حزبنا الشيوعي يُحيي 90 عامًا من النضال:
ذكريات خِتيار لم تمُتْ أجياله (6)



 *في ايلول سنة 1955 نظّم الحكم العسكري والشرطة وعن طريق بعض المخاتير واعوانهم في القرية، اعتداء همجيًا على نادي الحزب الشيوعي في عرابة، حيث قاموا بالاعتداء على الرفاق الذين تواجدوا في النادي، ثم انتقلوا للاعتداء على بيتنا.. واستطاع المحامي حنا نقارة ان يقدم المعتدين للمحكمة بالرغم من كل محاولات السلطة ونظام الحكم العسكري التدخل لصالحهم، ولكن في النهاية قدم عدد منهم للمحاكمة وعمل حنا نقارة على تأجيل المحكمة عدة مرات، وكل مرة كان عليهم ان يحضروا جميعا الى المحكمة وهذا يكلفهم، وبالاضافة لذلك حكم عليهم بدفع غرامات مالية الامر الذي ادى فيما بعد الى كسر شوكة الرجعية واعوان السلطة المحليين*

  في سنة 1954 جرت الانتخابات البلدية في مدينة الناصرة، وحقق فرع الحزب الشيوعي في مدينة الناصرة انتصارا باهرا وهاما في هذه الانتخابات حيث حصل على اكبر كتلة في البلدية والتي كانت تشكّل ما يقارب نصف مقاعد البلدية. وبعد هذا النجاح الباهر خرجت الجماهير الشعبية في الناصرة الى ساحة العين ونصب الأهالي صفا من السحجة والدبكة وهم ينشدون الاناشيد الوطنية والاغاني الشعبية في هذه المناسبة وكانوا يهتفون "بلدية شعبية غصبن عن الرجعية"، وهكذا نرى ان كل هذه التحولات والنجاحات ادت الى بدء مرحلة جديدة من التطور في الناصرة ومنطقتها.

 

 ان السلطة لم تتوقف يوما واحدا عن العمل على حياكة المؤامرات وتجنيد الاعوان من اجل النيل من فرع الحزب الشيوعي في عرابة لانها كانت ترى انه يتطور يوما بعد يوم، وعلى هذا الاساس قامت في شهر ايلول من سنة 1955 بحبك مؤامرة بواسطة نظام الحكم العسكري والشرطة وعن طريق بعض المخاتير واعوانها بالقرية، حيث نُظّم في ذلك الوقت اعتداء همجي على نادي الحزب الشيوعي في القرية من قبل مجموعة من اعوان السلطة، حيث قاموا بالاعتداء على الرفاق الذين تواجدوا في النادي وهم الرفاق طيب الذكر محمود شاكر خطيب واخيه امد الله في عمره محمد شاكر خطيب، ومن بعد ذلك انتقلوا للاعتداء على بيتنا حيث حاولوا الاعتداء على طيبي الذكر محامي الارض حنا نقارة ولطفي زريق الذين تواجدا في بيتنا مع والدي واخي الاكبر مصطفى، ولكنهم لم يستطيعوا النيل من الرفاق الضيوف في بيتنا حيث جابههم والدي واخي، ولكن والدي واخي اصيبا في هذا الاعتداء، وفي هذه الاثناء كنت مع اخي اسعد نوزع دعوات للاجتماع الشعبي الذي كان يجب ان يُعقد في عرابة، وقد حضر اخي يوسف واسعد وانا معهم متأخرين وكان المعتدون ما زالوا في بيتنا، ولذلك كنا نلقي الحجارة عليهم، أي على الشلة المعتدية على بيتنا، ونتيجة لذلك لم يخرج اي واحد من المعتدين الا وكان قد نال نصيبه ايضا، وبعد هذا الاعتداء قدمت شكوى ضدهم من قبلنا ومن قبل المحامي حنا نقارة. ومن خلال هذه الدعوى عمل المحامي حنا نقارة من اجل تلقينهم درسا حتى لا ينسوه للابد وان يعملوا في المستقبل الف حساب لاي عمل يقومون به في المستقبل ضد الحزب الشيوعي او مجرد القيام بمثل هذه الاعمال الغوغائية، واستطاع المحامي حنا نقارة ان يقدمهم للمحكمة بالرغم من كل محاولات السلطة ونظام الحكم العسكري التدخل لصالحهم، ولكن في النهاية قدم عدد منهم للمحاكمة وعمل حنا نقارة على تأجيل المحكمة عدة مرات وكل مرة كان عليهم ان يحضروا جميعا الى المحكمة وهذا يكلفهم، وبالاضافة لذلك حكم عليهم بدفع غرامات مالية الامر الذي ادى فيما بعد الى كسر شوكة الرجعية واعوان السلطة المحليين، وبعد هذا الحادث اصبح اعوان السلطة يعملون الف حساب قبل ان يفكروا ولو تفكير في الاعتداء على الشيوعيين وان الامر ليس سهلا. وهكذا نرى ايضا انه جرت نقطة تحول اخرى في صالح فرع الحزب الشيوعي حيث تعمقت جذوره اكثر داخل القرية وادى الى التفاف حوله وتعاطف معه بعد هذا الاعتداء الجبان الذي قامت مجموعة من اعوان السلطة المحليين على نادي الحزب الشيوعي وعلى بيتنا.


 
 في سنة 1955 جرت الانتخابات للكنيست الثالثة وقد حافظ فرع الحزب الشيوعي في عرابة على قوته حيث حصل على 15% من الأصوات، وبعد هذه الانتخابات بدأ حزب مبام بالعمل من أجل الدخول الى قرانا العربية ومن أجل إقامة فروع له و"للشبيبة العربية الطلائعية" وبدأ لهم نشاط مكثف في تلك المرحلة في عرابة وبدأت مجموعة من الشباب بالإلتفاف حول هذا الحزب، خاصة أنه لم تكن هناك مقاومة له من قبل السلطة وفي الوقت نفسه كانت هذه المجموعة تأخذ المنتسبين الى الكيبوتسات للعمل هناك، الأمر الذي أغرى في البداية بعض الشباب فبدأوا يعملون في داخل القرية من أجل تقوية هذا الحزب. بالمقابل، رأى الحزب الشيوعي والشبيبة الشيوعية في عرابة في أفكار هذا الحزب وممارساته الصهيونية خطراً على ثقافة مثل هؤلاء الشباب في عرابة وهنا كان الدور الهام للشبيبة الشيوعية من أجل شرح خطورة الإنضمام الى الأحزاب الصهيونية.
 المبام نما نسبياً في قرانا العربية خاصة في فترة الخلاف الذي برز في سنوات 1958-1959 بين الشيوعيين في الأقطار العربية وبين القائد الوطني جمال عبد الناصر، حيث إستغل هذا الحزب هذه المرحلة خاصة وأنه كان لديه جريدة ناطقة باللغة  العربية بإسم "المرصاد" وقد إستغلت جميع الأحزاب الصهيونية هذا الخلاف من أجل مصلحتها بين الجماهير العربية، خاصة في معركة انتخابات الكنيست الرابعة في سنة 1959 وقد أثرت دعايتهم فعلاً بين جماهيرنا في ذلك الوقت وقامت جريدة المرصاد في تلك الفترة برسم كاريكاتوراً يظهر فيه (الصهيونية والحركة القومية العربية متعانقتين وتركل الشيوعية). في عرابة بالذات كان هناك أشخاص متفرغين للعمل من أجل نشر أفكار هذا الحزب بين الشباب.
 ولكن  الحزب الشيوعي والشبيبة استطاعوا ان يحجموهم في فترة إنتخابات الكنيست الخامسة التي جرت في سنة 1961 حيث حصل الحزب الشيوعي على نسبة 40% من الأصوات في عرابة وعملياً ذاب ذلك الحزب عندما دخل مع أحزاب "مباي" و"أحدوت هعفودا" في قائمة واحدة سميت بإسم "التجمع".


 
 اننا ما زلنا نتحدث عن سنوات الخمسينات الاولى من تلك الفترة وفي هذه المرحلة التي تحدثنا عنها نشأت ظروف جديدة وتحول هام في مصر العربية حيث قامت في تموز سنة 1952 ثورة الضباط الاحرار ضد النظام الملكي الذي كان سائدا في مصر حيث قام نظام جمهوري جديد ونتيجة لهذا التحول في مصر ادى ايضا الى رفع الوعي القومي والوطني بين الجماهير العربية. ان هذه الثورة بدأت خطواتها الاولى قيادة حركة الضباط الاحرار الذين اختاروا الضابط محمد نجيب كرئيس للدولة في ذلك الوقت. ولكن هذه الثورة لم تأخذ بُعدها القومي والوطني والعالمي الواسع الا بعد ان قرر هؤلاء الضباط انتخاب الزعيم الوطني الخالد جمال عبد الناصر رئيسا لجمهورية مصر العربية في سنة 1954 وبعد هذا بفترة بدأ عبد الناصر توجهه الجديد وخلال فترة قصيرة تمكن من وضع مصر والعالم العربي في مركز الاحداث العالمية، وبدأ يتخذ اتجاهات استقلالية تحررية ثورية لم يعرفها الحكام العرب السابقين وفي الوقت نفسه اخذ يعمل بكل جد ومسؤولية من اجل تخليص مصر من السيطرة الاستعمارية خاصة بعد ان تخلت بريطانيا عن استيراد كميات كبيرة من القطن المصري حيث وجدت مصر اسواقا جديدة هي اسواق الدول الاشتراكية وكانت هناك جملة مشهورة لاحد زعماء الصين الشعبية في ذلك حيث قال لجمال عبد الناصر "ان القطن المصري يمكن ان نستوعبه كله اذا قررنا زيادة كل قميص في الصين سنتمتر واحد فقط" وكان هذا هو شوأن لاي الشخصية الثانية في الصين بعدما ونس تونغ في ذلك الوقت. ولذلك رأى عبد الناصر ان الطريق الصحيح من اجل مصلحة مصر واستقلالها وتحررها السياسي والاقتصادي يجب ان يجد طريق للتعاون مع الدول الاشتراكية وعلى هذا الاساس بدأ ببناء علاقات الصداقة مع الصين الشعبية ومع بقية المعسكر الاشتراكي في ذلك الوقت، ومن خلال هذه العلاقة وجد سوقا جديدا للقطن المصري واستطاع ايضا ان يكسر احتكار السلاح عن طريق عقد صفقة السلاح المشهورة في ذلك الوقت مع جمهورية تشيكوسلوفاكيا الاشتراكية. وبعد هذه الصفقة ازداد تآمر الدول الاستعمارية ضد جمهورية مصر العربية وضد جمال عبد الناصر وخاصة بعد انعقاد مؤتمر باندونغ في 24\04\1955 وفي هذا المؤتمر اعلنت شعوب اسيا وافريقيا التي استقلت حديثا "ان الاستعمار الغربي هو عدوها اللدود، وهي قوة تستطيع ان تحول دون تسربه الى اوطانها" وكان هذا المؤتمر بقيادة خمسة زعماء اساسيين في ذلك الوقت وهم جمال عبد الناصر رئيس مصر وماو تسي تونغ الزعيم الصيني وجواهر لال نهرو زعيم الهند واحمد سوكارنو زعيم اندونيسيا وجوزيف بروزنيتو زعيم يوغسلافيا. وهكذا تأسّست عمليا مجموعة دول الحياد الايجابي بقيادة هؤلاء الزعماء الخمسة، ونتيجة لهذا كله بدأ التآمر بشكل مكثف ومكشوف من قبل الدول الاستعمارية والدول الرجعية التي تسير في فلك الاستعمار وكذلك الرجعية العربية التي رأت في سياسة عبد الناصر وتوجهاته الاستقلالية الثورية والتحررية، الخطر الداهم عليها، نتيجة للموقع المتميز الذي بدأ يتمتع فيه بين الجماهير الشعبية في العالم العربي كله. وفي تلك الفترة ايضا، كان يفكر بالذات في تحقيق حلم مصري قديم الا وهو بناء السد العالي في اسوان، وكان عبد الناصر قد بدأ في التفاوض مع بريطانيا والولايات المتحدة من اجل تنفيذ هذا المشروع الهام في حياة مصر وقد توصل معهم الى اتفاق من اجل تمويل هذا المشروع، ولكنهم كانوا ينوون عن طريق هذا المشروع ان يعيدوه الى مواقعهم وبدأوا يضعون شروطا قاسية من اجل تنفيذ المشروع وعمليا كانت شروطا مذلة لمصر وعندما رأى عبد الناصر هذا التوجه وهذه الشروط المذلة رفضها ولم يقبل بها بأي شكل. عندها اعلنت حكومتا امريكا وبريطانيا بتاريخ 20 تموز سنة 1956 الغاء الوعد بتمويل مشروع بناء السد العالي، وقد قال جون فوستر دلاس وزير خارجية امريكا في ذلك الوقت "انه بهذا الاجراء يريد ان يعلم درسا لجميع الدول التي تتعامل مع الاتحاد السوفياتي" ولم يكن رد الرئيس جمال عبد الناصر متأخرا بل جاء ردا سريعا ومفحما وقاسيا لهذه الدول الاستعمارية، ففي خطابه التاريخي في تاريخ 26\07\56 اعلن فيه القرار التاريخي ايضا بتأميم قناة السويس وعودتها الى اصحابها الشرعيين اي الى الشعب المصري، وعمليًا بهذا القرار قد قضى على موقع هام وجوهري من مواقع الاستعمار الاقتصادية في مصر.

 

 ان هذا القرار لم يتوقعه الاستعمار وحكام اسرائيل فوقع على رؤوسهم كالصاعقة، ولكنه من ناحية اخرى كان قرارا تاريخيا هاما رفع من مكانة مصر ورئيسها جمال عبد الناصر بين شعوب العالم وقوى السلام العالمية وبشكل خاص بين الشعوب العربية حيث خرج هؤلاء بتظاهرات جبارة دعما للشعب المصري وقراره التاريخي هذا، وبعدها بدأ اكثر واكثر ارتفاع المد الثوري لحركة التحرر القومي العربية في مختلف الاقطار العربية وكانت قد بدأت ايضا في سنة 1954 الثورة الجزائرية، في ظل مثل هذا المد، حتى أن الملك حسين اضطر الى طرد غلوب باشا البريطاني والذي كان قائدا للجيش الاردني في ذلك الوقت وفي فترة نكبة شعبنا العربي الفلسطيني ومعه طرد ايضا عددا اخر من الضباط البريطانيين المتواجدين في قيادة الجيش الاردني وكان ذلك في اذار سنة 1956. وبعدها اي في اوائل شهر تشرين الاول من السنة نفسها جرت الانتخابات البرلمانية في الاردن وبعدها اقيمت حكومة وطنية برئاسة سليمان النابلسي، حيث نجح في البرلمان باكثرية وطنية. وفي تلك الانتخابات نجح شيوعي لاول مرة في البرلمان الاردني، هو الرفيق طيب الذكر فائق وراد احد قادة الحزب الشيوعي الاردني. وبعد كل هذه التطورات لم يكن الاستعمار وعملاؤه في المنطقة "نايمين على ودانهم" كما يقول المصاروة بل كانوا يحيكون مؤامرة رهيبة ضد الشعب المصري، ففي تاريخ 29 تشرين الاول سنة 1956 بدأ العدوان الثلاثي على مصر عندما غزت القوات الاسرائيلية شبه جزيرة سيناء، ولم تمض اربعة وعشرون ساعة على هذا العدوان الا وكانت قد اصدرت فرنسا وبريطانيا انذارا موجها الى مصر تأمرها فيه بالتراجع عن ضفتي قناة السويس والسماح لقواتها باحتلال ضفتي القناة تحت حجة ضمان حرية الملاحة الدولية في قناة السويس. ولكن الشعب المصري وقيادته الوطنية رفضوا هذا الانذار والذي عرفوا هدفه، الا وهو اعادة السيطرة للاستعمارية على قناة السويس وعمليا الغاء قرار التأميم. عندما رفضت القيادة المصرية هذا الانذار دخلت القوات الفرنسية والبريطانية المعركة ضد مصر الى جانب القوات الاسرائيلية هذا العدوان الذي عرف بالعدوان الثلاثي على مصر العربية والذي جابهه الشعب المصري وقيادته الوطنية بكل قوة وتصميم على النصر ورد العدوان وان مآثر وبطولة بور سعيد والشهيد البطل جول جمال ابن الشعب العربي السوري وهجومه الجريء على السفينة الحربية الفرنسية التي كانت محملة بالاف من القوات الفرنسية الغازية والذي استطاع تدميرها، وكان قد هب الاتحاد السوفياتي للدفاع عن مصر ففي خمسة تشرين الثاني اي بعد ايام قليلة جاء الانذار السوفياتي الشهير على لسان الرئيس بلغانين في ذلك الوقت بلهجته الحازمة والواضحة للدول الثلاث المعتدية بريطانيا وفرنسا واسرائيل بأن يوقفوا عدوانهم حالا وبناء على ذلك اتُّخذ قرار دولي في مجلس الامن بوقف العدوان وعودة الجيوش المعتدية الى مواقعها الاولى، وبعد فترة قصيرة لموا ذيولهم ورحلوا وبقيت قناة السويس حتى يومنا هذا ملكا للشعب المصري، صاحبها الشرعي، وخلال هذا العدوان وبعده كانت قد جرت مظاهرات جبارة في غالبية دول العالم بما فيها فرنسا وبريطانيا واسرائيل ضد هذا العدوان الغاشم ودعما للشعب المصري وقيادته الوطنية البطلة. ففي اسرائيل كان هناك دورا هاما للحزب الشيوعي في العمل ضد هذا العدوان على الشعب المصري ومن اجل عودة جميع الجيوش المعتدية بما فيها القوات الاسرائيلية الى مواقعها الاولى قبل العدوان. وخلال هذا العدوان اعتقلت السلطات الاسرائيلية عددا من قادة الحزب في الوسط العربي وكذلك قيادات وطنية اخرى بأوامر ادارية.

 (عرابة البطوف)
 (يتبع)

توفيق كناعنة*
الثلاثاء 18/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع