في الذكرى الخامسة للاحتلال
الغزو الامريكي للعراق خلق اكبر كارثة انسانية في العالم الحديث!!



تصادف في هذه الايام الذكرى السنوية الخامسة للغزو العسكري الانجلو امريكي للعراق واحتلاله. ومعطيات احداث السنوات الخمس المخضبة بدماء ومعاناة الشعب العراقي ضحية الاحتلال الامريكي الهمجي تعكس حقيقة ما اكدناه منذ اليوم الاول للعدوان الامريكي وهو ان ما يجري اعداده في السراديب المعتمة "للبيت الابيض" الامريكي يناقض تماما الدوافع والاهداف التي اعلنتها في حينه ادارة بوش – تشيني – رامسفيلد لتبرير الحرب العدوانية. فقد ادعت بشكل تضليلي ان دوافع واهداف شن الحرب على العراق تتلخص في امرين اساسيين مترابطين عضويا، الاول، ضمان الحرية والدمقراطية وحقوق الانسان للشعب العراقي وذلك من خلال الاطاحة بالنظام الدكتاتوري لصدام حسين. والثاني، تخليص بلدان جوار العراق، بلدان الخليج العربي – الفارسي ومنطقة الشرق الاوسط من الخطر الذي يهدد امنها واستقرارها بفعل اسلحة الدمار الشامل الذرية والكيميائية الموجودة لدى نظام صدام حسين!! لم تنطل علينا هذه الاكاذيب التضليلية الثعلبية، وانطلاقا من تحديدنا لطابع الهوية الطبقية الفكرية والسياسية للطغمة الحاكمة في الولايات المتحدة الامريكية اكدنا ان طغمة اليمين المحافظ من عتاة الرجعية المغامرة المرتبطة مصالحها بالنشاط الاقتصادي في مجال النفط والسلاح تعمل على استغلال الخلل الحاصل في ميزان القوى عالميا لبسط هيمنتها عالميا حتى لو ادى ذلك الى الدوس على ابسط حقوق الانسان وسيادة البلدان. فانهيار "العالم القديم"، كما يحلو للمنظّرين البرجوازيين وصف العالم متعدد الاقطاب، بانهيار الاتحاد السوفييتي والانظمة الاشتراكية في اوروبا الشرقية، اوجد بشكل مؤقت عالما احادي القطبية – الولايات المتحدة الامريكية بجبروتها الاقتصادي والعسكري. وقد استغلت قوى اليمين المحافظ في الولايات المتحدة الامريكية هذا الخلل الحاصل في ميزان القوى عالميا والتفجيرات الارهابية في نيويورك وواشنطن في سبتمبر الفين وواحد للشروع في تنفيذ استراتيجيتها المبيتة كونيا. فتحت ستار "الحرب الكونية ضد الارهاب" اعطت ادارة اليمين المحافظ في "البيت الابيض" لنفسها صلاحية القيام بدور الشرطي العالمي لمعاقبة وتأديب كل من تسول له نفسه الوقوف في وجه السياسة الامريكية او تهديد مصالحها. ولتبرير وشرعنة القيام بدور الشرطي العالمي بعيدا عن الالتزام بمبادئ وقوانين الشرعية الدولية لجأت ادارة بوش الى "مكيجة" وجه استراتيجيتها الكونية بمساحيق تجميلية مثل الدفاع عن حرية وحقوق الانسان والدفاع عن حرية وسيادة الشعوب، ولكنها في الوقت ذاته بنت استراتيجيتها على قواعد نظرية تنزيل المكياج المصطنع عن وجهها وتعرّي سياسة القوة والبلطجة العربيدة بهدف الهيمنة وخدمة المصالح الاستراتيجية للامبريالية الامريكية، واحتكاراتها عابرة القارات ومتعددة الجنسيات.

 

فالقاعدة النظرية للاستراتيجية الجديدة التي مارستها ادارة بوش واليمين المحافظ انطلقت من ان مساحة "الامن القومي الامريكي" تشمل كل العالم، كل بقعة او منطقة او بلد من بقاع ومناطق وبلدان العالم!! وحسب هذا التقييم النظري فان أي نظام او أي قوة في أي مكان من امكنة العالم تناهض سياسة الهيمنة والعربدة الامبريالية الامريكية تعتبر في نظر ادارة بوش خطرا يهدد الامن القومي الامريكي ولا مفر من ازالة هذا الخطر. وهذا اعطى عمليا الضوء الاخضر لادارة بوش لممارسة عولمة ارهاب الدولة الامريكية المنظم وشن الحروب العدوانية. و"لحماية" الامن القومي وتبرير العدوان لجأت الى استخدام الآلية او الوسيلة النظرية الثانية في استراتيجية اليمين المحافظ وهي شن الحروب الاستباقية او الحروب الوقائية، أي انه يكفي الادعاء بان نظاما ما لديه نوايا معادية للامريكان او يؤوي "منظمات ارهابية" او يحتمل ان يهدد امن بلدان جواره او مصالح امريكية يكفي ذلك لشن حرب عدوانية عليه. وهذا الاسلوب والنهج العدواني البلطجي العربيد يلجأ اليه المحتل الاسرائيلي في اعماله العدوانية والحربية ضد الفلسطينيين وبلدان الجوار العربي.
وفي انطلاقتها العدوانية اعتمدت ادارة بوش على اختيار الحلقات الضعيفة لتجسيد استراتيجيتها للهيمنة، فبعد افغانستان والاطاحة بنظام الطالبان الظلامي، توجهت جحافل الغزو والعدوان الامريكية الى بلاد الرافدين مستغلة دكتاتورية نظام صدام حسين وعزلته في المنطقة لتبرير واعطاء المصداقية لحربها التدميرية الاستراتيجية العدوانية في آذار الفين وثلاثة واحتلال العراق. فالهدف الاستراتيجي للامبريالية الامريكية لم يكن ابدا، كما ادعت ادارة بوش وخدامها، ضمان الحرية لشعب العراق، فمعطيات خمس سنوات تعكس احداثها حقيقة ان نكبة الشعب العراقي تحت نير الاحتلال الامريكي وحلفائه ودواجنه من العراقيين اشد وطأة واكثر مأساوية من نكبته ابان الاجتياح المغولي التتاري بقيادة هولاكو. فالمعطيات المأساوية تشير الى ان الغزو الامريكي للعراق خلق اكبر كارثة انسانية في العالم الحديث، ووفق هذه المعطيات فقد قتل في ظل الاحتلال الانجلو امريكي اكثر من مليون عراقي واكثر من مليوني جريح ومشوّه وحوالي اربعة ملايين لاجئ عراقي في داخل وخارج العراق يفتشون عن مكان آمن هربا من شبح الموت والقتل. هذا اضافة الى جرائم التعذيب السادية التي يرتكبها المحتل الامريكي في ابو غريب وغيره! فعن أي حرية وحق للانسان يتشدق النظام الامريكي الذي يدوس على ابسط حقوق الانسان وحقه في الحرية والسيادة الوطنية.

 

ان اكبر جريمة ارتكبها ويرتكبها الاحتلال الامريكي بحق الشعب العراقي الماجد، هو لجوؤه الى مصادرة ودفن الهوية الوطنية لهذا الشعب ومحاولة خصخصة الوحدة الاقليمية لدولة العراق الى دويلات هشة وذلك من خلال اشعال نيران الصراع الاثني والطائفي وتأجيج حدة التعصب الطائفي الى درجة تفجير حرب اهلية بين السنّة والشيعة، بين العرب والاكراد وغير ذلك والتي لا يستفيد من ورائها سوى المحتل.

 

لقد اثبت تطور الصراع في العراق انه لا يمكن التعايش مع وجود احتلال غاشم هدفه الاستراتيجي نهب نفط العراق وخيراته الوطنية وامتهان كرامة الشعب العراقي وسيادته الوطنية. فالاحتلال ولّد المقاومة العراقية بمختلف اشكالها المسلحة والسلمية، وتحول العراق الى جهنم تحرق نيرانها المحتلين والى مقبرة للغزاة. فحسب احصائيات وزارة الحرب الامريكية قارب عدد من قتل من قواتها الغازية في العراق الاربعة آلاف جندي وقائد عسكري اضافة الى عشرات الوف الجرحى. هذا اضافة الى التكلفة المادية الهائلة التي تحرق المليارات من الدولارات شهريا في اتون الحرب الاحتلالية في العراق، فالحرب في افغانستان والعراق كلفت حسب الاحصائيات شبه الرسمية الامريكية الخزانة الامريكية اكثر من اربعة تريليونات من الدولارات، ومواصلة احتلال العراق يكلف الخزينة الامريكية شهريا اكثر من 12 مليار دولار. وتحاول ادارة بوش اجهاض المقاومة العراقية من خلال زرع وتأجيج الفتنة الطائفية بين فصائلها والصراع فيما بينها، خاصة بين السنّة والشيعة، وحتى بين فصائل الشيعة وداخل كل فصيل مقاومة. ولكن رغم كل ذلك فالحقيقة الساطعة ان الاحتلال الامريكي للعراق في وضع مأزوم، فقد فشل في ضمان الامن والاستقرار، وتأجيجه "للفوضى الايجابية" من خلال تأجيج الصراع الطائفي لم يعزز حالة الامن للوجود الاحتلالي، ولهذا يلجأ المحتل الامريكي الى ايجاد لغة تفاهم ومصالح مشتركة مع النظام الايراني بهدف ضمان امنه في العراق يخدم مصالح الطرفين.
كما ان الحقيقة الساطعة تؤكد انه تتسع الدوائر المطالبة بانهاء الاحتلال الامريكي للعراق، تتسع دوائر المقاومة العراقية وبين اوساط الرأي العام العالمي وداخل الولايات المتحدة الامريكية نفسها. والعديد من الدلائل والمؤشرات تشير ليس فقط ان العراق مقبرة للغزاة وان النصر سيكون حليف شعب العراق وتطلعاته للتحرر والاستقلال والسيادة الوطنية، بل كذلك سيكون احتلال العراق مقبرة لنظام اليمين المحافظ ولسقوط الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في شهر تشرين الثاني من العام الفين وثمانية الجاري.
ولمواجهة فشله الذريع في العراق، مواجهة الضغوطات المتعددة لانهاء احتلال العراق وضمان سيادة واستقلال العراق، تحاول ادارة بوش واليمين المحافظ خلق اوضاع في العراق تضمن المصالح الاستعمارية الامريكية الاستراتيجية والاقتصادية، حتى بعد التوصل الى اتفاق باعلان انهاء الاحتلال رسميا. ففي الحادي عشر من شهر آذار الحالي وعشية الذكرى السنوية الخامسة لاحتلال العراق، بدأت في بغداد محادثات بين الحكومة العراقية والولايات المتحدة الامريكية حول اتفاقية تحدد شكل ما يسمى "التعاون المستقبلي بين البلدين". وحسب بيان اصدرته وزارة الخارجية لحكومة الدمى الامريكية في بغداد جاء "ان بغداد وواشنطن بدأتا محادثات بينهما للتوصل الى اتفاق لتنظيم العلاقة بين الدولتين الصديقتين على اسس سليمة بعد انتهاء فترة تطبيق قرار مجلس الامن الدولي نهاية العام الحالي وخروج العراق من أحكام الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة". فقرار مجلس الامن حسب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة شرعن عمليا الاحتلال الامريكي وشرعن الوصاية الاجنبية على العراق حتى نهاية العام 2008 الجاري، والرئيس بوش رفض اقتراحا في الكونغرس ولجأ الى استعمال حق الفيتو لمنع اتخاذ قرار بجدولة عملية انسحاب القوات الامريكية المحتلة من العراق. وبرأيي ان المحادثات الجارية بين الوفد الامريكي وخادمه المطيع الوفد العراقي يدور حول بقاء الهيمنة الامريكية في العراق حتى بعد جدولة انسحاب الغزاة من العراق، يدور حول زرع العراق بقواعد عسكرية امريكية، احتكار امريكي في تسليح جيش عراقي مدجن امريكيا، ضمان حماية المصالح الاحتكارية الامريكية .

د. احمد سعد *
الثلاثاء 18/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع