء العمال؟! هذا ما ستجيبنا عليه الأيام القادمة.
لكن جرين قادر على الإجابة منذ الآن، إذ يقول كسكرتير لفرع الشبيبة الشيوعية في تل أبيب "سنبذل كل الجهود من أجل الوصول إلى أبناء الشبيبة في كل أماكن تواجدهم وخاصة في أماكن العمل من أجل حمل همومهم اليومية وتحريضهم للمطالبة بحقوقهم.. هذا تعهد!"


الصور:
عقل وجرين، تعاون ودعم توِّج بابتسامة النصر.. (تصوير: هيلا روبنشطاين)

أجرى اللقاء: أمجد شبيطة
السبت 22/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع