نكبة الخبز في مصر



في هذه الأيام، تعصف بالمجتمع المصري أزمة خطيرة ذات دلالات مثيرة للألم. إنها أزمة الحصول على رغيف الخبز. فالطوابير طويلة، والمُتاح من "العيش" لا يكفي، والاحتقان كبير، وهو ما أدى حتى الآن الى مقتل أربعة مواطنين مصريين وسط "معركة" البحث المضني عن اللقمة.
تدّعي الحكومة المصرية أن السبب فيما يجري هو "سوء ادارة التوزيع في المخابز"، أي أنها ترمي بالمسؤولية عن كاهلها لتوزّعها على مواطنيها. بمعنى ما، إنها تواصل سياسة الخصخصة البشعة إيّاها، وهذه المرة عن طريق خصخصة المسؤولية عن أصل الأزمة، بدلا من تحمّل مسؤوليتها الوطنية والقانونية والأخلاقية.
أما المعارضة التقدمية المصرية، فتشير الى أصل الداء، وهو الكامن في تلك السياسات الاقتصادية القاتلة المعتمدة في "أمّ الدنيا" من قبل نظامها الحاكم، والذي يسير وفقًا لاملاءات أقطاب العولمة الامبريالية ومركزها واشنطن.
هذه الدولة الكبيرة يرويها "النيل" العظيم، أطول نهر في العالم، وفيها من الأراضي والثروات الوطنية ما يجعلها قادرة على توفير لقمة العيش، وجميع ظروف العيش الكريمة لأهل وأصحاب مصر الحقيقيين، شعب مصر. لكن الأمر ليس منوطًا بوجود الثروات فقط بالطبع، بل بسياسة ادارتها والاستفادة منها، وباعتماد حكومتها سياسات من أجل الشعب، وليس لخدمة أصحاب الرساميل، الأجنبية منها والمحلية.
من المعروف أن مصر تتعرّض منذ أواخر السبعينيات، خلال عهد أنور السادات، الى سياسة ليبرالية ما انفكّت تصبّ في خدمة الأغنياء والعناصر والعصابات الاقتصادية الرأسمالية الأجنبية، وهو ما أطلق عليه "سياسة الانفتاح". هذا الانفتاح لم يؤدّ الى فتح فرص جديدة للتطوّر أمام الشعب، بل إنه فتح مصر وثرواتها أمام عمليات النهب الأجنبي والمحلي. في هذا السياق تعمّقت سياسات الخصخصة ورُفع الدعم الوطني عن مختلف مرافق الحياة والخدمات الأساسية، وهو ما ترافق بجرائم فساد عديدة.
مع تواصُل هذه السياسة، والتي تعمّقت عندما قرّر النظام المصري الانغماس أكثر في السياسات النيوليبرالية، تعرّضت قطاعات هامة الى ضربات كان بعضها قاصمًا. نذكر منها ضرب زراعة وانتاج القطن، الذي لطالما كان مفخرة لمصر، وتزايد البطالة وتردّي الأجور وانسحاق الحقوق الاجتماعية-الاقتصادية، والتي تضطرّ مجتمعةً ملايين المواطنين على الهجرة للخارج بحثا عن مصدر رزق.
هناك دعوات لاقالة الحكومة الحالية، لكن هذا لن يكون حلا. فالأحزاب والحركات المعارضة التي تضع العدالة الاجتماعية في صُلب برنامجها (وليس أيّ بيان دينيّ مسيّس كان، ولا أيّ بيان دمقراطي على النمط الليبرالي الغربي)، تشير الى، وتطالب بتغيير السياسة جذريًا، بحيث تحافظ مصر على اقتصادها الوطني، وبالتالي على استقلالها الوطني وكرامتها الوطنية، وليس مواصلة الاذدناب لمشاريع وسياسات رأسمالية وامبريالية، يدفع ثمنها الباهظ عشرات ملايين المصريين، الذين باتوا اليوم منكوبين، ويا للعار، حتى في رغيف الخبز.

(الاتحاد)

الأثنين 17/3/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع