لأن الأغاني تتجاوز الحدود..



بيتٌ في مدينة الناصرة، يحتوي على كل مكونات الدفء الشتائية والصيفية أيضًا، إضاءةٌ خفيفة ترسم خيالات ملامح الوجوه على الحيطان والسقف.
دخلتُ إليه بعد أن قررت السماء أن تمطر قليلاً في يوم حار نسبيًا، رأيتها جالسةً تتحدث مع أصدقائها في دمشق حول الإجراءات الأخيرة للأمسية "الافتراضية" التي ستقام مباشرةً ما بين الناصرة ودمشق عبر حاسوب نقال، كاميرا صغيرة ومايكرفون متواضع.. من الناصرة إلى دمشق، ستغني ريم بنا مباشرة لمن أتى من "هناك" ليسمعها ويتخيّل أن ريم بنا وصلت بنفسها إلى الشام لتغني عن كل شيء، وعن حكايتها.
الساعة التاسعة مساءً، أكثر من مئة وخمسين شخصًا في "باب توما" في دمشق، أتوا ليروا ريم تغني عبر التكنولوجيا، ليلملموا صوتها وكلماتها وليحققوا الحلم.
لا بد من كلمات تؤطر الحالة نوعًا ما؛ تهدي ريم بنا أمسيتها هذه إلى فلسطين وشهدائها وأسراها وكل من يهواها، وإلى جمهورها في سوريا.
تنهي كلماتها، وتبدأ أمسيتها بالتهليلة الفلسطينية "يا ليل ما أطولك".. صمت بين الجمهور، صمت ممتد ما بين الناصرة ودمشق، لا حواجز متطفلة تزعج نغماته، وكأن السماء توقفت عن عملها في هذه اللحظة، مهمتها الأساسية أن يصل صوت ريم بنا إلى الدمشق من دون أي خلل.
تهاليل فلسطينية وشامية، أغان من "مرايا الروح" و"مواسم البنفسج"، "أحكي للعالم أحكيله.."، غنتها ريم في الناصرة ووصلت مباشرة إلى دمشق، هكذا من دون أية تقنيات معقدة، لا جوازات سفر، لا معابر ولا حدود.
بيتٌ صغير في الناصرة، صوتٌ اخترق كل الحدود المفروضة منذ أن وُلدنا وقبل، دموع وجدت لها مكانًا بين أغنية وأخرى، وبين غصة حلق لا تريد أن تضيف إلى المشهد تأثرًا إضافيًا. كان هذا اللقاء الأول.
ساعة ونصف الساعة من الأغاني، يرى الجمهور ريم عبر شاشة كبيرة وُصلت بالحاسوب، وريم تراهم عبر شباك صغير في برنامج اتصال عبر الانترنيت، كانت بعيدة- قريبة، وكانوا كذلك.
تنتهي الأمسية في تمام الساعة العاشرة والنصف مساءً، أو أكثر، لم تعد قيمة للوقت في تلك الحالة كما لم تعد قيمة للحدود، صار الافتراض سيد الحالة عندها، والموسيقى أيضًا.
أصدقاء ريم المشتاقون لها في دمشق قرروا أن تحضر ريم إليهم من دون قرارات كبرى، بهذه البساطة تحمل صوتها عبر التكنولوجيا وتغني لهم، لم يمنعهم أي شيء، لأن الأغاني تتجاهل الحدود، ولأنه منذ أن بدأت الحدود تُرسم حولنا لم تنجح يومًا أن تمنع الأغاني من المبيت في بيوتنا، وتغطية أحلامنا خوفًا من الهلاك، ورسم خطوط من أمل تلوّن وجه الحياة.
بيتٌ صغير في الناصرة، بساطة الحالة والتقنيات المتوفرة في هذا الزمن، حملت صوت ريم بنا وأغانيها من الناصرة إلى دمشق. تحقق حلم متراكم هنا وهناك، حلم ليس بافتراضيّ ولن يكون يومًا، كحكاياتنا جميعًا.

رشا حلوة
الخميس 20/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع