على درب الختيار



أكاد أكون على يقين من أنّ صدور كثيرين قد أثلجت لقراءة ذكريات "الختيار الذي لم تمت أجياله"، الرفيق العريق توفيق كناعنة، والتي تجسّد، بكل ما يمكن للبساطة أن تحمله من صدق، مشروعَ جماهيرنا الأول والأخير: البقاء والتجذّر في الوطن.
لن أطيل الحديث عمّن يعملون صبح مساء على تزوير التاريخ، وتقزيم نضال الشيوعيين وحزبهم، وشطب دور رفاقنا الأبطال الذين شقوا درب الكفاح والكرامة في أصعب الظروف، حين كان للموقف الوطني والنضال ثمنٌ باهظ فادح؛ فقد أصبح الأمر حقيقة واقعة: ثمة مشروع كهذا، ممنهج وممأسس، تُرصد له موارد ماديّة وبشريّة كبيرة، متعدّدة المصادر والمصائر. فماذا نحن فاعلون؟
مجتمعنا العربي مجتمع شاب. وقد باتت أسماء مطربي الفضائيات ومناضلي الفضائيات، لشديد الأسف، معروفةً للأجيال الشابة وحاضرة في ذاكرتهم أكثر من أسماء مثل توفيق طوبي وتوفيق زيّاد وإميل توما وإميل حبيبي وصليبا خميس وحنا نقارة وغيرهم من الراحلين والباقين. هذه حقيقة مؤلمة جدًا. ولكن هذا هو الواقع الذي نواجهه اليوم في غمار الثورة التكنولوجية وغمر الشباب بكميات مهولة من المعلومات التي تحوّلهم إلى كائنات استهلاكية لا أكثر. هذه الأجيال مهدّدة بفقدان أحد أهم مقوّمات الهوية، ألا وهو الذاكرة.
ولكن البشرى التي نستطيع زفّها إلى حزبنا تحضيرًا لذكرى تأسيسه التسعين، هي وجود عدة اجتهادات في السنوات الأخيرة لصون هذه الذاكرة وتوثيق هذا التاريخ، بالذات في حقبة الحكم العسكري العصيبة. منها - على سبيل المثال لا الحصر - كتاب "يوميات برهوم البلشفي" حديث الصدور، والذي يوثق فيه الرفيق خالد ابراهيم تركي نضالات الحزب في منطقة حيفا في الخمسينيات والستينيات؛ ومسرحية "حرية" للمخرج ناظم شريدي حول والده الراحل محمد شريدي ونضاله ورفاقه في منطقة المثلث؛ وكم يسعدنا أن تضاف إلى هذه الأعمال ذكريات رفيقنا "الختيار" توفيق كناعنة ابن عرّابة يوم الأرض الخالد، أمدّ الله في عمره وعمر مجايليه من المناضلين الشيوعيين الذين نعتزّ ونفتخر بهم، خاصةً أولئك الجنود المجهولين الذين لم يزاحموا على منصب يتبوأونه ولم يبحثوا عن اسمهم في الجريدة. ويا حبّذا لو تعلمنا منهم خصلة التواضع هذه، والتي نجدها عند أبي ابراهيم، الذي لا يمنعه رصيده النضالي الغني من أن يصف نفسه بـ"الإنسان العادي ذي الدور المحدود نسبيًا"، وأن يعتبر نفسه "جزءًا بسيطًا من تاريخ هذا الحزب العريق". هذه هي الأخلاق الشيوعية التي يجب أن نذوّتها ونمارسها.
هذه المبادرات والاجتهادات هامة جدًا. والمطلوب هو تكثيفها في جميع الفروع والمناطق. وإذا لم يكن في وسع الرفاق الكتابة بنفسهم فلا ضير في الاستعانة بآخرين. ولكن يتوجّب على الحزب أيضًا وضعُ خطة مدروسة للحفاظ على هذا التاريخ الكفاحي المشرّف من الاندثار ومن حقد الحاقدين وعبث العابثين.

رجا زعاترة
الثلاثاء 18/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع